قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

هند عصام تكتب: إلى أين تحملني

الكاتبة الصحفية هند
الكاتبة الصحفية هند عصام

"انظري، إنني جوبيتر، اضطرني حبُّك إلى أن أتخذ هذه الهيئة، وسرعان ما ستستقبلنا كريت لتكون حُجرة عرسنا؛ كريت التي وُلدتُ فيها".
جوبيتر سوف يلاحظ قارئ قصصي ومقالاتي تكرار هذا الاسم في الأساطير اليونانية فلم يكن جوبيتر مقسم مملكة العالم فقط بل ذكر اسمه في قصص وأساطير كثيرة و كان جوبيتر الشخصية الرئيسية في حلقة غرامية، جرت في ركابها كثيرٌ من الأحداث والنتائج الهامة.

كانت هناك فتاة تدعي  «أوروبا» أميرة آسيوية وكانت ابنة ملك فينيقيا، وكانت أوروبا تتألق بجمالًا لا يضاهي بين تابعاتها الأميرات، كما تتألق فينوس بين الجراكيات. وعندما رائها  ابن كرونوس فوقع في غرامها علي الفور ، فقابلها في صورة ثور قوي جميل المنظر، جاء إلى المرعى المزهر، حيث كانت أوروبا تلعب مع رفيقاتها الأميرات ، اللواتي عندما رأينا الثور هرَبْن جميعًا ما عدا الأميرة أوروبا؛ إذ سلط جوبيتر إيحاءه عليها، فبقيت دون أن يتطرَّق الخوف إلى قلبها، وتقدمت نحوه فانخفض لها في رفقٍ وانحنى أمامها، وقدم لها ظهره العريض. ابتسمت الفتاة وقد أغراها الثور، فجلست على ظهره، وما كادت تجلس حتى ارتفع عن الأرض، واتجه نحو شاطئ البحر المجاور، وقفز بها وسط الأمواج.

عبثًا نادت أوروبا على رفيقاتها، وعبثًا توسلت إلى الثور البادي الرقة أن يعيدها إلى اليابسة، ويسمح لها بالعودة إلى أهلها، ولكنه أصمَّ سمعه عن توسُّلاتها، وشرع يسبح بسرعة بضرباتٍ قوية وسط البحر الهادئ أمامه. وما من موجة صغيرة أصابت ثوب الفتاة بالبلَل، وكانت وحوش البحر تقفز حوله، وارتفعت جماعات حوريات البحر من بين الأمواج يحيِّينه في مرح.

صاحت الفتاة أخيرًا في فزعٍ تقول: «إلى أين تحملني؟» فأجابها الثور في صوتٍ إلهيٍّ عميقٍ يأمرها بالشجاعة والجرأة.

قال: «انظري، إنني جوبيتر، اضطرني حبُّك إلى أن أتخذ هذه الهيئة، وسرعان ما ستستقبلنا كريت لتكون حُجرة عرسنا؛ كريت التي وُلدتُ فيها أنا نفسي.»

هكذا قال، وهكذا كان، وباسم هذه الأميرة سُميت قارة أوروبا بأكملها.

عندما خطف الثور أوروبا، أمر أبوها أخاها المسمى كادموس، بأن يذهب ويبحث عنها في كل مكان، وبألا يعود إليه إلا بعد العثور عليها. فظل كادموس يبحث عنها شهورًا وسنين دون جدوى، وأخيرًا أمره وحي أبولو بأن يتتبع بقرةً معينة أينما سارت، ويبني مدينة حيث تستقر البقرة.
وفي النهاية وقفت البقرة في سهول بانوبي، وإذ أراد كادموس أن يقدم سكيبة للربة مينيرفا، أخذ يبحث عن الماء في كل الجهات المجاورة، وسرعان ما عثر على ينبوع يتدفق منه تيار من الماء النقي الرائق كالبلور، ولكن تنينًا ضخمًا كان يحرس ذلك الينبوع. وما إن غمس خدم كادموس جرارهم في الماء، حتى هجم عليهم التنين، فقتل بعضهم بمخالبِه، بينما سحق البعضَ الآخر بين ثنيَّات جسمه.

بعد ذلك قام كادموس نفسه، وقاتل ذلك التنين وقتله، دون أن يعرف أنه مكرس لمارس. فغضب إله الحرب على كادموس، وأجبر هذا الأخير على أن يخدمه مدة ثماني سنوات. ولما أمرته مينيرفا أن يزرع أنياب التنين، خرج منها رجال مُسلَّحون صاروا من أتباع كادموس. فبنى هناك مدينة طيبة، ويُنسب إلى كادموس هذا ابتكار الحروف الهجائية، وعندما بلغ الشيخوخة تحوَّل هو وزوجته هارمونيا إلى ثعبانين، ولكنه لم يرَ أوروبا مرة أخرى.

أستسلمت أوروبا للأمر الواقع و أنجبت أوروبا لجوبيتر ثلاثة أبناء: مينوس الذي صار فيما بعدُ ملكًا على كريت، ورادامانثوس، وساربيدون. وبعد موت الابنين الأولين، صارا قضاة الأشباح في العالم السفلي.

هذا، وتُروى قصة ممتعة عن مينوس عندما كان حاكمًا على كريت. كان له خادم يُدعى دايدالوس، وكان ميكانيكيًّا بارعًا، وصانعَ معادن، ومخترعًا عبقريًّا، وهو أبو جميع الاختراعات. صمم دايدالوس لمينوس مجموعة من الأنفاق المعقدة والكثيرة التعاريج، تُسمَّى متاهة لابيرينث حبس فيها المينوطور، وهو وحش نصفه لإنسان ونصفه لثور.

وذات يوم غضِبَ مينوس على دايدالوس، فسجنه هو وابنه إيكاروس، فطفق دايدالوس يقدح ذهنه لإيجاد وسيلة للهروب من السجن. وأخيرًا هداه تفكيره إلى أن يصنع زوجًا من الأجنحة لنفسه، وزوجًا آخر لابنه، وثبَّتها على كتفيه وعلى كتفي ابنه، مستخدمًا الشمع كمادة لاصقة، فطار الاثنان بنجاحٍ، وارتفعا في الجو بسرعة، واقتربا أكثر فأكثر من قارة أوروبا، ولكن إيكاروس سُر سرورًا عظيمًا وابتهج، وأخذ يطير إلى فوقُ عاليًا جدًّا، واستمر في اقترابه من الشمس رغم تحذير والده. وأخيرًا حلق إلى مسافة بعيدة مقتربًا من الشمس، فصهرت حرارتها الشمع، وسقط الجناحان عن كتفيه، فسقط هو في اليمِّ، وغاص في البحر وغرق. وفيما بعد سُمي البحر الذي غرق فيه بالبحر الإيكاري. أما دايدالوس فنجا وأفلح في هروبه، وعاش مدة طويلة في صقلية.

-