كشفت صحيفة التايمز البريطانية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كلف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بالتحرك من أجل بناء توافق إقليمي ودولي حول خطة شاملة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، تقوم على إنشاء هيئة انتقالية تتولى إدارة شؤون القطاع لفترة زمنية محددة، على أن يجري تسليمه لاحقا إلى السلطة الفلسطينية.
ووفقا للتقرير، فإن الهيئة الجديدة التي تحمل اسم "جيتا" (GETA) ستنشأ بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، وتُمنح صلاحيات كاملة باعتبارها السلطة السياسية والقانونية العليا في غزة خلال المرحلة الانتقالية، في خطوة يرى مراقبون أنها قد تغير شكل المعادلة في القطاع وتؤسس لمرحلة وصاية دولية مقنعة.
هيكل الهيئة وصلاحياتها
توضح مسودة الخطة أن الهيئة ستتشكل من مجلس إدارة يضم ما بين سبعة وعشرة أعضاء، بينهم ممثل فلسطيني واحد على الأقل، إلى جانب مسؤول رفيع
من الأمم المتحدة، وشخصيات دولية بارزة تتمتع بخبرات مالية وإدارية واسعة.
وحرصت الخطة على ضمان تمثيل بارز للدول الإسلامية ضمن المجلس، في محاولة لإضفاء شرعية سياسية إقليمية ومصداقية ثقافية على الهيئة، بما يمنع تصويرها كجسم غربي مفروض بالكامل على الفلسطينيين.
وسيُمنح المجلس صلاحيات واسعة تشمل:
1/ إصدار قرارات ملزمة في مختلف الملفات المتعلقة بإدارة القطاع.
2/ المصادقة على التشريعات والتعيينات الإدارية داخل غزة.
3/ تقديم التوجيه الاستراتيجي لجميع مؤسسات المرحلة الانتقالية.
4/ رفع تقارير دورية مفصلة إلى مجلس الأمن الدولي حول الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية.
وبالنسبة إلى رئيس المجلس، فسيتم تعيينه بالتوافق بين القوى الدولية ويحصل على موافقة مجلس الأمن، على أن يتولى قيادة الأنشطة الخارجية والمهام الدبلوماسية، ويعمل في الوقت ذاته بتنسيق مباشر مع السلطة الفلسطينية.
كما تضمن مقترح رئيس الوزراء الأسبق وحدة الحفاظ على حقوق الملكية ، والتي تهدف ألا يضر أي رحيل طوعي للغزيين بحقهم في العودة إلى القطاع أو الاحتفاظ بملكية العقار، أي لا يوجد في هذه الخطة نية لتهجير الغزيين.
ولكن يبدو أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش غير مدرك لهذه الخطوة تماما، حيث أنه أعلن مؤخرا أن قطاع غزة يمثل فرصة عقارية ضخمة وأنه كان يجري محادثات مع واشنطن حول كيفية تقسيم القطاع الساحلي بعد الحرب.
وحدات الدعم والتنفيذ
لا تقتصر الخطة على المجلس فقط، بل تتضمن أيضا تشكيل أمانة استراتيجية قوامها 25 شخصا، تتولى دعم عمل المجلس عبر إعداد الدراسات، وصياغة السياسات، ومتابعة التنفيذ الميداني على الأرض.
إلى جانب ذلك، تنص المسودة على إنشاء وحدة حماية تنفيذية تتكون من مانحين عرب ودوليين، تكون مهمتها الأساسية توفير الحماية السياسية والمالية للهيئة، وضمان تنفيذ قراراتها بعيدا عن الضغوط الداخلية أو تهديدات الجماعات المسلحة.
بحسب ما نقلته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن الهدف الأساسي من الخطة هو إنهاء الحرب عبر صيغة يتفق عليها أصحاب المصلحة الإقليميون والدوليون لإدارة غزة بطريقة تحول دون عودة حركة حماس إلى الحكم أو إعادة تسليحها.
كما أشار التقرير العبري، إلى أن الخطة تمثل محاولة لنقل زمام المبادرة من إسرائيل والولايات المتحدة وحدهما إلى إطار أوسع متعدد الأطراف يشارك فيه العرب والمسلمون والأمم المتحدة، بما يمنح الترتيبات الجديدة غطاء أوسع وشرعية أكبر في نظر المجتمع الدولي.
ووفقا لموقع أكسيوس ، فقد شارك رئيس الوزراء البريطانب الأسبق توني بلير وصهر دونالد ترامب ومستشارهالسابق، جاريد كوشنر ، في اجتماع بالبيت الأبيض الشهر الماضي في 27 أغسطس حول حرب غزة ، ووفقا للتقري فقد قدموا أفكارا لخطة ما بعد الحرب ، كما أن هناك خطط أخرى قدمها العقل المفكر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو رون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي ، وكذلك بعض الأفراد المشاركين في إنشاء صندوق غزة الإنساني ، وأعضاء مجموعة بوسطن الاستشارية .
دلالات عودة بلير
عودة توني بلير إلى الواجهة بدور محوري في صياغة مستقبل غزة ليست مجرد مصادفة؛ فبلير سبق أن لعب أدوارا بارزة في ملفات الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، وكان منها “اللجنة الرباعية الدولية”.
اليوم، يبدو أن بلير يعود في توقيت حساس، ولكن ليس كوسيط تقليدي فحسب، بل كـ مهندس لمرحلة انتقالية كاملة، في مهمة تحمل بصمة بريطانية واضحة برعاية أميركية مباشرة.
رغم أن الخطة تطرح كآلية براغماتية لإنهاء الحرب وإعادة الاستقرار، إلا أنها في عمقه قد تُقرأ كإعادة إنتاج لصيغة انتداب بريطاني جديد على فلسطين، لكن هذه المرة عبر واجهة أممية ودعم أميركي.
جدل سيادي وتاريخي
إن الهيئة المقترحة، برئاسة شخصية بريطانية وبدعم من مجلس الأمن، تعيد إلى الأذهان مشهد العشرينيات حين فُرض الانتداب البريطاني على فلسطين تحت غطاء دولي، واليوم، تعود بريطانيا عبر توني بلير لتلعب الدور نفسه ولكن بلغة "الإدارة الانتقالية" و"التسوية الدولية".
قد تبدو الخطة على الورق حلاً عمليا لإدارة ما بعد الحرب، لكنها تفتح الباب أمام جدل سيادي وتاريخي عميق، وتجعل مستقبل غزة مرهونا ليس فقط بالتوازنات الإقليمية، بل أيضا بمدى استعداد الفلسطينيين والعرب لتقبل صيغة قد تعيد إلى الأذهان كوابيس الماضي، وتثير السؤال الأهم، هل نحن أمام بداية مرحلة "انتداب بريطاني جديد" على غزة، في ثوب أممي حديث؟