الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أيمن يوسف يكتب: الجسر الرقمي للشلل والإعاقات الحركية

صدى البلد

لازالت تطلعات الثورة الصناعية الخامسة تتعاظم في تنفيذ مشروعها القائم على دمج الانسان والآلة والنزوح الى "عصر ما بعد الانسان"، حيث تجاوز القصور والضعف الانساني بعمليات البرمجة التفاعلية للذكاء الاصطناعي في كافة المجالات الحيوية والبيولوجية والبيئية، وتأتي ذروة التطلعات والأماني من هذه الموجة الصناعية للاشخاص ذوي الاعاقة الذين إلتقطوا أول ثمار هذه الموجة عبر مشروع "الجسر الرقمي"، الذي انجزته جامعة لوزان السويسرية والمركز البحثي لمستشفى فود والمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا.

يتكون الجسر الرقمي من واجهة لاسلكية بين الدماغ والنخاع الشوكي تفك شيفرة أفكار وأوامر الشخص المصاب بالشلل وتنقلها إلى العضلات والأطراف المصابة لتنفيذ الوظيفة الحركية المرجوة، وذلك عبر زرع غرستين الكترونيتين واحدة في الدماغ والاخرى على النخاع الشوكي، استطاعت تلك التقنية ان تنتج وظيفة المشي والوقوف والاتزان لجيرت اوسكام- الرياضي الهولندي الاربعين الذي اصيب بالشلل منذ اثنى عشرة عاما نتيجة حادث على دراجته في الصين-، حيث انشئت واجهة الدماغ الاسلكية هذه رابطا مباشرا بين اشارات القشرة المخية ومنطقة فوق الجافية بالنخاع الشوكي، وقامت بالتعديل التناظري للتحفيز الكهربائي في تلك المنطقة بالشكل الذي يحاكي تعديل التحفيز الكهربائي لدى الشخص السليم عند اصدار أوامر الحركة والمشي، كما أظهر أوسكام ومجموعة أخرى مصابة بنفس هذا النوع من الشلل قدرات في تكييف حركات الساق وتحريك الركبة واستعادة الوقوف دون مساعدة، واستطاعوا السير لمسافات متوسطة دون حاجة لشخص او مرافق واكتفوا بالعكاز ومشاية للسير دون مساعدة من أي شخص.

وضعت تلك الشرائح المغروسة تحت التخدير العام، كما تم الاستعانة بمولد نبضات للقلب قابل للزرع مشابه للذي يستخدمه مرضى باركنسون، وذلك من اجل استكمال هذا النظام الذي كون جسر "غير مرئي" بين القشرة المخية ومنطقة فوق الجافية والمنطقة القطنية وعضلات الساقين، وما يستتبع ذلك من تنظيم للاشارات وتعديل للجهد الكهربي والتحفيز اللازم لتحديد شكل ونمط وقوة الحركة والوظيفة التنفيذية المطلوبة، ليتحول الشلل الى "اعاقة غير مرئية" يستتبع تحولها بهذا النمط الى امكانات وقدرات ومدركات وتشريع يضمن الانتقال الى موجة الثورة الصناعية الخامسة الذي حدد مفكريها وروادها وصناعها عنوانها وسماتها بأنها "عصر ما بعد الانسان".

وفي حقيقة الأمر انعشت نتائج هذا الانجاز العلمي الآمال لانتاج منظومة موازية لهذه المنظومة تخدم شلل الذراعين وضحايا السكتات الدماغية الذين فقدوا العديد من الوظائف التنفيذية للجهاز العصبي، وانفتحت الشهية لاستكمال زراعة الشرائح الذكية في ادمغة البشر العاديين لتطوير البيولوجية الانسانية "المقيدة" بالطبيعة البشرية، في مقابل الآمال العريضة التي تعد بها تطلعات الثورة الصناعية الخامسة بانتاج انسان "معدل" متجاوز للنمط وللقدرات التقليدية، انسانية تنتقل الى افاق دمج قدرات الذكاء الاصطناعي بالطبيعة البشرية، ليتشكل عصر جديد "لبشرية" مطورة تطغى عليها مفاهيم وقدرات وتطلعات تتوافق مع النمو البيولوجي المنتظر للانسان، وتبقى الاسئلة والمخاوف معلقة على الجانب الاخر حول مخاطر طغيان الذكاء الاصطناعي على الانسان والتحكم فيه اذا ما فلتت عمليات الدمج بينهما وفُقدت السيطرة على ادارة وتوظيف الانسان لها.