الخبيرة ..والمسيو

منذ سنوات طلبتني مذيعة معروفة وألحت في لقاء عمل يجمعنا، واعتذرت في إصرار على المقابلة، حيث طالبتها بالكشف عن سبب اللقاء، إلى أن حدث ذلك فيما بعد صدفة، في مبنى ماسبير ، وفهمت أن سبب الإلحاح في اللقاء أني كنت نشرت خبرا عنها من الممكن أن يغضبها، ولكني كنت واثقا من صحة الخبر تماما، ولم يكن صعبا أن أتنبأ بأنها غاضبة من ذلك فاستعددت للمواجهة مع اصرار لا يقبل التخاذل بألا أكشف عن مصدري، فتلك مهمة أخلاقية مقدسة وعقيدة لدى الصحفي، وفي أقل من دقيقة من بدء اللقاء كنت جاهزا للمناوشة، وحتى يكون قارئي معي أكشف عن مضمون الخبر: كنت أتحدث خلال سطوره عن مشاركة المذيعة المذكورة في احدى المسابقات الخاصة باحدى الشركات التي ربما يرى مشاهديها أن مشاركة مذيعة في التليفزيون الحكومي للدولة يخالف مصداقيتها ( فولوستوب ومن أول السطر).
انطلاقا من التوضيح السابق كان إستعدادي للمواجهة حرصا عليها وعلى صورة الإعلام الرسمي وريادته ومصداقيته.
ولكن ما فاجأتني به كان بمثابة القنبلة، بل انه كان بالنسبة لغيري خبرا أكثر إثارة !
حيث بادرتني المذيعة الجميلة قائلة: أنا زعلانة !
قلت منتظرا أن تكون البداية من عندها: خير..
قالت: قبل النشر مش كنت تكلمني..
هذا ليس أسلوبي ولك حق الرد.. وأنا سوف أحمل ردك بنفسي وتوصيله إلى رؤسائي.
ثم جاءت المفاجأة: أنت كتبت أني مذيعة، أما الصحيح أأنني ( خبير إعلامي ) بحسب اللقب الجديد!! إذا فهي غير غاضبة من مضمون الخبر بل من توصيفها بـ " المذيعة المعروفة ".
.. قلت لنفسي إنها لا تكذب الخبر بل تبحث عن لقب !! ومن أنعم عليك بالخبر سيدتي؟ هي: المجلة اللبنانية المشهورة ألم تقرأها!
قلت منهيا الحوار: لا أقرأها سيدتي..
كانت هذه الواقعة سبباً لأن أبدأ في ملاحظة فوضى الألقاب التي يغدق البعض في إطلاقها على أنفسهم أو يمنحها لهم مرءوسوهم، بعد أن أحيا البعض العهد الملكي فأصبح لدينا بكوات وباشوات وهوانم!
وطال ذلك الإعلام، على سبيل المثال صديقي المذيع المتميز (ج. ش) كان لقبه في قناته هي: (دكتور ج)، وصحفي آخر أرسل تكذيبا لخبر لأنه لم يكتب قبل إسمه: الإعلامي، وصديقا محاميا محترما قاطعني لأني لا أناديه بـ سيادة المستشار، في نفس الوقت الذي أنهى فيه صحفي يصغرني بعشر سنوات على الأقل يعمل إضافيا باحدى الوزارات الحوار فيما بيننا لأني أيضا لم أسرف في استخدام لقب: المستشار، أما توصيفه الوظيفي الحقيقي فهو سكرتير صحفي!
وكانت ( ه. س ) ـ ولا تزال ـ تفضل لقب : دكتور على لقب إعلامية لأنه يميزها عن الآخرين علما بأنها حاصلة بالفعل على الدرجة العلمية، وكل الزملاء الصحفيون الذين انضموا للعمل بقنوات فضائية خاصة، قطعوا ـ تشديد الطاء ـ البزنس كارت، واستبدلوه بآخر يصفهم: بالإعلاميين!
صحيح بلد ألقاب..
وهناك أطرافا أخرى تمسكت بالألقاب: ( حرن ) بفتح الحاء والراء بمعنى غضب وزرجن ( تمرد ) كهربائي السيارات الماهر من زبون لم يناديه بلقب " هندسة " فأقسم ألا يمد يده في سيارته أبدا!
كما أن كل إخوانا مندوبي المبيعات وصغار المديرين هم "مستر".
وكذلك تمورجي يأتي من الأقاليم ليبيع خلطات الأعشاب لبعض أهل الفن والإعلاميين ورجال المال حتى أجبرهم على مناداته بلقب دكتور!
أما أطرف الألقاب فهو ذلك اللقب الذي يمنحه كل مصفف شعر فنان ـ خاصة الكوافير الحريمي ـ فهو لا يشعر بأنه صنايعي كبير وصاحب محل إلا إذا ناداه العاملون تحت رئاسته بلقب: "مسيو" .. طب ما كلنا مسيو.. أما فتاة الباديكير فهي " خبيرة " تجميل!!
[email protected]