إذا أردنا أن نضع تعريفا للقيم ، فإنه يمكننا القول أن القيم هي كل ما هو غال ونفيس ، كل ما يكسب حياتنا حيوية وديناميكية واستمرارية ، كل ما هو جوهر دونما عرض ، كل ما هو باق وليس فإن ، كل ما هو محرك للإنسان لإخراجه من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل ، فى معاملاتنا مع الله تعالى ، معاملاتنا مع بني جلدتنا ، حتى معاملاتنا مع ذواتنا.
القيم هي محرك الوجدان والدوافع والعواطف والانفعالات.
فى اعتقادي وملتي أن القيم ليست نسبية لا يحدها زمان أو مكان بل هي باقية ما بقي الإنسان الذي ميزه الله بميزتين العقل والإرادة ، وبالضرورة المنطقية لابد وحتما أن يفعل منظومة القيم التى بداخله حتى يتواءم ويتوافق مع الآخر ، فالإنسان حيوان عاقل إجتماعي أخلاقي ينفر من حياة العزلة ويحب أن يعيش في جماعة ، لكن من الذي ينظم هذه الحياة سلسلة القيم.
لا ينبغي علينا بحال من الأحوال أن نساير من يقول بنسبية القيم وتغيرها بتغير الزمان والمكان واختلاف الأشخاص ، من يقول ذلك فهو مسفسط مجادل لماذا لأننا لا يمكن أن نعامل القيم بمادية فهي ليست شيئا ملموسا وإنما يمكن التعبير عنها.
وإذا ما استقرأنا تاريخ الفكر الإنساني بدءا من الحضارات الشرقية القديمة فإن الحضارة المصرية عبرت عن إطلاقية القيم في العواطف والمشاعر الصادقة والحب والانفعالات ، كذلك فى الحضارة الصينية ألم يتحدث كونفوشيوس عن قيم الحب والخير والجمال والتوسط.
أيضا نجد ذلك في الحضارة الفارسية الذين تحدثوا عن ثنائية الخير والشر ، والهنود أيضا تحدثوا عن إطلاق القيم في جانبين مهمين أفعل ولا تفعل.
كذلك الأمر بالنسبة لفلاسفة اليونان سقراط ، القليل الفضيلة علم والرذيلة جهل ، وطريقة تحقق السعادة، كذلك فضيلة العدالة ، هل العدل الذي هو اسم من أسماء الاله نسبي أم مطلق.
وأرسطو وأفلوطين والرواقية والابيقورية.
حتى الديانات جعلت القيم مطلقة وطريق لتحقيق السعادة.
نضرب على ذلك أمثلة الحق مطلق أم نسبي ، العفة ، الشجاعة هذه قيم ستظل آبد الاباد مهما تغيرت الأزمنة ومهما تغير الشخوص ومهما حدث ، حتى وإن غلبت النزعة البراجماتية والمادية حينا من الدهر ستعود القيم سيرتها الأولي ، أتدرون لماذا لأنها كالجواهر المصقولة تحتاج إعادة صقلها وستبقى وستلمع أحسن من حالتها الأولي.
نعم هناك أزمة قيم طاحنة ومن ينكر ذلك فهو مخادع يخدع نفسه ويحاول أن يخدع الآخرين من حوله ، لأنه يريد بذلك أن يزور الواقع المأزوم الذي نحياه.
من خلال قراءاتي المتعددة في الفكر الأخلاقي وكتاباتي المتعددة وعين المفكر الناقد الذي يحيا هذا الواقع.
نعم توجد أزمة قيم ،وهذه الأزمة ليست جديدة فكل عصر من العصور مر بهذه الأزمات القيمية منذ هابيل وقابيل مروروا بحضارات الشرق القديم إلى الحضارة اليونانية ثم فلاسفة العصور الوسطي إلى عصرنا ومن قبله العصر الحديث ، لماذا لأننا نتعامل مع الإنسان الذي يجمع بداخله متناقضات تجعله متقلبا تارة خير وتارة شرير وأخرى متحول من الخيرية إلى الشرية والعكس.
نعم قد تكون هذه الأزمة القيمية في علاقته مع خالقه مع إلهه ، فيوما تراه طائعا ويوما تراه عاصيا ، وكذلك نرى من هو مؤمن ومن هو فاسق ومن هو عاص ومن هو ملحد أليس ذلك تدن قيمي.
نعم ثم أزمة قيم في عصرنا ، نتجت من نزعة اللامبالاة والأنانية المفرطة وتغليب المصلحة الفردية الشخصية على المنفعة العامة ، سيطرة الاثرة واختفاء الايثار.
ولم يكذب توماس هوبز الذي قال أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان.
وتجلت هذه الأزمة في أبشع صورها ما نشاهده الآن في الحرب على غزة وما يفعل الكيان الصهيوني من ممارسات، ابادية جماعية والكل خانع لا أحد يستطيع أن يتفوه ببنت كلمة.
