الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماذا لديك منهم؟.. خطيب المسجد الحرام يوضح 6 صفات للمتقين

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام

قال الشيخ الدكتور أسامة خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام،  إن  صدق التعامل، وصفاء القلب، وتزكية النفس، وصواب المقصد، وسلامة الوسيلة، وصحة الغاية، من أظهر صفات المتقين.

أظهر صفات المتقين

وأوضح " خياط" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن كل أولئك: من أظهر صفات المتقين من عباد الله، والصفوة من عباد الرحمن، الذين استضاءت قلوبهم بأنوار القرآن، وأشرقت نفوسهم بآياته وعِظاته، فغدوا في ضياء القرآن وهدي النبوة؛ أشد الناس حبًّا لله، وأعظم الخلق حبًّا لرسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-.

وأضاف أن من لوازم ذلك: كمال المحبة لما يحبه الله ورسوله، وتمام البُغض لما يبغضه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ، منوهًا بأنه مما أبغضه الله تعالى وكرهه رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- صفة المكر السيئ، وهو إخفاء الأذى، والسعي إلى إيصاله إلى مَن مُكر به بكل سبيل، فكان سيئًا مكروهًا من صفات الأشرار، لا من صفات المؤمنين الأخيار.

وأشار إلى أنه كانت عاقبة أهله أن يحيط بهم جزاء مكرهم، ويرتد عليهم سوء تدبريهم، فينقد الله ما أبرموه، ويحبط الكيد الذي كادوه، ويبوؤن بالخزي والهزيمة، ويتجرعون غُصَص الحسرة والندامة، حين لا تنفع حسرة ولا ندامة، ونُقل عن الإمام محمد بن كعب القرظي -رحمه الله- قوله: "ثلاث مَن فعلهن لم ينجُ حتى يُنزل به-أي: حتى ينزل به عاقبة ما فعل- مَن مكر أو بغي أو نكث"، وتصديقها في كتاب الله قوله سبحانه: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)، وقوله: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم)، وقوله: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ).

عاقبة أهله

وأفاد بأنَّ كلَّ خَصلة من هذه الخصال، مؤذنة لمَن اتَّصف بواحدة منها بسوء المنقلب، وضلال السعي، وقُبح المصير، فكيف بمَن تلوَّث بأرجاسها جميعًا، فرضي لنفسه التردي في وهدتها، والسقوط في حمأتها ، مشيرًا إلى أن لصفة المكر المقبوحة في دنيا الناس، صُوَرًا تَجِلُّ عن الحَصر، وأمثلةً تربو على العد.

ولفت إلى أن من ذلك: ما يفعله بعض الناس من دخول بين المرء وزوجه، بالوقيعة والفساد، فيعمل على قطع حبل الوُدِّ بينهما، وتغيير قلب الزوجة على زوجها، بإغرائها بأن تطلب الطلاق من زوجها بدعوى أنه لا يصلح لها، وأنه لا يستحقها، وأنها لم تخلق له ولم يخلق لها، وليس عنده ما يحملها على البقاء معه.

وتابع:  وأن لها عليه إذا قَبِلت منه، وأجابته إلى ما أراد أن يُسارع إلى الزواج منها فور انتهاء عِدتها من زوجها، مع ما يعدها ويمنيها به من خفض عيش، وحياة مترفة مرفَّهة تنتظرها في كَنَفه، مهتبلًا فرصة وجود خلاف بين الزوجين، لا يكاد يسلم منه بيت، ولا تخلو منه أسرة، ضاربًا عُرض الحائط، بكل قواعد المروءة ومكارم الأخلاق، وشِيَم النبلاء، بسعيه إلى هدم أسرة وفضِّ اجتماع، وتشريد أولاد، غافلًا أو غير آبهٍ بالوعيد الزاجر لمَن فعل هذا العمل المرذول.

أهل المكر والخديعة

وبين أن من ذلك ، ما يقوم به بعض أهل المكر والخديعة، حين يعمد إلى امرأة ذات مال ومكانة، فيخطبها إلى وليِّها، مظهرًا الرغبة الخالصة في الاقتران بها، أملًا في أن تكون سكن نفسه، ورفيقة دربه، وأم أولاده، سالكًا في بلوغ هدفه كلَّ سبيل، مبديًا من معسول قوله، باذلًا من فضل ماله، ما يبلغ به الغاية، حتى إذا تمَّ له ما أراد، إذا به يكشف عن خبيئة نفسه، ويظهر حقيقة أمره، فما هو إلا طالب مال، وعبد دينار، ظَفِر بما سعى إليه.

واستطرد: ثم لم يلتفت بعد ذلك إلى فضل أو حقوق أهله عليه، بل إنه يرد لها الجميل إمَّا بطلاقها، وإمَّا بإبقائها في عِصمته؛ لكن كالمعلَّقة، غافلًا أو معرِضًا عن وصية النبي –صلَّى الله عليه وسلَّم- بالنساء في خطبة حَجَّة الوداع: "فاتَّقوا اللهَ في النساءِ"، وفي رواية: "استَوْصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانةِ اللهِ واستحللْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللهِ". وغافلًا أو معرضًا عن قوله عليه الصلاة والسلام: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ".

