هناك أمراض تسرق العمر في صمت، لكن "متلازمة ريت" لا تكتفي بخطف الجسد، بل تذبح الروح، وتترك قلب كل أم معلقًا على حافة الموت.
طفلة تولد طبيعية.. تضحك، تنطق أول كلمة، تخطو أول خطوة، ثم فجأة، يسقط كل شيء، الصمت يبتلع صوتها.. الجسد يتجمد، والضحكة تتحول دمعة.
تجلس على كرسي صغير.. حية، لكنها سجينة في قبصة المتلازمة التي لاترحم دموع قلوب الأمهات.
المصابات، عقلهن مستيقظ، ولكن يصرخ: "نحن هنا.. لا تتركوننا".
ريت.. مرض نادر، شرس، لا علاج له، يصيب البنات أكثر من الذكور.. واحدة من كل عشرة آلاف طفلة تتحول إلى أسيرة، الطبيب يعجز في التشخيص بسهولة، والعلم يتأخر.. بينما الزمن يلتهم أعمارهن ببطء لا يرحم.
دخلت بيوت الأمهات، لم تكن بيوتًا، بل مقابر صامتة للأحلام، وجوه شاحبة، عيون محترقة بالدمع، وأجساد أنهكها السهر.
(أم محمد)، حملت وجعي كله، طفلها في السابعة، أول حالة مُسجلة بين الذكور.. قالت وهي تختنق: "يعيش حتى لو عاجز.. بس مايموتش مني".. أي قلب يمكنه تحمل جملة كهذه؟ أن تتمنى أم عجز ابنها، فقط لتراه يتنفس أمامها ويعيش؟.
أسما أم فريدة جلست كالصخرة، حاولت أن تخفي انكسارها.. قالت:
"هنعيش وهنكمل".
لكن عينيها فضحتا طوفان الألم والحزن.
أم بيري، غرقت في دموعها.. ابنتها في الثالثة عشرة، محاصرة بالمرض والتنمر معًا.. قالت بصوت مهزوم:
"المرض مش كفاية.. كمان الناس بيذبحوها بكلامهم".
وعند أم زينة وأم كارن، وجدت الأمل مثل خيط عنكبوت، تحلمان أن تريا بناتهما يكبرن، يلبسن الأبيض، يزفهن العمر.. لكن (ريت) يمد يده القاسية، ويخطف الحلم قبل أن يولد.
متلازمة ريت ليس مرضًا.. بل جحيمًا.. ليس ابتلاءً فرديًا.. بل مأساة جماعية، طفلات بلا صوت، أمهات بلا حياة، مستقبل بلا أفق.
ومن قلب هذا الجحيم، أوجه صرخة: إلى الأب الرئيس الإنسان عبد الفتاح السيسي، وإلى وزير الصحة.. هؤلاء الأطفال ليسوا أرقامًا، إنهم ملائكة تتساقط أجنحتها كل يوم.. نرجو لهم وحدة رعاية شاملة: طب، علاج طبيعي، دعم نفسي، وتأهيل اجتماعي، المساعدة في العلاج الجيني الجديد الذي تتم تجربته الآن عالميًا.
(ريت)، معركة لا سلاح فيها إلا دموع الأمهات، وعرفتها من خلال الأستاذ سامر طارق، وبدأت العمل عليها، ولكنني علمت أن الأستاذ العزيز، الكاتب الصحفي عمر عبدالعلي، كان أول من فجر هذه القضية عبر جريدة الأخبار، واليوم، أكتب أنا هذا المقال لكي أشهد على المعاناة.. وأبكي عليهن.