الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهال علام تكتب: الخلاف لا يفسد للوطن قضية

نهال
نهال

تحدث حتى أراك، هكذا قال سقراط فأوجز ولخص مشاكل أممية والكثير من الأزمات المجتمعية، فآفة الإنسان أنه رغم أن الله حباه بأذنين وأنار وجهه بعينين لا يسمع إلا هواه ولا يرى مالا يتوافق مع مبتغاه، لسان واحد وهبه له الواحد، ولكنه العضلة الأكثر استخداما والعضو الأعلى في الرأس الذي يسبب لصاحبه ومن حوله في كثير من الأحيان اليأس.

الإنسان كالطير والحجر والحيوان والشجر كل منهم له قدراته الخاصة على التواصل وله لغته الشديدة الخصوصية التي يفهمها بنيه، وصاحبته وأخيه وأهل محيطه الذي يؤيه، إذا انقطع هذا الاتصال أو تأثرت قنواته فأصابه السدد والانفصال، فقد المتصل روحه وجزء من هويته وسر وجوده، فالناطق والغير ناطق كل له منطق للتواصل، الأصل فيه التكامل والاكتمال داخل المحيط الحيوي الذي يشغله.

ولكن مغبة الحضارة ألقت بظلال جبارة على آليات التواصل فجعلتها أشبه بالحجارة في مسار العلاقات الترابطية و التي جعلها التطور متاحة، ولكن فتحت الباب على مصراعيه للغو والهري والقباحة، وكأنها عملية تتم في باحة البيت وليس في ساحة الحياة، وسيقتصر حديثي عن بنو جنسي فربما العوالم الأخرى كالنبات على سبيل المثال لديها أيضاً الكثير من المشاكل كتلك التي يواجهها البنات، من اللت والعجن حول ضحكاتهن وتصرفاتهن وأحلامهن.. ربما ومن يدري، ألم يتبسم نبي الله سليمان من قول النملة ليحطمنكن سليمان وجنوده، وألم يُحدِث الهدهد ويسمع منه عن سبأ! إذا فلا تتعجب فكل له لغته وذلك لاستمرار الحياة سبب.

على مدار العقد الماضي ويزيد قليلاً بعامين والثالث أضحي قريباً، شهد المجتمع المصري حالة من التراشق العجيبة، يميني ويساري، ديني وعلماني، ثورجي أم دولجي ومصطلحات أخرى غريبة ينأى عنها ذوي الفطرة الوطنية السليمة من استخدامها كاتهامات معلبة، فإذا اتفقنا على الوطن ذهب الدافع والدفاع، ولم يبقى إلا المدفوع بالحب في محراب الجَد والعزيمة، عندما يحضر اسم الوطن لا داعي للصياح، وما الداعي! ألا تكفي الرغبة في الفلاح مصبوغة بالإرادة الحقيقية ومسبوغة بالنوايا السليمة، ومسبوقة بنزع المصالح الشخصية ومغالبة الانتماءات الحزبية.

مرّ عام منذ دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي تدل على شيم الكرام، راهن البعض على أن طاولة الحوار ستكون خالية إلا من أصحاب الوجوه السابقة، وسيصبح الأمر مجرد صورة تثبت بها الدولة أن جسور  الحوار موصولة ولكنها إعادة لما سبق فنحن نكلم أنفسنا والنهاية التعيسة متوقعة ومقبولة، وكلما مرت الأيام زادت الضحكات وهمهمات اللئام وشماتات من امتلئت ايديهم بالدماء.

وتمر الأيام دون صخب ولا قالوا وقلنا التي تخلق الجدال، في هدوء تم إنشاء مجلس الأمناء وبإيقاع متمهل اختيرت اللجان وعلى مهل حددت المحاور وانبثقت اللجان، وبتروي استقبلت الأسئلة في انسيابية واهتمام، تم تصنيفها وتنقيحها ليرَد على الجميع بسلام.

انطلق الحوار الوطني في توقيت عبقري يراهن على رؤية الدولة في معالجة التحديات العالمية وظلالها الضبابية بروية وهدؤ وصبر وأريحية، وطن كل الدول التي تشاركه الحدود في صراع وحالة من الأقتتال، ولكن نحن دعاة سلام نسير بخطي متسقة دون استسلام، لن نتراجع عن دورنا الذي سبق وقدر لنا منذ فجر التاريخ وذكر بصراحة في كتاب الله الحق الحكيم "اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ"، ومن يسأل عن الأمن والأمان فلا يسع مصر إلا أن تمد يدها وتربت خوفه بالأطمئنان.

ثلاث محاور رئيسية تشغل المواطن وإن اختلفت التراتبية، يمكن تلخيصها في تساؤلات اقتصادية وسياسية واجتماعية، لكن تحت مظلتها جمعت كل ما يفكر فيه ابناء الوطن في حياتهم اليومية، موضوعات مختلفة سيتم مناقشتها دون خطوط حمراء، حتى الملفات الشائكة التي أكد البعض أنها لن تكون حاضرة، فهاهي موضوعات رئيسية تحت المظلة الأساسية ومنها حقوق الإنسان وحرية الممارسات السياسية والتي يعتبرها البعض رفاهية، لكن ما دامت هناك مطالبات إذا فمائدة الحوار جاهزة للبحث عن إجابات.

