الحمد لله الذي كتب النصر لعباده المؤمنين، وجعل العاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141].
هذه الآية الكريمة وعدٌ ربانيٌ قاطعٌ بأن الغلبة الحقيقية والتمكين النهائي للمؤمنين، وأن تسلط الكافرين عليهم لا يكون إلا تسلطًا مؤقتًا، امتحانًا وابتلاءً، ثم تنقشع الغمة ويعود الحق إلى نصابه. قال ابن كثير: "أي لا يترك الله الكافرين يظفرون بالمؤمنين ظفرًا يستأصلونهم به".
قد يظن البعض أن ما نراه اليوم من استعلاء قوى الكفر على المسلمين، خاصة في فلسطين، يناقض هذا الوعد. غير أن الحقيقة أن الله تعالى قد بيّن سنته في الابتلاء والتمحيص، فقال:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم...﴾ [البقرة: 214].
لكن الوعد قائم لا يتخلف: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6]، وقال سبحانه: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7]. فكل محنة يعقبها فرج، وكل شدة يتبعها رخاء، وما ذلك إلا وعدًا من الله الصادق الوعد.
إن قضية فلسطين أوضح مثال على معنى هذه الآية، فقد اجتمع عليها أعداء الإسلام من الصهاينة وحلفائهم، وتعرض أهلها لكل أنواع القهر والحصار، حتى خُيّل للناس أن الكافرين قد استعلوا استعلاءً لا يُقهر. غير أن المؤمن الحق يدرك أن هذا تسلط عابر، وأنه ما هو إلا طور من أطوار الصراع، ثم تكون العاقبة كما قال تعالى:
﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128].
الواجب العملي هذه الآية وما يشبهها ليست للتلاوة والتبرك فحسب، بل لتثبيت القلوب وحفز الهمم:يقينٌ بوعد الله: فلا ييأس المؤمن مهما طال ليل الاحتلال.
عملٌ ونصرة: بالمال والإعلام والسياسة والدعاء، ودعم صمود الشعب الفلسطيني.
صبرٌ وثبات: فاليقين بالنصر يستلزم الصبر على الابتلاء.
واخيرا :
إن قوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ ليس مجرد خبر قرآني، بل هو وعد رباني صادق، تتعاضد معه آيات أخرى تبشّر بالفرج: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾، ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. وبذلك فإن فلسطين – بما فيها من جراح وآلام – ستظل شاهدة على صدق الوعد الإلهي، وأن المستقبل المشرق سيكون لعباد الله الصالحين.