الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في كتابه الجديد| مصطفى بكري يكشف كذب جماعة الإخوان المسلمين وأزمات عهدهم

صدى البلد

أصدرت مؤخرا دار سما للنشر كتابًا جديدًا للكاتب الصحفي مصطفى بكري بعنوان"٣ يوليو.. لماذا انتصر الجيش لثورة الشعب؟"، ويتميز الكتاب بحجمه الكبير حيث يضم ٢٣ فصلاً ويمتد على ٥٥٠ صفحة. 

يتناول الكتاب أسباب ثورة ٣٠ يونيو من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويكشف دور الفئات الشعبية والقوى الطليعية في مواجهة حكم الجماعة الإرهابية وإجهاض مخطط أخونة الدولة وطمس هوية الدولة، إذ يحتوي الكتاب على تفاصيل الساعات الحاسمة التي دفعت الجيش بقيادة القائد العام إلى حسم الأمر ودعوة القوى الوطنية لوضع خارطة المستقبل بعد رفض الرئيس المعزول الاستجابة لمطالب الشعب المصري. 

وينشر موقع صدى البلاد خلال الأيام المقبلة، فصولا من كتاب "٣ يوليو.. لماذا انتصر الجيش لثورة الشعب؟". 

تحدى القضاء
 

فى ‬السابع من أكتوبر ٢٠١٢ تصاعدت حدة الأزمة بين النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة من جانب وبين الجمعية التأسيسية التى ‬كان‮ ‬يترأسها المستشار حسام الغريانى ‬من جانب آخر‮.‬
 

كان مطلب أعضاء النيابة الإدارية‮ ‬يتمثل فى ‬ضرورة تحويل النيابة الإدارية إلى ‬هيئة قضائية مستقلة فى ‬الدستور الجديد،‮ ‬وكان أعضاء هيئة قضايا الدولة‮ ‬يريدون تحويلها إلى ‬نيابة مدنية‮.‬
 

و فى ‬هذا اليوم قرر أعضاء النيابة الإدارية الإضراب عن العمل فى ‬كل النيابات والمحاكم على ‬مستوى ‬الجمهورية لمدة‮ ‬3‮ ‬أيام اعتبارًا من الإثنين‮ ‬8‮ ‬أكتوبر،‮ ‬حيث طالبوا بعزل المستشار حسام الغريانى ‬من رئاسة الجمعية التأسيسية؛ لرفضه مطالب النيابة الإدارية وإهانته لها‮.‬
 

وفى ‬الجانب الآخر،‮ ‬أكد أعضاء هيئة قضايا الدولة أنهم‮ ‬يعتزمون أيضًا اتخاذ إجراء مماثل فى ‬مواجهة الغريانى ‬والجمعية التأسيسية‮.‬
 

كان حسام الغريانى ‬يواصل طريقه متحديًا الجميع،‮ ‬وقد تعرَّض فى ‬هذه الفترة لهجوم إعلامى ‬وسياسى ‬واسع،‮ ‬حيث اتُّهم بأنه مجرد أداة فى ‬يد جماعة الإخوان،‮ ‬وأنه‮ ‬يسد أبواب الحوار حول القضايا المطروحة فى ‬الدستور الجديد أمام الجمعية التأسيسية التى ‬ضم إليها فى ‬هذه الفترة العديد من رموز القوى ‬الوطنية وجبهة الانقاذ‮.‬
 

إلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية

وقد تسربت فى ‬هذا الوقت معلومات تقول بأن لجنة نظام الحكم فى ‬الجمعية التأسيسية قررت إضافة مادة انتقالية بالباب السادس تقضى ‬بإلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية،‮ ‬وقيل إن السبب فى ‬ذلك هو اختيار النظام المختلط‮ «الرئاسى ‬ـ البرلماني‮» ‬الذى ‬يتعارض مع وجود هذا المنصب،‮ ‬وبحيث‮ ‬يصبح رئيس الحكومة هو الرجل الثانى فى ‬الدولة بعد رئيس الجمهورية‮.‬
 

وعندما علم المستشار محمود مكى -‬نائب رئيس الجمهورية‮- ‬بمضمون هذه المادة بدأ‮ ‬يُعد العدة للرحيل من القصر الرئاسي،‮ ‬إلا أن الرئيس مرسى ‬طلب منه الانتظار لبعض الوقت‮.‬
 

لم‮ ‬يكن الجدل حول مواد الدستور الجديد هو وحده فقط مثار الخلاف على ‬الساحة السياسية فى ‬مصر،‮ ‬كانت الأزمات كثيرة ومتعددة،‮ ‬حتى ‬بدا للمواطنين أن الدولة هى‮ ‬التى ‬تصنع الأزمات وتدفع الناس إلى ‬التظاهر والاحتجاج‮.‬
 

فشل الرئيس مرسي

كان الحديث فى ‬هذا الوقت‮ ‬يتزايد حول فشل الرئيس مرسى فى ‬تحقيق الوعود التى ‬تعهد بها فى ‬برنامج المائة اليوم،‮ ‬فقد ظلت المشكلات المتفاقمة على ‬حالها،‮ ‬الأمن والوقود والمرور والنظافة والكهرباء والمياه‮.‬
و فى ‬خطابه فى ‬جامعة القاهرة راح مرسى ‬يكذب على ‬الجماهير ويؤكد أنه تمكن من الوفاء بالكثير من الوعود التى ‬أطلقها فى ‬هذا البرنامج وقال بلغة حاسمة‮ «‬لن أخون الله فيكم‮»!!‬
وأفردت الصحف ووسائل الإعلام فى ‬هذا الوقت مساحات كبيرة لمناقشة إخفاق الرئيس ونظامه فى ‬تحقيق الوعود التى ‬أطلقها فى ‬برنامج المائة‮ ‬يوم،‮ ‬وقد رافق ذلك احتجاجات عديدة فى ‬الأوساط العمالية والجماهيرية التى ‬انتظرت حل الأزمات،‮ ‬لكنها لم تحصل على ‬شيء فى ‬المقابل‮ .‬
وفى ‬العاشر من أكتوبر قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءة المتهمين بالاعتداء على ‬المتظاهرين فى ‬موقعة الجمل التى ‬وقعت فى ‬الثانى ‬والثالث من فبراير‮ ‬2011‮ ‬بميدان التحرير‮.‬
وقالت المحكمة فى ‬حكمها الذى ‬صدر برئاسة المستشار مصطفى ‬حسن عبدالله وعضوية المستشارين أنور رضوان وأحمد الدهشان إن أوراق الدعوى ‬خلت من أى ‬أدلة مادية تثبت أن أيًّا من المتهمين شارك بالقول أو بالفعل فى ‬ارتكاب جريمة قتل المتظاهرين،‮ ‬كما خلت من أى ‬أدلة تقطع بأن أيًّا منهم حرَّض بالقول أو بالفعل أو بدفع أموال للهجوم على ‬المتظاهرين،‮ ‬وقد أحدث الحكم ردود فعل رافضة لدى ‬فئات متعددة من شباب الثورة وأسر الشهداء والمصابين،‮ ‬وهددوا بالمشاركة فى ‬التظاهرات التى ‬كان‮ ‬يجرى ‬تنظيمها فى ‬يوم الجمعة‮ ‬12‮ ‬أكتوبر بميدان التحرير احتجاجًا على ‬عدم وفاء الرئيس بوعوده فى ‬برنامج الـ100‮ ‬يوم وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك‮.‬
 

