الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يجوز إلغاء الأضحية بسبب نقص الماشية وغلاء الأسعار؟ دار الإفتاء تحسم الجدل

الأضحية
الأضحية

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "انتشرت في الآونة الأخيرة دعوات تتضمن القول بإلغاء عيد الأضحى وما فيه من شعيرة الأضحية بسبب نقص قطيع الماشية وغلاء أسعار اللحوم، فما الحكم الشرعي في ذلك؟

وقالت دار الإفتاء، في اجابتها على السؤال، بأن عيد الأضحى شعيرة من شعائر الدِّين، ومظهر من مظاهر الفرح والاحتفال في الإسلام؛ ختم الله به أيامًا معلومات، وليالي مباركات، وهو فرصة جليلة لصفاء النفوس، ونقاء القلوب، وتجديد الحياة بين العباد؛ فهو يوم مِن أعظم الأيام عند الله سبحانه وتعالى وأفضلها؛ إنه يوم النحر، يوم الحج الأكبر، يعقبه أيام التشريق الثلاثة؛ وهي أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله تعالى؛ فعن عبد الله بن قُرطٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والنسائي والبيهقي في "السنن"، وصححه الحاكم في "المستدرك". والْقَرُّ: هو اليوم التالي ليوم النحر.

قال العلامة الـمُناوي في "فيض القدير" (2/ 3، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(أعظم الأيام) أي أعظمها (عند الله يوم النحر)؛ لأنه يوم الحج الأكبر، وفيه معظم أعمال النسك. (ثم يوم القر) ثاني يوم النحر؛ لأنهم يقرون فيه، أي: يقيمون ويستجمون مما تعبوا في الأيام الثلاثة؛ ذكره الزمخشري] اهـ.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ: عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي والنسائي في "السنن"، وصححه الحاكم في "المستدرك". وفي حديث آخر: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» أخرجه مسلم.

قال العلامة القَسْطَلَّاني في "إرشاد الساري" (1/ 419، ط. الأميرية): [الأمر بالأكل والشرب سرٌّ حسن، وهو أنَّ الله تعالى لما عَلِم ما يلقى الوافدون إلى بيته مِن مشاقِّ السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك؛ شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وأمرهم بالأكل فيها من لحوم الأضاحي؛ فهم في ضيافة الله تعالى فيها لطفًا من الله تعالى بهم ورحمة، وشاركهم أيضا أهل الأمصار في ذلك؛ لأن أهل الأمصار شاركوهم في النَّصَب لله تعالى والاجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم والذكر والاجتهاد في العبادات، وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي وفي حصول المغفرة؛ فشاركوهم في أعيادهم، واشترك الجميع في الراحة بالأكل والشرب، فصار المسلمون كلهم في ضيافة الله تعالى في هذه الأيام يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله] اهـ.

وذكرت دار الإفتاء، ان الأضحية مشروعة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، وهي شعيرة من شعائر الله في هذا اليوم المبارك -يوم النحر-، وأيام التشريق الثلاثة؛ تقربًا إليه عزَّ وجلَّ، وتوسعة على عباده، وما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» متفقٌ عليه.

وقد أناط الشرع الشريف الأضحية بالموسر القادر عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» أخرجه ابن ماجه في "السنن".

ولذا، فقد جعل الفقهاء اليسار مِن شروط وجوبها عند مَن قال بكونها واجبة، ومِن شروط سنيتها عند مَن قال بكونها سُنَّة، على تفصيلٍ بينهم في حد اليسار والملاءة في ذلك، ويمكن أن نقول إن المعنى المشترك فيما بينهم هو ألَّا يكون محتاجًا لثمنها في ضرورياته وحاجاته العامة، بحيث يكون الثمن الذي يُحَصِّل به الأضحية زائدًا عن حاجته ومَن يعول في يوم عيد الأضحى وليلته وأيام التشريق بلياليها.

وأما مَن يتسلف أو يسعى حتى يحصل له ما يجب فيه الحق ليؤديه منه؛ فليس ذلك عليه بواجبٍ باتفاق الأمة قاطبة؛ لأنه لا يجب على الحر المسلم أن يسعى في حصول النصاب لتجب عليه الزكاة] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 385، ط. دار الفكر) في بيان أحكام الأضحية: [مذهبنا: أنها سُنَّة مؤكدة في حقِّ الموسر ولا تجب عليه، وبهذا قال أكثر العلماء، وممن قال به: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر] اهـ.

وللأضحية ثواب عظيم وفضل كبير عند الله تعالى؛ لما جاء أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سأله أصحابه عن الأضاحي قال: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ» قَالُوا: "فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وابن ماجه والبيهقي في "سننهما"، وصححه الحاكم في "المستدرك".

وروى الترمذي عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ -أي: ذبح الأضحية-، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» أخرجه ابن ماجه والترمذي والبيهقي في "سننهم".

وأكدت دار الإفتاء، ان مَن ترك الأضحية مع قدرته عليها، لم يكن آثمًا؛ لأنَّها سُنَّة مؤكدة على المختار للفتوى من أقوال الفقهاء، إلا أنه قد حَرَم نفسه من الأجر العظيم والفضل العميم لفعلها، ورَغَبَ بنفسه عمَّا رغَّب فيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وبذلك، فلا محل لتلك الدعوات التي تنادي بإلغاء الأضحية بسبب غلاء الأسعار؛ لأنها منوطة بالملاءة المالية للمضحي ومدى تحقق زيادة الثمن الذي يُحَصِّل به الأضحية عن حاجته ومَن يعول في يوم عيد الأضحى وليلته وأيام التشريق.