ليس هذا وحسب ، أنظر إلى علاقة الطالب باستاذه وعلاقة الأستاذ بتلميذه ، علاقة متدنية التلميذ لا يعير استاذه انتباها لماذا لأن المعلم مد يده وأخذ ثمن حصة ، والطالب يقف ويشرب السجائر ويهجر مع أستاذه ، أليس هذا مظهر خطير من مظاهر التدني القيمي.
وعلاقة الأبناء بآبائهم حدث ولا حرج إلا ما رحم ربي.
إذن نحن نمر بأزمة قيم حقيقية علاجها سهل وبسيط
العودة إلى إنسيتنا ، العودة إلى ديننا العودة إلى خلقنا الكريم.
نعم هناك عوامل كثيرة تسببت في هذه الأزمة
يمكن ذكرها فى ما يلي:
1-غياب الرقابة الأسرية بمعنى نظرا للظروف الاقتصادية وضيق ذات اليد وضيق الأرزاق انشغل رب الأسرة بتوفيره بالكاد القوت الضرورية الذين تتقوت به الأسرة ، فانحصر دوره في هذه المهمة التي باتت شاقة جدا ومرهقة جعلت رب الأسرة بالترشح الذي يدور في آلة، فماذا سننتظر منه ، هل سيكون لديه وقت ليتابع ويراقب أولاده ماذا يفعلون وماذا يشاهدون.
وكذلك الأم قد تكون منشغلة بأمور بيتها أو قد تكون عاملة فهل ستمتلك رفاهية الوقت حتى توجه وتراقب.
2-غياب الوعي الثقافي المجتمعي ، هل شاهدنا ندوات عقدت عن التدني القيمي والانحطاط الأخلاقي الذي أصاب أفراد المجتمع.
أين دور الإعلام الآلة الجبارة التي تدخل كل البيوت ، أين تثقيف الشباب عن مدى خطورة التدني الأخلاقي.
3-دور المؤسسات الدينية ، السؤال هل الدين تنظير فقط أم نطبق ما جاء فى الكتب المقدسة من الحث على القيم الخلقية التي هي عامل رئيس فى بناء الإنسان
وهنا نهيب بعلماء الدين ونقول لهم وظلوا منابركم إلى هذا الأمر فى خطب الجمعة فى قداس الكنائس
الدين إيمان يتبعه العمل
علموا سير الأنبياء وكيف كانت أخلاقهم
اشرحوا سيرة الصحابة والتابعين.
4-ثلة الأصدقاء ، كما يقول المثل الصاحب ساحب
اختاروا أصدقائكم بعناية فإذا رأيتم فيهم إعوجاج قوموهم وإن لم تجدوا فيهم خيراً فاعتزلوهم
فصاحبك إما أن يقودك إلى الخير والحق والجمال أو يوقعك في براثن الرذيلة ، وقتها لن يكون صاحبا وإنما سيكون رفيق سوء ونذير شؤم.
5-مواقع التواصل الإجتماعي والعولمة والتقدم التقني نعم لها دور مهم في أزمة القيم ، لكن وراء هذا المواقع نحن ونحن من بيده الموبايل أو وصلات النت وخلافه
وإن كنت أرى أن مواقع التواصل مثلما عليها من مآخد إلا إنها لها محاسن.
إذا أردنا أن نتحدث عن منظومة القيم فإن هناك
العديد من القيم المشتركة التي أجمع عليها الكون كله موجودة منذ بدء الخليقة وهي موجودة لكن تحتاج إلى من يمد لها يد العون ويخرجها من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل
قيمة الحب أليس ثم قاسم مشترك يجمع الكون كله حول هذه القيمة دعوة كل الأديان المحبة الله محبة.
ألم يقل ابن سينا ويحكم إخوان الحقيقة تحابوا
وقبل ابن سيناحكماء اليونان مدينة أفلاطون على ماذا أقامها على المحبة
قيمة السلام السلم العام أو السلام العالمي
ألسنا جميعا نسعى إليه، إذا صدقت حقا النوايا سيحدث المراد.
قيمة المواطنة دونما عنصرية ولا طائفية ولا شعوبية ولا حتى قومية ، المواطنة أن نحب أوطاننا ونبذل الغالي والنفيس في سبيل رفعتها حبا فيها لا لحاجة ولا لمأرب أو غرض.
قيمة العدالة ليتنا نطبق هذه القيمة على أنفسنا أولا أن نعدل بيننا وبين أنفسنا أن نعدل بيننا وبين الله ، بين الآخرين.
قيمة الإيثار ، قيمة العفة.
رأس القيم قيمة الوسط والاعتدال ، الوسط العدل المحمود بمعني ألا يميل الإنسان بالكلية لا إلى شهواته ولا إلى روحانياته وإنما يتوسط فلا يكن لينا متماهيا ولا جافا صلبا وإنما وسط معتدل
قس على ذلك كآفة الفضائل التي إذا ما بحثنا عنها بحثا دؤوبا ستعود القيم سيرتها الأولى، وستتحقق الإنسانية في أبهى صورها ومعانيها.