أعدت جماعة الإخوان المسلمين‮  ‬العدة،‮  ‬فقد استغلت‮ ‬غضبة الشارع على ‬طريقتها،‮ ‬تجددت الحملة لحشد الرأى ‬العام ضد المستشار عبدالمجيد محمود،‮ ‬قالوا إنه من بقايا النظام السابق،‮ ‬وإنه تستر على ‬قضايا فساد رموزه،‮ ‬وإنه تراخى ‬عن جمع الأدلة التى ‬تدين قتلة الثوار‮.‬
 

لقد وجد الإخوان الفرصة سانحة‮ ‬،‮ ‬وأقنعوا رئيس الجمهورية بما‮ ‬يريدون،‮ وفى ‬صباح الخميس‮ ‬11‮ ‬أكتوبر،‮ ‬جرى ‬الاتفاق بين الجماعة والرئيس على ‬إصدار قرار‮ ‬يقضى ‬بعزل النائب العام،‮ ‬وقد التقى ‬الرئيس أكثر من مرة نائبه المستشار محمود مكى ‬لمناقشة هذا الأمر،‮  ‬كما التقى ‬رئيس حكومته د.هشام قنديل ومجموعة وزارية ضمت الفريق أول عبدالفتاح السيسى (‬وزير الدفاع‮) ‬واللواء أحمد جمال الدين‮ (‬وزير الداخلية‮) ‬والمستشار أحمد مكى (‬وزير العدل‮).‬
 

وفى ‬هذا الوقت طلب كبار المسئولين بالرئاسة من الصحفيين الانتظار لحضور مؤتمر صحفى ‬طارئ،‮ ‬سوف تُعلَن خلاله قرارات مهمة‮.. ‬ظل الصحفيون‮ ‬يضربون أخماسًا فى ‬أسداس،‮ فى ‬انتظار هذا الحدث‮.‬
 

وفى ‬مساء اليوم ذاته،‮ ‬فوجئ الصحفيون بالدكتور أحمد عبدالعاطى (‬مدير مكتب الرئيس‮)‬،‮ ‬يعقد مؤتمرًا صحفيًا،‮ ‬يعلن فيه أن الرئيس أصدر قرارًا بتعيين المستشار عبدالمجيد محمود‮ (‬النائب العام‮) ‬سفيرًا لمصر فى ‬دولة الفاتيكان،‮ ‬وأنه تم تكليف أحد مساعدى ‬النائب العام لممارسة مهامه حتى ‬يتم تعيين نائب عام جديد فى ‬غضون أيام قليلة‮.‬
 

 

كان الخبر صادمًا،‮ ‬فالقرار لا‮ ‬يحوى ‬عزلاً‮ ‬مباشرًا،‮ ‬لكنه‮ ‬يؤدى فى ‬النهاية إلى ‬العزل،‮ ‬لقد صيغ‮ ‬القرار وكأنه جاء بناء على‮ ‬طلب من النائب العام نفسه‮.‬
اتصلتُ‮  فى ‬هذا الوقت بالنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود،‮ ‬سألته عن رأيه،‮ ‬قال‮: ‬لم أطلب،‮ ‬ولن أقبل بغير منصب النائب العام،‮ ‬هذا قرار‮ ‬غير قانونى ‬وغير دستوري‮.‬
 

إثارة جدل

ثار جدل كبير فى ‬جميع الأوساط،‮ ‬دعا المستشار أحمد الزند إلى ‬لقاء عاجل للقضاة،‮ ‬أعلن الوقوف إلى ‬جانب النائب العام،‮ ‬وجه‮  ‬الدعوة فورًا إلى ‬عقد جمعية عمومية طارئة،‮ ‬وفى ‬اليوم التالى ‬الجمعة‮ ‬12‮ ‬أكتوبر كانت حشود القضاة تتدفق إلى ‬النادى ‬النهرى ‬للقضاة،‮ ‬وأمام الحشد الكبير أطلق المستشار الزند مقولة أثارت ردود فعل عديدة فى ‬جميع الأوساط عندما قال‮: «‬إحنا مش زى ‬طنطاوى ‬وعنان‮».‬
 

كان الرجل‮ ‬يشير إلى ‬ما حدث من خديعة أفضت إلى ‬عزل رئيس المجلس الأعلى ‬للقوات المسلحة السابق ورئيس أركان حرب القوات المسلحة‮ ‬يوم‮ ‬12‮ ‬أغسطس‮ ‬2012.‬
 

سعى ‬الإخوان المسلمون فى ‬هذا الوقت إلى ‬شن حرب إعلامية مضادة،‮ ‬لقد حمَّلوا النائب العام مسئولية عدم تقديم أدلة دامغة فى ‬موقعة الجمل تمكَّن من إدانة المتهمين،‮ ‬قالوا إنه فرَّط فى ‬دماء الشهداء،‮ ‬ولم‮ ‬يكن هناك صلة للرجل بالتحقيق‮  ‬من قريب أو بعيد،‮ ‬لقد تمت إحالة القضية إلى ‬قضاة تحقيق تم انتدابهم بقرار من وزير العدل،‮ ‬ولكن الحقيقة ضاعت وسط الضجيج الذى ‬أثارته الجماعة،‮ ‬ودفعت بقوى‮ ‬أخرى‮ ‬للوقوف معها فى ‬تأييد قرار عزل النائب العام‮.‬
 

كان صوت القضاة هو الأعلى،‮ ‬لم‮ ‬يكن القرار مبنيًا على ‬سند قانونى ‬أو دستوري،‮ ‬لذلك راحت الرئاسة تبرر القرار بأنه جاء بناء على ‬طلب من المستشار عبدالمجيد محمود نفسه‮.‬
 

ثار جدل ولغط واتهامات متعددة،‮ ‬النائب العام‮ ‬ينكر،‮ ‬والمستشار محمود مكى ‬والمستشار حسام الغريانى ‬يزعمان أن ما جرى ‬تم باتفاق،‮ ‬النائب العام‮ ‬يتحدي،‮ ‬جهود وساطة تتحرك،‮ ‬ومحاولة لرأب الصدع تسفر فى ‬النهاية عن دعوة الرئيس للنائب العام ومجلس القضاء الأعلى‮ إلى ‬الاجتماع به بحضور نائب رئيس الجمهورية ووزير العدل‮.‬
 

تراجع الرئيس عن قراره،‮ ‬خضع لضغوط القضاة والرأى ‬العام،‮ ‬صدر بيان‮ ‬يؤكد أن كل شيء قد عاد إلى ‬طبيعته،‮ ‬وأن النائب العام باقٍ‮ فى ‬منصبه،‮ ‬أصدر المجلس الأعلى ‬للقضاء بيانًا وجه فيه الشكر إلى ‬الرئيس،‮ ‬ثار جدل حول البيان،‮ ‬قيل إنه كُتب فى ‬مكتب نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكي،‮ ‬رد عليهم بأن أحد أعضاء المجلس الأعلى ‬للقضاء قد كتبه والباقون وافقوا عليه‮، قبيل أن ينصرف أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، انتحى الرئيس مرسى بالنائب العام المستشار عبد المجيد محمود وقال له: إيه أخبار القضايا التى لديك؟ أبدى النائب العام دهشته وسأله: زى إيه؟ فقال مرسى: قضية البلتاجى وأسامة ياسين واتهامهما بالمشاركة فى موقعة الجمل، وأيضا البلاغات المقدمة ضد بعض الإعلاميين، لم يعلق النائب العام وهنا بادره مرسى وطلب منه أن يتصل به لمناقشة هذه الأمور، رفض النائب العام وقال: أمور القضايا لا علاقة لها بالسياسة وقراراتنا هى من وحى ضميرنا واستنادًا إلى القانون، أدرك مرسى أن النائب العام يرفض الاتصال به، قال له: طيب اتصل بمحمود مكى نائب الرئيس، رد النائب العام بالقول: إذا كان هناك ما يستدعى بعيدًا عن التحقيقات.
 

