في الحياة الزوجية، لا يمكن أن نمشي على طريق واحد بلا أن نتعثر. قد تكون العثرة كلمة قاسية خرجت في لحظة غضب، أو إهمالًا غير مقصود، أو موقفًا صغيرًا لكنه ترك أثرًا أكبر مما تخيلنا. عند هذه اللحظات، يظل شيء واحد قادرًا على لملمة الشروخ قبل أن تتسع: الاعتذار.
لكن الاعتذار في ثقافتنا العاطفية لا يزال محاطًا بالكثير من سوء الفهم. فالبعض يراه تنازلًا أو إقرارًا بالهزيمة، وكأننا في معركة لا في حياة مشتركة. والحقيقة أن الاعتذار ليس إعلان ضعف، بل إعلان نضج؛ هو لحظة نضع فيها العلاقة فوق الأنا، ونقول للطرف الآخر: "أنت أهم من أن نخسر هذا الرابط بسبب كبريائي".
الاعتذار في جوهره ليس مجرد كلمة "آسف"، بل هو رسالة شعورية عميقة. إنه اعتراف بأن ما حدث تسبب في ألم، حتى لو لم يكن مقصودًا. إنه يقول للطرف الآخر: "مشاعرك مهمة بالنسبة لي، حتى عندما نختلف". ولهذا، حين يأتي الاعتذار صادقًا، فإنه يلمس أوتار القلب بطريقة لا تفعلها أي مجادلة أو تبرير.
من الناحية النفسية، الاعتذار يمنح الطرف المجروح إحساسًا بالاحتواء، كأنه يقول له: "أنا أرى ما شعرت به، وأقدّر ألمك". في تلك اللحظة، يشعر الشخص أن مشاعره لم تُهمّش، وأن الألم الذي أحس به لم يمر مرور الكرام. وهذا الشعور وحده كفيل بأن يذيب الكثير من الجليد العاطفي الذي قد تراكم بسبب الموقف.
لكن لماذا يواجه البعض صعوبة في الاعتذار، خاصة داخل الزواج؟
الرجل، في كثير من الحالات، يشعر أن الاعتذار قد يُفسر كضعف أو تقليل من قيمته أمام زوجته، وكأن الهيبة التي يريد الحفاظ عليها ستتصدع بمجرد أن يقول "آسف". وقد يربط ذلك بتجارب طفولية أو صور نمطية تربى عليها بأن القوي لا يعتذر.
أما المرأة، فقد تجد نفسها أحيانًا متمسكة بموقفها لأن جرحها العاطفي أكبر من أن تسمح لكبريائها بالانحناء. في داخلها قد تقول: "لماذا أعتذر وأنا من تألمت؟". وفي أحيان أخرى، قد ترى أن الاعتذار يعني إسقاط حقها في التعبير عن غضبها.
لكن الحقيقة أن الاعتذار لا يخص المخطئ وحده، بل يخص العلاقة بكاملها. فحين يعتذر أحد الطرفين، يفتح بابًا للآخر كي يتجاوب بدوره، ويصبح الجو النفسي أكثر نقاءً لاستكمال الحديث بهدوء. إنه أشبه بوضع ماء بارد على نار مشتعلة، يسمح لنا بأن نرى بوضوح ما كان يخفيه الدخان.
ومن أجمل ما في الاعتذار أنه فعل ثنائي الأثر: فهو يريح المعتذَر له، لكنه يحرر المعتذر أيضًا من ثقل الشعور بالذنب. كثير من الأزواج يصفون شعورهم بعد اعتذار صادق بأنه أشبه بإزاحة حجر ضخم عن القلب. حتى إن الموقف نفسه يصبح في الذاكرة أقل حدة، وكأننا أعدنا كتابته بلغة أكثر إنسانية.
لكن الاعتذار الصادق لا يعني أن نلقي الكلمة على عجل ونمضي، بل أن نضع أنفسنا للحظة مكان الطرف الآخر، أن نشعر بما شعر، ثم نعبر عن ذلك بصدق. أحيانًا قد تكون لمسة يد مع الاعتذار أبلغ من أي خطاب، وأحيانًا قد تكون نظرة عيون تقول: "أخطأت… وأريد إصلاح الأمر" كافية لإعادة الوصل.
ومن المهم أن ندرك أن الاعتذار ليس نهاية الحوار، بل بدايته. فبعد أن نهدأ، علينا أن نتحدث عن السبب الذي أوصلنا إلى هذه النقطة، حتى لا يتكرر. لكن الحديث هنا لا يكون بلغة الاتهام، بل بلغة التعاون: كيف يمكننا أن نتفادى هذا الموقف في المستقبل؟
في البيوت التي يُمارس فيها الاعتذار بصدق، يسود نوع من الأمان العاطفي يجعل الطرفين أقل خوفًا من الخلافات. يعرف كل منهما أن الآخر سيحترم مشاعره، وأن حتى الأخطاء يمكن إصلاحها. هذا الأمان هو ما يجعل العلاقة مرنة، قادرة على الانحناء أمام العواصف دون أن تنكسر.
الزواج رحلة طويلة، والرحلة بلا مطبات غير موجودة في الواقع. لكن ما يجعلها مستمرة ليس غياب الأخطاء، بل قدرتنا على إصلاحها. والاعتذار، حين يكون حقيقيًا، يصبح كالجسر الذي نعود به إلى بعضنا بعد أن أبعدتنا المسافة. في النهاية، نحن لا نعتذر لأننا ضعفاء، بل لأننا أقوياء بما يكفي لنضع الحب أولًا.