أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تقريرها السنوي لرواتب موظفي البيت الأبيض، كاشفة عن توزيع الرواتب السنوية لأكثر من 400 موظف، في خطوة اعتبرها البعض مؤشرًا على الشفافية، بينما رآها آخرون تمهيدًا لتحولات جذرية في بنية الإدارة، خاصة مع القرارات الموازية بتقليص عدد من العاملين في القطاع الاستخباراتي بوزارة الأمن الداخلي. وبين أرقام الرواتب والقرارات الأمنية، تطرح هذه التطورات تساؤلات حول أولويات الإدارة الأمريكية في المرحلة المقبلة، خاصة مع تصاعد التوترات الداخلية والخارجية.
قائمة الرواتب.. من 59 ألفًا إلى 225 ألف دولار
كشفت القائمة عن تفاوت كبير في الرواتب، حيث تتراوح بين 59 ألف دولار كحد أدنى وتصل إلى 225 ألفًا و700 دولار كحد أقصى. وتصدرت جاكلين كلوب، كبيرة المستشارين، القائمة براتبها الأعلى، تليها إدجار مكرتشيان، المستشار المساعد، الذي يتقاضى 203 آلاف دولار سنويًا.
ويظهر أن هناك 33 موظفًا يتقاضون راتبًا موحدًا يبلغ 195 ألفًا و200 دولار، من بينهم شخصيات بارزة مثل السكرتيرة الصحفية كارولين ليفيت ومسؤول الحدود توم هومان. أما مساعدو النواب فيتراوح دخلهم السنوي بين 155 و175 ألف دولار، فيما يتلقى كُتاب الخطابات الرئاسية رواتب تتراوح بين 92 ألفًا و500 و121 ألف دولار.
الرئيس دونالد ترامب.. راتب رمزي وتبرع سنوي
يتقاضى الرئيس ترامب راتبًا سنويًا يبلغ 400 ألف دولار، إلا أن دخله الفعلي يتجاوز هذا الرقم ليصل إلى 569 ألف دولار بعد إضافة البدلات المخصصة للسفر والترفيه وتجديد المنزل الرئاسي. تجدر الإشارة إلى أن ترامب سبق وأن تبرع بكامل راتبه للوكالات الفيدرالية المختلفة، في خطوة رمزية تعكس التزامه المعلن بتقليص الإنفاق الحكومي.
موظفون بدون أجر.. ومناصب حكومية مزدوجة
اللافت في التقرير هو وجود 8 موظفين لا يتقاضون أي رواتب من البيت الأبيض، بسبب ارتباطهم بوظائف رسمية أخرى في مؤسسات الدولة. من بينهم ماركو روبيو، وزير الخارجية، الذي لا يتلقى أجرًا عن دوره كمستشار للأمن القومي، كونه يتقاضى راتبه من وزارة الخارجية، إضافة إلى ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للشرق الأوسط، الذي يحصل على تعويضات من الجهة ذاتها.
فجوة في الأجور ومتوسط أقل من إدارة بايدن
يكشف التقرير عن فجوة واضحة في الرواتب، إذ أن 108 موظفين يتقاضون أقل من 80 ألف دولار سنويًا. ويبلغ متوسط الرواتب في إدارة ترامب 114 ألف دولار، وهو أعلى من متوسط إدارة بايدن الذي بلغ 109 آلاف دولار، رغم أن عدد موظفي إدارة بايدن أكبر (564 موظفًا)، إلا أن نسبة ذوي الدخل المرتفع فيها أقل.
تقليص جذري في جهاز الاستخبارات.. وزارة الأمن الداخلي تتخذ القرار
في سياق موازٍ، أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية عن خطة مثيرة للجدل، تقضي بخفض عدد موظفي مكتب الاستخبارات والتحليل بنسبة تصل إلى 75%. هذا يعني تقليص نحو 750 موظفًا من أصل ألف موظف، ضمن ما وصفته الوزارة بأنه "إعادة هيكلة تهدف لإزالة البرامج غير الحيوية".
وبحسب الوزارة، فإن هذا القرار يأتي في إطار توجه الإدارة "لتركيز الموارد على المهام الأساسية"، وهو ما أثار انتقادات شديدة من بعض المشرعين الديمقراطيين، الذين اعتبروا أن الخطوة تأتي في توقيت خطير، في ظل تصاعد التهديدات الداخلية والخارجية، وخصوصًا مع تصاعد التوترات السياسية مع اقتراب الانتخابات.
انتقادات ومخاوف أمنية.. الكونغرس يدخل على الخط
وجه نواب ديمقراطيون من لجنتي الأمن الداخلي في مجلسي النواب والشيوخ رسالة إلى وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، مطالبين بإعادة النظر في القرار. وجاء في الرسالة:
"نحثكم على عدم اتخاذ هذه الخطوة الجذرية والأحادية، والتشاور بدلاً من ذلك مع الكونغرس بشأن طرق بديلة لجعل الاستخبارات والتحليل أكثر فعالية وكفاءة".
ويخشى المشرعون أن تؤثر هذه التخفيضات على قدرة وزارة الأمن الداخلي في توفير المعلومات الاستخباراتية الدقيقة إلى سلطات إنفاذ القانون المحلية والولائية، وهو الدور الذي نشأ عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
هل هي البداية فقط؟
بحسب تصريحات من داخل الوزارة، فإن هذه التخفيضات قد لا تكون الأخيرة في عهد إدارة ترامب، حيث تواصل الوزارة مراجعة وظائف وبرامج إضافية "لا تتماشى مع مهمة الحفاظ على السلامة وتطبيق القوانين".
بين الرؤية الاقتصادية والأمن القومي
يرى مراقبون أن إدارة ترامب تسعى إلى إعادة تشكيل الجهاز الحكومي ليكون أكثر كفاءة وأقل بيروقراطية، كما يصرح المسؤولون. غير أن تقليص العاملين في الأجهزة الأمنية، وخاصة الاستخبارات، في وقت تتحدث فيه تقارير استخباراتية عن تصاعد التهديدات، يثير تساؤلات عميقة حول التوازن بين تقليل النفقات والحفاظ على الأمن القومي. وبين رواتب الموظفين وخطط الهيكلة، يبدو أن إدارة ترامب تمضي نحو إعادة رسم دور الدولة وحدودها، بمزيج من التقشف والسيطرة.