بزوغ فجر الحوار بهذا الشكل أجاب عن التساؤلات البريئة والخبيثة لما استغرقت التحضيرات عام بالتمام والكمال منذ دعوة  الرئيس إليه في إفطار الأسرة المصرية في رمضان قبل الماضي!
أقطاب متنافرة، شخوص ظلت لسنوات متناحرة، أولويات متناقضة، صلاحيات ستغدو قريباً للبعض متناقصة، وأمال تلوح في الأفق متزايدة كل ذلك جاء من خلال جهد جهيد لمجلس أمناء الحوار ليخرج بوجوه بَشرة شاهدناها دون أن يبدو على محياها انتصار كاذب أو انكسار زائف.

وذلك لم يكن عمل ساعة، بل عمل استمر على مدار الساعة لمدة العام، مئات اللجان الغير مصورة وعدد بلا حصر لاتصالات المقاربة، حتى استقر الجميع بعد أن خلع الكل نعال أهوائه في وادي الوطن المقدس، ليبحث بجِد عما يرغبه المواطن المقدمة في أجندة الحوار أولوياته، فخرج الحوار بتسعة عشر موضوع، سيظل العمل بهم موصول ساعات أو أيام، أسابيع أو شهور، طالت أو قصرت المدة المخرجات هي الحُجة، فالحوار سر من أسرار الاستدامة والاستقرار، ولو كنت رب أسرة أو فرد في تلك الأسرة حاول أن تدعو أفراد أسرتك الصغيرة للحوار العاقل في اليوم والساعة الفُلانية، وحدثني عما تواجهه إذا وفقت لجمع الأطراف المعنية!

وإذا لم يكن للحوار قيمة يشعر بها المواطن كما تهامس الخبثاء، فلمَ استقبلت لجانه على مدار جلساتها ١٣٦ ألف سؤال! هلم بالمبررات المقنعة، لا تملكوها.. نعلم ذلك، فالسفسطة من شيم الجهلاء وهذا زمن الحكماء، لازالت أبواب السؤال مطروحة والاقتراحات مسموحة ولا يوجد مجال لموضوعات ممنوعة كل الأفكار مقبولة طالما في الأطر الدستورية وتدعم فكرة المصالحة الوطنية.

على مدار الأيام القادمة ستكتب مِصر سطوراً خالدة، تحطم بها ميراث الممارسات الجامدة على مدى عقود طويلة كانت هي السائدة، وبالطبع مع الأحداث الجسام التي تعرض لها الوطن أثبتت أنها لم تكن صائبة ومحاولات خائبة نزعت فتيل الاستقرار مع أول شرار.

يعي الرئيس الغير حزبي ذلك، تتسق دعوته للحوار مع ما قدمه للوطن لينعم بالاختيار، عندما انحاز للإرادة الشعبية وحرر بروح المقاتل مصر  من الفاشية الدينية وقاد ثورة التعمير والتغيير لبناء حياة كريمة وإنسانية، تجلت تلك الروح لجمع شمل الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية وشباب إرادتهم عذبة كالندى في الفجرية، ومعهم الجهات الإعلامية وكل من في نفسه حب الوطن بإخلاص ومصداقية.

سيحضر الرئيس الجلسة الختامية ليضمن أن يتخذ اللازم بشأن مخرجات الحوار المصيرية، وما يتفق عليه المتحاورون سيحال لمجلس النواب ومتخذي القرار، فهو بمثابة أكبر عصف ذهني يشهده التاريخ دون ضغط من رجل الشارع لأنه في تلك المرة حاضر، والكل يتكلم بلسان حاله، الجلسات مصورة وعلنية والصحافة والتلفزيون والقنوات الأجنبية أبواب الاجتماعات مفتوحة على مصراعيها ومنتظرة مشاركتهم ومساهماتهم التحليلية.

تختلف اهتمامتنا وذلك ما جعل وزن الموضوعات داخل أروقة الحوار يتأرجح، ولكن كل مشاغلنا حاضرة وهذا قول الحق، لذا علينا أن نسعد أن في وسط هذا العالم الذي يتعالى أنينه واحتجاجاته وطلقاته وصواريخه، يغلب علينا صوت العقل ولا يصدر عنا إلا أصداء القرار.

نقطة ومن أول السطر، مصر تبدأ صفحة جديدة ستضاف لكتب التاريخ، عنوانها قاله الرئيس في الجلسة الافتتاحية أن اختلاف الرأي لا يفسد للوطن قضية، وستظل تلك الحقيقة المؤكدة طالما أن الوطن في عقيدتنا هو القضية.