في تحول يعكس مسار مصر نحو توطين التكنولوجيا وتعزيز مكانتها على الخريطة الصناعية العالمية، أعلن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن بدء تصدير الهواتف المحمولة المصرية بكميات كبيرة اعتبارًا من العام المقبل. إعلان لقي صدى واسعًا في الأوساط الاقتصادية، حيث اعتبره خبراء خطوة استراتيجية تدعم الاقتصاد وتفتح آفاقًا جديدة أمام الصناعة الوطنية.
صناعة تنمو بسرعة قياسية
بحسب الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال بجامعة طنطا، فإن ما تحقق خلال العامين الماضيين يثبت أن مصر بدأت تسير في الطريق الصحيح نحو صناعة تكنولوجية راسخة. فوجود 14 مصنعًا لإنتاج الهواتف المحمولة، منها أربعة تابعة لكبرى الشركات العالمية العاملة في السوق المحلي، يعكس حجم التوسع والجدية في الاستثمار.
كما أشار معن إلى أن القفزة من إنتاج 3.5 مليون جهاز العام الماضي إلى 9 ملايين جهاز هذا العام تعكس سرعة النمو، وتؤكد أن السوق المحلي لم يعد مجرد مستهلك، بل تحول إلى قاعدة إنتاجية تمتلك مقومات المنافسة والتصدير.
فرص تصديرية تدعم العملة الصعبة
يرى الخبير الاقتصادي أن قرار بدء التصدير بكميات كبيرة يحمل بعدًا استراتيجيًا في دعم الاقتصاد الوطني. إذ سيسهم في زيادة حصيلة مصر من النقد الأجنبي، مما يخفف من الضغط على ميزان المدفوعات، ويعزز قدرة الدولة على تمويل احتياجاتها من الخارج.
كما أن فتح أسواق جديدة أمام الهواتف المصرية سواء في المنطقة العربية أو إفريقيا أو حتى أوروبا سيؤسس لعلامة "صُنع في مصر" في قطاع التكنولوجيا، مما يعزز الثقة بالمنتج المحلي ويضعه في دائرة المنافسة العالمية.
قيمة مضافة وتوطين للمعرفة
من أبرز المكاسب التي أشار إليها معن، هو التوجه نحو رفع نسبة المكوّن المحلي داخل الأجهزة. هذه الخطوة ستقود إلى توسيع سلاسل التوريد المحلية وتشغيل المزيد من المصانع المغذية، وهو ما يعني توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
كما أن توطين هذه الصناعة يعزز من نقل الخبرة والمعرفة إلى الكوادر المصرية، ما يرفع كفاءتها التكنولوجية ويجعلها قادرة على المنافسة في الصناعات الإلكترونية الأكثر تعقيدًا.
انعكاسات اقتصادية أوسع
يتوقع الخبراء أن ينعكس هذا التطور بشكل إيجابي على أكثر من مستوى. فمن جانب، سيساعد على تقليص فاتورة الاستيراد من الأجهزة الجاهزة، ومن جانب آخر سيحفز الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الإلكترونيات.
إلى جانب ذلك، ستتوسع فرص العمل للشباب داخل المصانع ومراكز البحث والتطوير، مما يدعم الدور الاجتماعي والاقتصادي للصناعة. والأهم أن مصر ستعزز مكانتها كمركز صناعي وتكنولوجي يخدم أسواق إفريقيا والشرق الأوسط.
يؤكد الدكتور رمضان معن أن بدء تصدير الهواتف المحمولة المصرية العام المقبل ليس مجرد إنجاز صناعي، بل هو خطوة مفصلية في رحلة التحول الاقتصادي والتكنولوجي الذي تسعى إليه مصر. وإذا استمرت وتيرة التطوير وزيادة المكوّن المحلي، فإن الهواتف المصرية مرشحة لأن تصبح خلال سنوات قليلة إحدى العلامات البارزة في الأسواق الإقليمية والدولية، لتضع مصر في موقع جديد على خريطة الابتكار والصناعة العالمية.