فى هذا الوقت وقبيل أن ينصرف أعضاء المجلس الأعلى للقضاء من رئاسة الجمهورية وقف أسعد الشيخة نائب رئيس الديوان وسط مجموعة من كبار الموظفين وقال: هم افتكروا أنهم أجبرونا على قرار عودة النائب العام، هذا غير صحيح وأنا أتعهد أمامكم بأنه لن يمر شهر إلا ويتم عزل المستشار عبد المجيد محمود نهائيًا.
 

حُسم الأمر،‮ ‬وعاد النائب العام بعد عصر السبت إلى ‬مكتبه وسط هتافات مدوية من القضاة ورجال النيابة العامة الذين زحفوا إلى ‬مبنى ‬دار القضاء العالي،‮ ‬وانتهى ‬الأمر‮.. ‬لكن المؤامرة لم تنتهِ‮!!‬
 

 

لقد أثار القرار‮ ‬غضبة جماعة الإخوان،‮  ‬فأعلنت رفضها وغضبها،‮  ‬وحرَّكت المظاهرات إلى ‬مكتب النائب العام،‮ ‬تحاصر المبنى ‬وتردد الهتافات،‮ ‬وتنذر‮  ‬بالمليونيات‮.. ‬قبلها بساعات قليلة،‮ ‬كان ميدان التحرير قد شهد اشتباكات بين متظاهرين من جماعة الإخوان ومتظاهرين‮ ‬ينتمون لشباب القوى ‬الثورية والأحزاب والجماهير خرجوا فى ‬جمعة‮ «‬الحساب» ‬ضد الرئيس مرسي‮.‬
 

كانت الأجواء ملبدة بالغيوم،‮ ‬استمرت احتجاجات الإخوان وبعض أنصارهم من السلفيين وأعضاء الجماعة الإسلامية وبعض القوى ‬الأخرى،‮ ‬وراحت تعبر عن رفضها قرار عودة النائب العام،‮ ‬وتطالب بعزله ومحاكمته‮.‬
 

توجَّه العديد من الرموز والشخصيات السياسية والإعلامية إلى ‬مكتب النائب العام،‮ ‬يعلنون تأييدهم له،‮ ‬ورفضهم محاولات ابتزازه والمطالبة بعزله‮.‬
 

فى ‬هذا الوقت بدأت الأنباء تتسرب من داخل الجمعية التأسيسية للدستور عن وجود نيات حقيقية لتفصيل بعض المواد فى ‬الدستور الجديد بهدف عزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود وتقويض استقلالية السلطة القضائية‮.‬
 

ودعا المستشار أحمد الزند‮ (‬رئيس نادى ‬القضاة‮) ‬مجددًا إلى ‬ندوة حاشدة بالنادى ‬النهرى ‬للقضاة،‮ ‬حضرها العديد من فقهاء القانون والقضاة ورجال السياسة‮.‬
 

كانت المادة الخاصة بالنائب العام ـــ التى ‬صدرت تحت عنوان المادة‮ ) ‬173‮(‬بعد ذلك فى ‬الدستور الجديد ـ تقول‮: »‬يتولى ‬النيابة العامة نائب‮ ‬عام‮ ‬يُعَيَّن بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ‬اختيار مجلس القضاء الأعلي،‮ ‬من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين،‮ ‬وذلك لمدة‮ ‬4‮ ‬سنوات أو للمدة الباقية حتى ‬بلوغه سن التقاعد،‮  ‬أيهما أقرب،‮ ‬ولمرة واحدة طوال مدة عمله‮....».‬
 

بدا أن المادة‮  ‬كانت مفصَّلة تفصيلاً‮ ‬للإطاحة بالمستشار عبدالمجيد محمود من منصبه،‮ ‬وكما هو واضح من هذا النص الذى ‬حدد مدة النائب العام بأربع سنوات،‮ ‬فقد جاءت المادة‮) ‬227‮ (‬من الدستور‮  ‬ـ أحكام انتقالية ـ لتنصَّ‮ ‬على‮ ‬أن‮ »‬كل منصب‮ ‬يعيَّن له الدستور أو القانون مدة ولاية محددة‮ ‬غير قابلة للتجديد أو قابلة لمرة واحدة،‮ ‬يُحتسب بدء هذه الولاية من تاريخ شغلها،‮ ‬وتنتهى ‬هذه الولاية فى ‬كل الأحوال متى ‬بلغ‮ ‬صاحبها السن المقررة قانونًا لتقاعد شغلها، وتنتهى هذه الولاية فى كل الأحوال متى بلغ صاحبها السن المقررة قانونًا للتقاعد‮».‬
وفى ‬مقابل ذلك كانت هناك المادة‮) ‬226‮ (‬من الدستور ـــ أحكام انتقالية ـــ التى ‬تحصن مدة رئيس الجمهورية الحالي،‮ ‬بالرغم من أنه جرى ‬العرف فى ‬العديد من الأنظمة الديمقراطية على ‬أنه فى ‬حال صدور دستور جديد،‮ ‬يجرى ‬فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية مجددًا،‮ ‬باعتبار أن الرئيس انتُخب وفقًا لإعلان دستورى ‬مختلف عن الدستور الجديد،‮ ‬الذى ‬لم‮ ‬يؤدِ‮  ‬القَسَم عليه‮.‬
لقد نصت المادة‮) ‬226‮ (‬على‮ ‬أن‮ تنتهى ‬مدة رئيس الجمهورية الحالى ‬بانقضاء أربع سنوات من تاريخ انتخابه رئيسًا للجمهورية‮«‬،‮ ‬وكان ذلك‮ ‬يعنى ‬ازدواجية واضحة جرى ‬أيضًا تفصيلها خصيصًا لرئيس الدولة‮.‬
 

فى ‬الثانية عشرة من ظهر‮ ‬يوم الخميس‮ ‬22‮ ‬نوفمبر‮‬2012،‮ ‬مضيت إلى ‬دار القضاء العالي‮.. ‬توجهت إلى ‬مكتب المستشار عدنان الفنجرى (‬النائب العام المساعد‮) ‬أستفسر وأتساءل‮، وقد كان حاضرًا‮  ‬المستشار مصطفى ‬سليمان‮ (‬المحامى ‬العام الأول لنيابة استئناف القاهرة‮).. ‬وآخرون‮..‬
قلت له إن لديَّ‮ ‬معلومات تؤكد احتمال صدور إعلان دستورى ‬اليوم‮ ‬يقضى ‬بعزل النائب العام والحيلولة دون إصدار المحكمة الدستورية أحكامها المتوقعة فى ‬2‮ ‬من ديسمبر المقبل‮..‬
 