وشدد على أن ذلك يعد من أظهر الظلم وأشده ضررًا على الأسرة والمجتمع المسلم، ومن صور ذلك أيضاً ما يقوم به بعض الناس من إيهام غيره بأنه يعمل في مشروعات، ويشارك في صفقات، طالبًا إليه المشاركة بماله ليحظى بربحٍ مضمون، ومكاسب كبيرة كما يزعُم، فإذا انجلى الغبار، وأسفر الصبح، تبيَّن أنها صفقات وهمية، ومغامرات فاشلة، لم تُدرس، ولم تمحَّص، ولم يُعلَم ما وراءها، وغفل فاعل ذلك أو أعرض عما جاء من وعيدٍ لمَن يصنع ذلك.

أشد الظلم

واستشهد بما ورد عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنَّ رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ"، مضيفًا أن من ذلك أيضًا ما يفعله بعض مَن فَسَد طبعه، وساء عمله، بحسده لغيره، والنظر إلى ما في يديه، ممَّا حباه الله من فيض النِّعم، ووافر الخيرات، فيتمنَّى زوالها عنه، وانتقالها إليه، بغير جِدٍّ ولا عمل، بل حسدًا وظُلمًا وعدوانًا، فيسعى للكيد له، ويمضي بالمكر به.

وأكد أن الحاسد عدوُّ النِّعَم، وهذا الشرُّ هو من نفس الحاسد وطبعها، ليس هو شيئًا اكتسبه من غيرها؛ بل هو من خُبثِها وشرِّها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقد شاهد الناس عياناً أن من عاش بالمكر مات بالفقر" ، وصور ذلك كثيرة لا حدَّ لها، ومردُّها والباعث عليها، عدم الخوف من الله تعالى، وكراهة الخير لعباده.

وحذر من المكر السيئ، فإنه مرتد على صاحبه، محيط بأهله، وكفى به سوءًا أن يكون سببًا يفضي إلى ارتفاع ثقة الناس بعضهم ببعض، وإلى أن لا يأمن بعض الناس بعضًا، وليس ذلك شأن المجتمع الإسلامي الراشد، وإن في ذمِّ الله ورسوله لهذه الصفة لمزدجراً لقوم يعقلون.

الفرار إلى الله

ونوه بأنَّ أعظم ما يلوذ به مَن مُكِر به، الفرار إلى الله بصدق اللجوء إليه، وكمال الإقبال عليه، ودوام الثِّقة به سبحانه، واليقين بأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا ملجأ ولا منجى منه سبحانه إلا إليه، وذلك الفرار إلى الله تعالى، هو معنى الهجرة إليه، كما قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: ولهذا قال النبي –صلَّى الله عليه وسلَّم-: "والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه".

وواصل : ولهذا يقرن الله سبحانه بين الإيمان والهجرة في غير موضع لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر، والمقصود أنَّ الهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه و يرضاه، وأصلها الحب والبغض، فإن المهاجر من شيء إلى شيء لا بدأن يكون ما هاجر إليه أحب مما هاجر منه، فيُؤْثِر أحب الأمرين على الآخر وأنه إذا كان نفس العبد وهواه وشيطانه إنما يدعوانه إلى خلاف ما يحبه و يرضاه.

وأشار إلى أن قد بُلِيَ بهؤلاء الثلاث، فلا يزلن يدعونه إلى غير مرضاة ربِّه، وداعي الإيمان يدعوه إلى مرضاة ربِّه، فعليه في كل وقت أن يهاجر إلى الله، وألا ينفك في هجرته إلى الممات، وهذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب داعي المحبة في قلب العبد، فإن كان الداعي أقوى كانت هذه الهجرة إلى الله أقوى وأتمَّ وأكمل، وإذا ضَعُف الداعي ضعفت الهجرة إلى الله حتى لا يكاد يشعر بها علمًا، ولا يتحرك لها إرادة.

وأكمل: لعلَّ مسَّ الضرِّ العبد من أقوى الدواعي إلى قوة الهجرة إلى الله، ومن أكمل البواعث على الفرار إليه بالقلب والروح، وعمل الجوارح، وصدق التوكل عليه سبحانه، فإن المؤمن المتوكل على الله، إذا كاده الخلق، فإن الله يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوة ففرُّوا إلى الله يا مَن مُكِرَ بهم والتمسوا فرجه في السعي إلى رضوانه، واجعلوا لكم نصيبًا من الإحسان إلى الخَلق، فإنَّ جِمَاع الأمر وأساس الظفر بمعيَّة الله تعالى التَّقوى والإحسان (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ).