الملل لا يعرف لها طريقاً، فعشاقها وروادها لا يملون من البحث عن حلقات التحطيب التي تحتضنها موالد أولياء الله الصالحين أو المناسبات السعيدة والأفراح الشعبية التي يحرص منظموها إقامتها لعدة أيام متواصلة ويحرصون على دعوة رموز التحطيب وفرق المزمار التى تعد من ضروريات حلقات التحطيب، وتعد محافظة قنا من أبرز المحافظات التى تشتهر بتنظيم حلقات التحطيب على مدار العام.
"التحطيب" كما صورتها جدران المعابد المصرية، لعبة فرعونية عتيقة، تحولت على مر العصور إلى عادة شعبية صعيدية، خاصة في محافظات الجنوب، يمارسها لاعبوها في الأفراح والمناسبات السعيدة، إضافة إلى موالد أولياء الله الصالحين، دون كلل أو ملل منها، بل أن محترفوها يبحثون عن أماكن تنظيمها في المحافظات المجاورة لإمتاع أنفسهم بحركاتها وفنونها المختلفة واستعراض مهاراتهم أمام منافسيهم من اللاعبين.
عمائم بيضاء
البعض يطلق على" التحطيب" لعبة وآخرين يسمونها عادة شعبية، لكن يتفق الجميع على أنها لعبة للرجال فقط، فأغلب من يحترفونها تزين رؤوسهم عمائم بيضاء، ولا يشذ عن قاعدتهم إلا قليل من الشباب المحترفين لضربات العصا، والقادرين على إتقان آدابها وسط أعمامهم الكبار، الذين توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، فضلاً عن بعض الصغار المواظبين على حضور حلقات التحطيب مع آبائهم.
متعة مجانية
تعد لعبة التحطيب أو العصا، من أكثر المظاهر جذباً للكبار والصغار، في الأماكن التي تقام بها، سواء موالد أو أفراح، للاستمتاع بضربات العصا وأداء اللاعبين داخل حلقات التحطيب، كونها مشاهدة مجانية ممتعة لا تستدعى قطع تذاكر أو تحمل أعباء مالية، فضلاً عن روادها الذين يأتون خصيصاً للمشاركة في اللعب، ومتابعة أصدقائهم من اللاعبين، الذين يقطعون مئات الكيلومترات بحثاً عن هذه اللعبة التي تعود جذورها للفراعنة، وفقاً لما جسدته جدران بعض المعابد.
حكر على الرجال
قال جمال محمد خليل، لاعب تحطيب، تكاد تكون لعبة التحطيب الوحيدة التي لم تدخلها السيدات، فهى لعبة تحتاج مهارات وخبرات خاصة لا يتقنها إلا الرجال، كما أنها تتم وسط حلقات يحيطها المشاهدين وأكثرهم رجال من كافة الجهات، وأحياناً يكون من بين المتفرجين سيدات، لكنها تظل الوحيدة التي لم تشارك بها السيدات حتى الآن، كما أن دخول حلقات التحطيب، لا يتم بشكل عشوائى، حتى لا يتسبب فى ضرر للاعب أو للآخرين، فضلاً عن تمتع لاعبوها بصفات وأخلاق حميدة وسعة صدر.
وأشار عمران حسن "لاعب تحطيب"، إلى أن لديه شغف كبير لمتابعة اللعبة ومشاهدة من يلعبونها فى المناسبات المختلفة، ومن كثرة تعلقه بها، بدأ يشارك فى حلقاتها ويسافر لأماكن بعيدة تنظم بها حلقات التحطيب، حتى تمكن من احترافها وهو بعمر ٢٠ عاماً، ومازال على ذلك حتى الآن لا يترك مناسبة إلا ويشارك فيها كلاعب أو مشاهد.
قواعد اللعبة
وأضاف حسن، بأن المشاركة فى حلقات التحطيب يكون وفق قواعد يجب تعلمها قبل مسك العصا ودخول حلقة تحقق له اللعبة المتعة المنشودة من وراء لعبها والمشاركة فيها، بدلاً من الخروج مصاباً جراء ضربة خاطئة، والتى تتخلص فى الحفاظ على النفس وإتقان مواجهة أى ضربات تواجه اللاعب من الخصم، فضلاً عن تعلم مواطن الضرب وأماكن توجيه الضربات، مع إجادة صد الضربات من الخصم.
فيما قال بحبح الحباظى، باحث فى التراث، تعد قنا من المحافظات التى مازالت تحافظ بقوة على هذه اللعبة العريقة، لذلك تناولت هذه اللعبة الفرعونية التى توارثها الأحفاد جيلاً بعد جيل فى أكثر من كتاب من أبرزها، التحطيب وأعلامه بقنا 1900 حتى 2019، سلسلة أعلام التحطيب في صعيد مصر فى محافظات" قنا، أسوان، سوهاج، الأقصر"، لما لها من أهمية كبيرة في الصعيد، ولكثرة روادها ومحبيها.
وأضاف الحباظى، لعبة التحطيب ليست مجرد حركات عشوائية يؤديها اللاعبين كما يعتقد البعض، لكنها حركات مدروسة لها قواعد وأصول، يجب أن يجيدها من يمسك العصا، قبل دخول حلقات التحطيب، كما أن لها آداب وأخلاقيات أهمها التحية بالعصا كبديل للمصافحة باليد، يجب أن يلتزم بها جميع اللاعبين، كما أن مخاطرها لابد أن يتحملها من يدخل حلقة اللعب، حتى وإن كانت فيها حياته، كما غيرها من الألعاب القتالية، وإن كانت هذه الأمور محدودة للغاية بل لا تكاد تذكر.