أبدى ‬الجميع دهشتهم،‮ ‬لم‮ ‬يصدقوا‮ ‬،‮ ‬قالوا‮: ‬ربما تكون شائعات لا أكثر،‮ ‬لا أحد‮ ‬يظن أن الرئيس سيتجاوز الإعلان الدستورى ‬وقانون السلطة القضائية بهذا الشكل‮..‬
 

حشود جماعة الإخوان

قلت‮: ‬أنا متأكد من معلوماتي‮.. ‬عرفت أن النائب العام لم‮ ‬يكن لديه علم أيضًا،‮ ‬جلست لبعض الوقت ثم مضيت إلى ‬مكتبى ‬أتابع الأوضاع‮.. ‬بعد قليل انتشرت أخبار على ‬مواقع التواصل الاجتماعى ‬تقول إن هناك حشودًا من شباب جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية الأخرى ‬تتجه إلى ‬دار القضاء العالى ‬انتظارًا لقرارات حاسمة سوف تصدر بعد ظهر اليوم ذاته‮.‬
 

وصلت الحشود فى ‬الموعد المحدد‮ (‬الرابعة بعد عصر الخميس‮)‬،‮  ‬كانت الجماعة قد قررت التمهيد لإصدار هذه القرارات،‮ ‬وكان ذلك أمرًا‮ ‬غريبًا أكد للكافة أن القرار‮ ‬يصدر من الجماعة ثم‮ ‬يمضى إلى ‬الرئاسة لإعلانه‮..‬
 

جاء المتظاهرون وهم‮ ‬يعرفون أن قرارًا بعزل النائب العام سوف‮ ‬يصدر،‮ ‬وأن القرارات سوف تمتد إلى ‬السلطة القضائية والمحكمة الدستورية،‮ ‬جاءوا‮  ‬وهم‮ ‬يحملون اللافتات التى ‬تطالب بعزل النائب العام وتطهير القضاء،‮ ‬مما‮ ‬يؤكد أنهم‮  ‬كانوا على ‬علم مسبق بالقرار‮.‬
 

وفى ‬مساء اليوم ذاته‮ ‬22‮ ‬نوفمبر أعلن د‮. ‬ياسر على (‬المتحدث باسم رئاسة الجمهورية‮) ‬عن مضمون‮  ‬الإعلان الدستورى ‬الجديد الذى ‬أحدث انقلابًا خطيرًا،‮ ‬ومثَّل اعتداءً‮ ‬على ‬القانون وعلى ‬الإعلانات الدستورية المختلفة‮..‬
 

لقد تضمن الإعلان الجديد‮ «‬ديباجة‮»  ‬تقول‮: »‬بعد الاطلاع على ‬الإعلان الدستورى ‬الصادر فى ‬13‮ ‬فبراير‮ ‬2011،‮ ‬وعلى ‬الإعلان الدستورى ‬الصادر فى ‬30‮ ‬مارس‮ ‬2011،‮ ‬وعلى ‬الإعلان الدستورى ‬الصادر فى ‬11‮ ‬أغسطس‮ ‬2012‭ ‬‮‬..
 

وأضاف: ولما كانت ثورة الخامس والعشرين من‮ ‬يناير‮ ‬2011‮ ‬قد حمَّلت رئيس الجمهورية مسئولية تحقيق أهدافها والسهر على ‬تأكيد شرعيتها وتمكينها بما‮ ‬يراه من إجراءات وتدابير وقرارات لحمايتها وتحقيق أهدافها،‮ ‬وخاصة‮: ‬هدم بنية النظام البائد وإقصاء رموزه والقضاء على ‬أدواته فى ‬الدولة والمجتمع،‮  ‬والقضاء على ‬الفساد واقتلاع بذوره وملاحقة المتورطين فيه،‮ ‬وتطهير مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية مصر وشعبها،‮ ‬والتصدى ‬بمنتهى ‬الحزم والقوة لرموز النظام السابق،‮ ‬والتأسيس لشرعية جديدة تاجها دستور‮ ‬يرسى ‬ركائز الحكم الرشيد الذى ‬ينهض على ‬مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية ويلبى ‬طموحات الشعب ويحقق آماله‮.‬
 

الإعلان الدستوري

وقد تضمن الإعلان الدستورى ‬عددًا من المواد الخطيرة التى ‬تمكَّن الرئيس من فرض ديكتاتوريته الكاملة على ‬القضاء وعلى ‬شئون البلاد،‮ ‬وهى‮:‬
 

- المادة الأولي‮: ‬تُعاد التحقيقات والمحاكمات فى ‬جرائم القتل والشروع فى ‬قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التى ‬ارتُكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى ‬منصبًا سياسيًا أو تنفيذيًا فى ‬ظل النظام السابق وذلك وفقًا لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين‮«.‬
 

- أما المادة الثانية فقد نصت على ‬أن‮: «‬الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى‬30‮ ‬ يونية‮ ‬2012‮ ‬حتى ‬نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها‮ ‬غير قابلة للطعن عليها بأى ‬طريق وأمام أى ‬جهة،‮ ‬كما لا‮ ‬يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء،‮ ‬وتنقضى‮ ‬جميع الدعاوى‮ ‬المتعلقة بها والمنظورة أمام أى ‬جهة قضائية».‬
 

- ونصت المادة الثالثة على‮: «‬يُعيَّن النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب،‮ ‬ويُشترط فيه الشروط العامة لتولى ‬القضاء،‮ ‬وألا تقل سنه عن‮ ‬40‮ ‬سنة ميلادية،‮ ‬ويسرى ‬هذا النص على ‬مَنْ‮ ‬يشغل المنصب الحالى ‬بأثر فوري‮».‬. وكان ذلك‮ ‬يعنى ‬عزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود المعين منذ عام ‮‬2006،‮ ‬أى ‬بما‮ ‬يعنى ‬أنه استنفد مدة الأربع سنوات من تاريخ شغله وظيفته‮.‬
 

- ونصت المادة الرابعة علي‮: »‬تُستبدل عبارة‮ »‬تتولى ‬إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى ‬موعد‮ ‬غايته‮ ‬8‮ ‬أشهر من تاريخ تشكيلها‮« ‬بعبارة‮ »‬تتولى ‬إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى ‬موعد‮ ‬غايته ‮ ‬6‮ ‬أشهر من تاريخ تشكيلها‮ ‬الواردة فى ‬المادة‮ ‬60‮ ‬من الإعلان الدستورى ‬الصادر فى ‬30‮ ‬ مارس 2011 ‮».‬
 

وهى ‬مادة وُضعت،‮ ‬ومع ذلك لم‮ ‬يتم العمل بها،‮ ‬حيث طلب محمد مرسى ‬رئيس الجمهورية فى ‬هذا الوقت من الجمعية التأسيسية الانتهاء من الدستور فى ‬الموعد المحدد بالمادة‮ ‬60‮ ‬من الإعلان الدستورى (‬أى‮ ‬ستة أشهر‮) ‬وليس‮ (‬ثمانية أشهر‮) ‬كما نصَّت هذه المادة‮.‬
 

- ونصت المادة الخامسة‮  ‬على‮: «‬لا‮ ‬يجوز لأى ‬جهة قضائية حل مجلس الشورى ‬أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور» ‬،‮ ‬بما‮ ‬يمثل قمة التحدى ‬للقضاء وتعطيل أحكامه عنوة ودون سند‮.‬
 

- ونصت‮  ‬المادة السادسة على‮: »‬لرئيس الجمهورية إذا قام خطر‮ ‬يهدد ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو‮ ‬يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها،‮ ‬أن‮ ‬يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على ‬النحو الذى ‬ينظمه القانون‮«.‬
 

لقد أحدث هذا الإعلان الدستورى ‬ردود فعل‮ ‬غاضبة فى ‬كل مكان على ‬أرض مصر؛ فهو علاوة على ‬أنه‮ ‬يتحدى ‬القانون والإعلانات الدستورية وسلطة القضاء،‮ ‬فإن الرئيس ليس مفوضًا فى ‬إصدار مثل هذه الإعلانات الدستورية باعتبار أن السلطة التشريعية من الناحية القانونية فى ‬حوزة المجلس الأعلى ‬للقوات المسلحة فى ‬ظل‮ ‬غيبة مجلس الشعب،‮ ‬حتى ‬لو كان الرئيس قد اغتصب هذه السلطة لنفسه وألغى ‬الإعلان الدستورى ‬المكمل فى ‬12‮ ‬أغسطس ‮ ‬2012.‬
 

لقد صدر بمقتضى‮ ‬هذا الإعلان‮  ‬قرار جديد‮ ‬يقضى ‬بعزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود،‮  ‬فالرئيس الذى ‬تراجع عن قراره السابق،‮ ‬كان‮ ‬ينتظر اللحظة المناسبة لإعادة الكَرَّة وعزل النائب العام،‮  ‬الأمر الذى ‬مثَّل عدوانًا سافرًا على ‬قانون السلطة القضائية‮.‬
 

ومع صدور هذا الإعلان الدستوري،‮ ‬وضح أن الهدف هو اغتصاب السلطة القضائية لتنضمَّ‮ إلى ‬السلطتين التنفيذية والتشريعية ؛‮  ‬ولذلك أصدر رئيس الجمهورية قانونًا مرافقًا أطلق عليه‮ »‬قانون حماية الثورة‮».‬
 

لقد كان الهدف المعلن لهذا القانون هو محاكمة أو إعادة محاكمة مَنْ‮ ‬يثبت تورطهم فى ‬قتل المتظاهرين من‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬2011‮ ‬حتى‮ ‬30‮ ‬يونية‮ ‬2012‮ ‬ـ تاريخ تولى‮ ‬محمد مرسى ‬منصب رئيس الجمهورية ـ وذلك فى ‬ضوء تقرير لجنة تقصى‮ ‬الحقائق المقدَّم إلى ‬النائب العام‮.‬
 

لقد تجاوز القانون ثوابت المحاكمات وتعارض مع قانون الإجراءات الجنائية،‮ ‬ولذلك نصَّ‮ فى ‬مادته الأولى‮ ‬على‮ ‬إعادة التحقيقات فى ‬جرائم قتل والشروع فى ‬قتل‮ ‬وإصابة المتظاهرين استثناء من حكم المادة‮ ‬197‮ ‬من قانون الإجراءات،‮ ‬وامتد بهذه المادة إلى ‬ما أسماه بجرائم الاعتداء باستعمال القوة والعنف والتهديد والترويع على ‬الحرية الشخصية للمواطنين وغيرها من الحريات والحقوق التى ‬كفلها الدستور والقانون والمرتكبة بواسطة كل من تولى ‬منصبًا سياسيًا أو تنفيذيًا فى ‬ظل النظام السابق،‮ ‬على‮ ‬أن تشمل التحقيقات الفاعلين الأصليين والمساهمين‮  ‬بكل الصور فى ‬تلك الجرائم،‮ ‬وكل ما تكشف عنه التحقيقات من جرائم أخرى ‬مرتبطة‮.‬
 

وهكذا جاء النص فضفاضًا،‮ ‬ليضم تحت مظلته كل من تثور حوله الشبهات،‮ ‬أو بالأحرى ‬كل من‮ ‬يود النظام الإخوانى ‬الحاكم الانتقام منه،‮ ‬وإدخاله ضمن المتهمين الذين‮ ‬يتوجب عقابهم بمقتضى‮ ‬هذا القانون‮!!‬
كان طبيعيًا والحال كذلك أن‮ ‬يتم إنشاء نيابة خاصة لحماية الثورة من أعضاء النيابة العامة والقضاء والذين‮ ‬يُصدر النائب العام قرارًا بندبهم لهذه المهمة،‮ ‬ويكون لهم سلطات قاضى ‬التحقيقات‮  ‬وغرفة المشورة المنصوص عليها فى ‬قانون الإجراءات الجنائية،‮ ‬أى ‬يكون لهم حق حبس المتهمين وإعادة التجديد لهم لفترات طويلة حتى ‬تقديمهم للمحاكمة‮.‬
 

والغريب أن الجرائم التى‮ ‬يعاقب عليها هذا القانون لم تتوقف عند حدود جرائم قتل الثوار أو استخدام القوة ضدهم،‮ ‬بل امتدت أيضًا إلى ‬قضايا النشر وإخفاء معلومات أو أدلة من شأنها تمكين الجهات المختصة من القصاص العادل،‮ ‬والامتناع عمدًا عن تقديم الأدلة اللازمة لتمكين المحاكم من تحقيق العدالة الناجزة واللازمة فى ‬قضايا الفساد السياسى ‬والمالى ‬لرموز النظام السابق‮.‬
 

لقد أكد العديد من فقهاء القانون أن هذا القانون الاستثنائى ‬هو قانون انتقامى ‬،‮ ‬لا‮ ‬يستهدف الثأر للشهداء والمصابين بقدر ما‮ ‬يستهدف‮  ‬بثَّ‮ ‬الذعر والخوف فى ‬النفوس،‮ ‬والنيل من كل معارضى ‬استبداد النظام ودولة الإخوان‮.‬
 

إن تقرير تقصى ‬الحقائق المقدم إلى ‬النائب العام فى ‬هذا الوقت لم‮ ‬يتضمن مسئولية الجهات التى ‬تولت فتح السجون والاعتداء عليها،‮ ‬كما لم‮ ‬يتضمن أى ‬معلومات حول الفرقة‮) ‬95‮ (‬الإخوانية ومدى ‬مسئوليتها عن الأحداث التى ‬شهدها ميدان التحرير‮!!‬
لقد كشف‮  ‬وزير الشباب الأسبق د.أسامة‮ ‬ياسين فى ‬حديث‮  ‬له مع قناة الجزيرة عن هذه الفرقة ودورها فى ‬أحداث موقعة الجمل‮.. ‬غير أن لجنة تقصى ‬الحقائق،‮ ‬المشكَّلة بقرار من الرئيس السابق محمد‮  ‬مرسي،‮ ‬لم تفكر حتى فى ‬مجرد استدعائه للاستماع إلى ‬أقواله‮.‬
 

لقد أعطى هذا القانون للنائب العام أو من‮ ‬يمثله الحق فى ‬حبس المتهمين بارتكاب الجرائم المنصوص عليها لمدد تصل إلى ‬ستة أشهر،‮ ‬وهو أمر أكد العودة مجددًا إلى ‬القوانين الاستثنائية التى‮ ‬يجرى‮ ‬توظيفها بهدف تصفية المعارضين والتنكيل بهم‮!!‬
لقد تجاوز القانون فى ‬مضمونه جميع الإجراءات الاستثنائية التى ‬كانت من أسباب قيام الثورة ضد النظام السابق،‮ ‬فقد كان بمثابة محاولة للثأر والانتقام‮.‬
 

كانت البداية بعد صدور الإعلان الدستورى ‬مباشرة،‮ ‬صدور قرار بتعيين نائب عام جديد هو المستشار طلعت إبراهيم الذى ‬جرى ‬اختياره دون سند من قانون أو دستور،‮ ‬أدى‮ ‬القَسَم فى ‬المساء ذاته بعد أن جرى ‬استدعاؤه على ‬عجل،‮ ‬ثم طُلب منه الذهاب إلى ‬مكتب النائب العام بدار القضاء العالى ‬بعد منتصف الليل ليلقى ‬بيانًا على ‬الشعب،‮ ‬ويرسخ أمرًا واقعًا أمام الجماهير‮.‬
 

لقد جاءوا إليه بكاميرات التليفزيون،‮ ‬انتظر فى ‬مكتب مدير أمن المحكمة قبل أن‮ ‬يصعد إلى ‬مكتبه،‮ ‬بعد أن استُدعى ‬النائب العام المساعد المستشار عادل السعيد الذى ‬جاء ومعه عدد من موظفى ‬مكتب النائب العام لإدخاله المكتب فى ‬هذا الوقت المتأخر من بعد منتصف ليل الخميس‮ ‬22‮ ‬نوفمبر ‮ ‬2012.‬
 

كان المستشار عبدالمجيد محمود قد لملم أوراقه وانصرف بعد الإعلان مباشرة،‮ ‬وفى‮ ‬اليوم التالى ‬الجمعة،‮ ‬كنت أزوره فى ‬منزله بحضور النائب العام المساعد عادل السعيد والنائب العام المساعد عدنان الفنجرى ‬وعدد من محامى ‬العموم وبعض من المقربين،‮ ‬كان الرجل مستاءً‮ ‬وغاضبًا من المشهد،‮ اتفقنا معه على اللجوء إلى دائرة رجال القضاء والطعن على القرار وعهد المستشار عبد المجيد محمود إلىّ وإلى المستشار عادل السعيد والمستشار هشام الدندرلى بإعداد بيان وبعد أن أعددنا البيان تعهدت بطباعة عدة آلاف منه لتوزيعه فى اليوم التالى 42 نوفمبر خلال المؤتمر الحاشد للقضاة ورجال النيابة العامة فى دار القضاء العالى.‬
 

وفى ‬هذا اليوم الجمعة‮ ‬23‮ ‬نوفمبر كان الآلاف من الإسلاميين قد توجهوا إلى ‬قصر الرئاسة بالاتحادية لإعلان تأييدهم للرئيس،‮ ‬بينما كانت الحشود تتدفق على ‬ميدان التحرير؛ رفضًا لهذا الإعلان الخطير،‮ ‬واستبق ذلك تصريحات من الأحزاب وقادة الرأى ‬العام ورجال القانون والقضاة تنتقد جميعها هذا الإعلان الذى ‬اعتبرته باطلاً‮.‬
 

فى هذا الوقت قدم العديد من كبار رجال النيابة العامة استقالاتهم احتجاجًا على هذه القرارات وكان من أبرزهم: على الهوارى المحامى العام لنيابات الأموال العامة والمستشار سعيد المحسن المحامى العام لنيابات الإسكندرية والمحامى العام المستشار محمد عبد السلام وآخرين.. والمستشار مصطفى سليمان المحامى العام لنيابات القاهرة والمستشار هشام بدوى المحامى العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا وعدد كبير من رجالات النيابة العامة قرروا ترك مناصبهم احتجاجًا على إقالة المستشار عبد المجيد محمود من منصبه وتعيين المستشار طلعت عبد الله بديلًا عنه.
 

كان المستشار سعيد عبد المحسن قد عاد لتوه من الكويت قاطعًا زيارته بعد أحداث الفوضى التى شهدتها مصر إلا أنه لم يتردد فى تقديم استقالته احتجاجًا على إقالة النائب العام بهذه الطريقة.. وتدخل الإخوان فى شئون القضاء وكان ذلك هو حال الكثير من رجال النيابة العامة الذين رفضوا المساس باستقلالية هيئتهم.
 

انطلقت الهتافات أمام قصر الاتحادية،‮ ‬خرج الرئيس مرسى إلى ‬أهله وعشيرته ليخاطبهم معتليًا منصة أُعدت له أمام القصر الرئاسي،‮ ‬قال‮ «‬إن ما‮ ‬يسعى ‬إليه هو الاستقرار السياسى ‬والاقتصادى ‬وتأكيد مبدأ تداول السلطة‮»‬،‮ ‬وقال‮ «‬إنه‮ ‬يحترم القضاء ويرعى ‬دولة القانون والدستور ولا‮ ‬يريد أن‮ ‬يستأثر بالسلطة التشريعية،‮ ‬وإنه اتخذ القرارات الأخيرة عندما وجد أن الأحكام القضائية تُعلَن قبل صدورها بأسبوعين‮».‬
 

مؤامرة وهمية

وراح الرئيس‮ ‬يتحدث عن مؤامرة‮ «‬وهمية‮» ‬أعدها قضاة بالمحكمة الدستورية،‮ ‬إلا أنه كُشف الغطاء عنهم،‮ ‬وهى‮ ‬أمور كلها أثارت استياءً‮ ‬واضحًا ليس لدى ‬القضاة فحسب ولكن لدى ‬فئات واسعة من المجتمع‮.‬
 

كانت الاشتباكات تدور فى ‬شارع محمد محمود لليوم الخامس على ‬التوالي،‮ ‬بينما كانت مليونية‮ »‬الغضب والإنذار‮« ‬التى ‬دعت إليها القوى ‬السياسية فى ‬ميدان التحرير‮ ‬يشتد لهيبها‮.‬. وفى ‬هذا الوقت بدا الانقسام واضحًا‮!!‬
***
 

الجمعية العمومية للقضاة
 

فى ‬مساء الجمعة‮ ‬23‮ ‬نوفمبر حدثنى ‬المستشار أحمد الزند،‮ ‬دعانى‮ ‬للمشاركة بالحضور وإلقاء كلمة أمام الجمعية العمومية للقضاة التى‮ ‬ستُعقد فى ‬الثالثة من بعد ظهر السبت‮ ‬24‮ ‬نوفمبر لإعلان موقفها من عزل النائب العام والاعتداء على ‬استقلالية السلطة القضائية‮.‬
 

قال‮ ‬لي‮: ‬إن المستشار عبدالمجيد سوف‮ ‬يحضر أعمال الجمعية العمومية،‮ ‬وسيعلن موقفه بكل صراحة ووضوح،‮ ‬وكنت أعرف‮  ‬أن المستشار عبدالمجيد محمود سوف‮ ‬يحضر بالفعل‮.‬ وسألنى عن البيان، فقلت له: إننى سأطبعه وسأرسله إلى نادى القضاة قبيل عقد الجمعية العمومية لتوزيعه خلال الاجتماع.
 

فى ‬الموعد المحدد ذهبت إلى ‬هناك،‮ ‬كانت الحشود كبيرة،‮ ‬لقد شارك فى ‬أعمال الجمعية العمومية أكثر من سبعة آلاف من رجال القضاء والنيابة العامة‮.‬
كانت وسائل الإعلام تنقل الحدث على ‬الهواء مباشرة،‮ ‬تحدث العديد من الشخصيات،‮ ‬كان أبرزهم‮: ‬المستشار أحمد الزند‮ (‬رئيس نادى ‬القضاة،‮ ‬رئيس الجمعية العمومية‮) ‬والمستشار عبدالمجيد محمود‮ (‬النائب العام الشرعي‮) ‬ونقيب المحامين سامح عاشور والعديد من أساتذة القانون‮.‬
وزَّع أعضاء النيابة العامة البيان الصادر باسم المستشار عبدالمجيد محمود على ‬أعضاء الجمعية العمومية‮  ‬أكد فيه عددًا من النقاط،‮ ‬أبرزها‮:‬
 

أولاً‮: ‬إنه بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية الإعلان الدستورى ‬الذى ‬أصدره الرئيس بتاريخ‮ ‬21‮  ‬نوفمبر وما تضمنه من أحكام فى ‬حقيقتها تهدف إلى ‬تعطيل عمل السلطة القضائية،‮ ‬فإننى ‬أترك هذا الأمر للجهات القضائية المختصة لتقول كلمتها ومدى ‬شرعية هذا الإعلان وما تمخض عنه من قرارات منعدمة،‮ ‬باعتبار أن جهة القضاء المختصة هى ‬صاحبة الاختصاص الأصيل دون‮ ‬غيرها فى ‬تكييف أحكام هذا الإعلان الدستورى ‬ومدى‮ ‬مطابقته للدستور والقانون‮.‬
 

ثانيًا‮: ‬إننى ‬إذ أعلن تمسكى ‬بجميع النصوص الدستورية والقانونية وفى ‬مقدمتها قانون السلطة القضائية رقم‮ ‬46‮ ‬لسنة‮ ‬1972‮ ‬وتعديلاته فيما‮ ‬يتعلق بمنصب النائب العام،‮ ‬فقد قررت اللجوء إلى ‬الجهات القضائية المختصة لإصدار حكمها فيما‮ ‬يتعلق بقرار رئيس الجمهورية بعزل النائب العام وتعيين نائب عام جديد‮.‬
 

ثالثًا‮: ‬أُعلن أمام الكافة مسئوليتى ‬الكاملة عما‮ ‬يتعلق بدور النيابة العامة وأدائها وحرصها على ‬القانون وتطبيق مبدأ العدالة فى ‬جميع القضايا التى ‬تصدت لها طيلة الفترة الماضية‮.‬
 

رابعًا‮: ‬إننى ‬أحذر من خرق المبادئ العامة للدستور والقانون،‮ ‬وفى‮ ‬ضوء ما شهدته الأيام الماضية من قرارات متعددة طالت السلطة القضائية وسعت إلى ‬تعطيل دورها،‮ ‬فإنه‮ ‬يجب التأكيد أن العدالة المنشودة هى‮ ‬العدالة المطلقة وليست عدالة الإدانة فقط‮.‬
 

خامسًا‮: ‬لقد تعرض جهاز النيابة العامة والقضاء المصرى إلى ‬هجمة شرسة واتهامات ظالمة وقفت خلفها قوى ‬لا تريد للعدالة المطلقة أن تأخذ طريقها،‮ ‬وتسعى‮ إلى ‬تسييس القضاء وأحكامه لحسابات سياسية بعينها،‮ ‬وهو أمر مرفوض من الجميع،‮ ‬فقضاء مصر العادل لا‮ ‬يحتكم فى‮ ‬قراراته وأحكامه إلا للدستور والقانون‮.‬
 

سادسًا‮: ‬إننا نحذر من خطورة الحملة التى ‬تستهدف القضاء واستقلاله،‮ ‬وتسعى إلى ‬تشويه سمعة قضاة مصر وإهانتهم أمام الرأى ‬العام،‮ ‬وإننا نرفض ذلك من منطلق الحرص على ‬كيان الدولة المصرية التى ‬تتعرض لحملات ممنهجة فى ‬هذه الفترة تستهدف إسقاط جميع مؤسسات الدولة والسلطة القضائية فى ‬مقدمتها‮.‬
 

وفى ‬خطابه أمام الجمعية العمومية للقضاة فنَّد المستشار عبدالمجيد محمود جميع الادعاءات التى ‬ساقتها عناصر من جماعة الإخوان ضده،‮ ‬وقال إن الهدف هو النيل من القضاء،‮ ‬وتساءل‮: ‬لماذا لم‮ ‬يقدم أحد فيهم بلاغًا للتحقيق فى ‬فتح السجون وحرق الأقسام؟‮!‬
صفق الحاضرون كثيرًا؛ فقد كانت كلماته تعنى ‬رسالة لكل ذى ‬عقل ولكل من‮ ‬يتابع الأوضاع على ‬أرض هذا البلد‮.‬
 

فى ‬هذا الوقت سُمع دوى ‬إطلاق رصاص من خارج مبنى ‬دار القضاء العالي،‮ ‬ثم عرفنا بعد ذلك أن هناك هجومًا من بعض عناصر البلطجة الذين استهدفوا اقتحام مقر دار القضاء العالى ‬للاعتداء على ‬أعضاء الجمعية العمومية بتحريض من جماعة الإخوان‮.‬
 

بعد ساعات طوال ومناقشات عديدة،‮ ‬أصدرت الجمعية العمومية للقضاة عددًا من التوصيات المهمة،‮ ‬كان أبرزها‮: ‬مطالبة الرئيس بسحب الإعلان الدستورى ‬الأخير والآثار المترتبة عليه،‮ ‬وإلزام مجلس القضاء الأعلى ‬بتبنى ‬جميع القرارات التى ‬تصدر من الجمعية العمومية وتنفيذها‮.‬
 

وناشدت الجمعية العمومية المستشار طلعت عبدالله الاعتذار عن منصب النائب العام؛ حتى ‬لا‮ ‬يحدث شقاق فى ‬صفوف القضاة‮. ‬ودعت جميع الجمعيات العمومية إلى ‬تعليق العمل بالمحاكم اعتبارًا من‮ ‬25‮ ‬نوفمبر‮ ‬2012،‮ ‬وجرى ‬الاتفاق على ‬بدء اعتصام داخل نادى ‬القضاة اعتبارًا من الثلاثاء‮ ‬27‮ ‬نوفمبر،‮ ‬كما تقرر شطب جميع القضاة المنتمين لحركة‮ »‬قضاة من أجل مصر‮« ‬ـ الذين أيدوا الإعلان الدستورى ‬ـ من عضوية نادى ‬القضاة‮.‬
 

كانت‮  ‬مقررات الجمعية العمومية لقضاة مصر،‮  ‬بمثابة إنذار للسلطة السياسية فى ‬البلاد،‮ ‬وتحدٍ‮ ‬للقرارات الجائرة‮  ‬والظالمة التى ‬مثَّلت انتهاكًا صارخًا للدستور والقانون‮.‬
 

وكانت مصر فى ‬هذا الوقت تموج بالتظاهرات الرافضة للإعلان الدستورى (‬الانقلابي‮)‬،‮ ‬وكان الجيش‮ ‬يتابع الأوضاع عن كثب‮.‬
 

فى ‬هذا الوقت وتحديدًا بعد صدور الإعلان الدستورى ‬فى ‬الثانى ‬والعشرين من نوفمبر التقى ‬الفريق أول عبدالفتاح السيسى ‬الرئيس السابق محمد مرسى ‬وحذره من خطورة تداعيات هذا الإعلان على ‬الأمن والاستقرار فى ‬البلاد،‮ ‬إلا أن الرئيس لم‮ ‬يعط اهتمامًا لمخاوف القائد العام للقوات المسلحة‮.‬
 

حصار الدستورية
 

بعدهاجاءت مليونية‮ «‬الشرعية والشريعة‮» ‬يوم السبت ‮الأول من ‬ديسمبر،‮ ‬حيث احتشد أكثر من مليون من المنتمين إلى ‬التيار الإسلامي،‮ ‬شنوا هجومًا شرسًا على ‬القوى ‬المدنية ورفعوا صور الإعلاميين‮  (‬وقد كنت من بينهم‮) ‬وطالبوا بالثأر منهم،‮ ‬وهتفوا ضد العديد من رموز جبهة الإنقاذ التى‮ ‬أسموها بجبهة‮ «الخراب».‬
 

وفى ‬اليوم نفسه‮  ‬دعا صفوت حجازى ‬ـ أحد رموز التيار الإسلامى ‬ـ المحتشدين إلى ‬الزحف باتجاه المحكمة الدستورية العليا لمحاصرتها ومنعها من إصدار حكمها المتوقع فى ‬الثانى ‬من ديسمبر‮ ‬2012‮ فى ‬دعوى‮ ‬بطلان مجلس الشورى‮ ‬وبطلان الجمعية التأسيسية‮  ‬للدستور‮.‬
 

وقد أكدت المعلومات أن عملية الحصار تمت بأوامر مباشرة من الرئيس السابق محمد مرسي،‮ ‬حيث أقام المعتصمون خيامًا حول مبنى ‬المحكمة الدستورية ومنعوا قضاتها فى ‬اليوم التالى ‬من الدخول ووجهوا إليهم الإهانات وراحوا‮ ‬يرددون الهتافات المعادية والمهينة من عينة‮ «‬إدينا الإشارة ـ نجيبهم لك فى ‬شيكارة‮«.. »‬يا قضاة الدستورية اتقوا شر المليونية‮».‬
 

لقد أصدرت المحكمة الدستورية بيانًا فى ‬أعقاب حصارها بساعات قليلة أعلنت فيه تعليق جلسات المحكمة فى ‬جميع القضايا المنظورة أمامها إلى ‬أجل‮ ‬غير مسمى ‬يرتبط بالمناخ والظروف الملائمة التى ‬يقدرون فيها على ‬مواصلة رسالتهم والفصل فى ‬الدعاوى ‬المطروحة على ‬المحكمة بغير أى ‬ضغوط نفسية‮  ‬أو مادية‮ ‬يتعرضون لها‮.‬
 

وقال البيان إن اليوم المحدد لجلسة نظر القضايا المنظورة أمام المحكمة الدستورية كان الثانى‮ ‬من ديسمبر عام ألفين واثنى ‬عشر،‮ ‬وإنه كان‮ ‬يومًا حالك السواد فى ‬سجل القضاء المصرى ‬على ‬امتداد عصوره‮.‬
 

وقال البيان‮: «‬عندما بدأ توافد قضاة المحكمة فى ‬الصباح الباكر لحضور جلستهم ولدى ‬اقترابهم من مبناها تبين لهم أن حشدًا من البشر‮ ‬يطوقون المحكمة من كل جانب ويوصدون مداخل الطرق إلى ‬أبوابها ويتسلقون أسوارها ويرددون الهتافات والشعارات التى ‬تندد بقضاتها وتحرض الشعب ضدهم‮ ‬،‮ ‬مما حال دون دخول مَنْ‮ ‬وصل من القضاة؛ نظرًا لما تهددهم من أذى ‬وخطر على ‬سلامتهم فى ‬ظل حالة أمنية لا تبعث على ‬الارتياح‮».‬
 

وأضاف اليبان‮ «‬إنه إزاء ما تقدم فإن قضاة المحكمة الدستورية العليا لم‮ ‬يعد أمامهم اختيار إلا أن‮ ‬يعلنوا لشعب مصر العظيم أنهم لا‮ ‬يستطيعون مباشرة مهمتهم المقدسة فى ‬ظل هذه الأجواء المشحونة بالغلِّ‮ ‬والحقد والرغبة فى ‬الانتقام واصطناع‮ ‬الخصومات الوهمية،‮ ‬ومن ثم فإنهم‮ ‬يعلنون تعليق جلسات‮  ‬المحكمة إلى ‬أجل‮ ‬يقدرون فيه على ‬مواصلة رسالتهم والفصل فى ‬الدعاوى ‬المطروحة على ‬المحكمة بغير أى ‬ضغوط نفسية ومادية‮ ‬يتعرضون لها‮».‬
 

وكان موقف وزارة العدل مخجلاً،‮ ‬فالمستشار أحمد سلام‮  ‬ـ المتحدث باسم وزارة العدل ـ أعلن عن أسفه لحصار المحكمة،‮ ‬إلا أنه قال‮: ‬ليس من اختصاصنا فض الحصار،‮ ‬ولم‮ ‬يسمع أحد موقفًا واضحًا وقويًا لوزير العدل آنذاك المستشار أحمد مكي‮.‬
فى ‬هذا الوقت أعلنت‮ ‬64‮ ‬محكمة دولية عن تضامنها مع المحكمة الدستورية فى ‬رفض منعها من أداء عملها،‮ ‬بل جرى‮ ‬تعطيل عمل هذه المحاكم لمدة‮ ‬يوم احتجاجًا على ‬حصار المحكمة الدستورية الذى ‬استمر‮ ‬18‮ ‬يومًا‮.‬
 

لقد ترك هذا الحصار وما لاقاه القضاة من إهانة جرحًا‮ ‬غائرًا فى ‬نفوس القضاة والشعب المصري‮.. ‬إلا أن رئيس الدولة وجماعة الإخوان،‮ ‬كانوا‮ ‬يرون أن هذا هو الأسلوب المناسب لقمع المحكمة وقضاتها والثأر منهم بسبب الحكم الصادر فى ‬14‮ ‬يونية‮ ‬2012‮ ‬بحل مجلس الشعب استنادًا إلى ‬عدم دستورية المادة الخامسة من قانون الانتخابات البرلمانية‮.‬
 

ثار الرأى ‬العام فى ‬مصر،‮ ‬احتجَّ‮ ‬القضاة،‮ ‬اهتز الضمير الوطني،‮ ‬وازدادت حدة المظاهرات فى ‬هذا الوقت احتجاجًا على ‬تعسف السلطة وجبروتها فى ‬مواجهة المحكمة وقضاتها‮.‬