في أجواء إقليمية دقيقة، تستضيف مصر قمة شرم الشيخ للسلام لتؤكد مجددًا مكانتها كركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط، وفاعل رئيسي في كل مسعى يهدف إلى إنهاء النزاعات وترسيخ الأمن والتنمية، وذلك برئاسة مشتركة بين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سعيا لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي.
وأكد خبراء عرب - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن القاهرة تواصل أداء دورها التاريخي في بناء الجسور بين الأطراف المتنازعة، مستندة إلى خبرة دبلوماسية عميقة ورؤية واضحة بأن السلام الدائم لا يُفرض بالقوة، بل يُصنع بالإرادة والتفاهم.
وشددوا على أن القمة تأتي لتجسد التحرك المصري المتواصل من أجل ترسيخ السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، كما أنها تترجم رؤية مصر الثابتة بأن السلام ليس خيارًا تكتيكيًا، بل هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل آمن ومستقر يقوم على التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب.
وقال الدكتور محسن الشوبكي الخبير السياسي والاستراتيجي الأردني إنه في مشهد سياسي استثنائي، تستعد مدينة شرم الشيخ لاستضافة قمة دولية حاسمة غداً، تهدف إلى توقيع اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، وسط حضور رفيع المستوى من قادة العالم، ومشاركة فاعلة من مصر بصفتها الراعي الرئيسي للمبادرة، حيث تمثل هذه القمة نقطة تحول في مسار الصراع، وتعيد رسم ملامح الدور المصري في السلام الإقليمي.
وأضاف الشوبكي أنه منذ اندلاع الحرب الأخيرة في قطاع غزة، شهدت المنطقة تصعيداً غير مسبوق، دفع المجتمع الدولي إلى البحث عن مخرج سياسي وإنساني عاجل، وفي ظل هذا السياق، برزت مصر كلاعب محوري، ليس فقط بحكم الجغرافيا، بل بفضل خبرتها التاريخية في الوساطة، وقدرتها على خلق توازن بين الأطراف المتنازعة.
وأشار إلى أن القمة المرتقبة تأتي تتويجاً لجهود دبلوماسية مصرية مكثفة، قادتها القاهرة بحنكة، ونسقتها مع شركاء دوليين وإقليميين، أبرزهم الولايات المتحدة وقطر .
ونوه بأن الاتفاق المزمع توقيعه غداً لا يقتصر على وقف إطلاق النار، بل يتضمن بنوداً إنسانية واقتصادية وأمنية، تهدف إلى إعادة الحياة إلى غزة، وضمان استدامة الهدوء، ومن بين البنود الرئيسية فتح المعابر، إطلاق سراح الأسرى، ضمان تدفق المساعدات، والبدء في إعادة الإعمار تحت إشراف دولي، لافتا إلى أن هذه البنود تعكس تحولاً في الخطاب السياسي، من إدارة الأزمة إلى معالجة جذورها.
وأبرز أن دور مصر في هذه القمة يتجاوز الاستضافة، ليشكل إعادة تعريف لدورها الإقليمي كضامن للسلام، وصانع للفرص السياسية، حيث نجحت القاهرة في فرض منطق التهدئة على طاولة مشتعلة، وخلقت مساحة تفاوضية جمعت بين الواقعية السياسية والبعد الإنساني، منوها إلى أن هذا الدور يعكس رؤية مصر الجديدة، التي ترى في السلام ليس تنازلاً، بل استثماراً في الاستقرار والتنمية.
وتابع الشوبكي أن القمة أيضاً تحمل رسائل رمزية عميقة تتمثل في أن المنطقة قادرة على إنتاج حلول ذاتية، وأن الإرادة السياسية يمكن أن تنتصر على منطق السلاح، كما أن مشاركة قادة دوليين مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تؤكد أن العالم بات يدرك أن أمن غزة هو جزء من أمن العالم.
وخلص إلى أن قمة شرم الشيخ ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل لحظة اختبار حقيقي للنظام الدولي، ولقدرة مصر على قيادة مسار جديد نحو السلام.. كما أنها فرصة لإعادة تعريف الصراع، لا كحرب حدود، بل كقضية إنسانية تستحق العدالة، والمحاسبة والأمل.
وقال الباحث الفلسطيني في العلاقات الدولية نعمان توفيق العابد، إن وقف الحرب في قطاع غزة شكّل أولوية قصوى لدى الدبلوماسية المصرية التي تبنّت منذ البداية موقفًا ثابتًا وواضحًا من العدوان الإسرائيلي، مؤكداً أن القاهرة لعبت دورًا محوريًا في منع مخططات التهجير القسري، وفتح الطريق أمام مسار سياسي جديد يفضي إلى تسوية شاملة تضمن الحقوق الفلسطينية.
وأوضح العابد أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية لم يكن وليد العدوان الأخير، بل هو امتداد لثوابت راسخة في السياسة الخارجية المصرية التي تعتبر إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 أساسًا لأي تسوية عادلة ودائمة.
وأضاف أن التحرك المصري خلال الحرب ارتكز على محاور رئيسية أهمها وقف العدوان الإسرائيلي فورًا وحماية المدنيين، ومنع تنفيذ مخطط التهجير الذي روّجت له بعض الدوائر في حكومة الاحتلال، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر، خاصة معبر رفح الذي كان محورًا للجهود المصرية والدولية.
وأشار العابد إلى أن الجهود المصرية ساهمت في تغيير الموقف الأمريكي من موضوع التهجير، موضحًا أن الموقف الحازم للقاهرة والتواصل المباشر مع واشنطن كان له تأثير واضح على تصريحات الرئيس الأمريكي وإدارته، التي أبدت لاحقًا رفضها العلني لأي تهجير للفلسطينيين خارج القطاع.
وأكد أن مصر لم تكتفِ بالجهود الإنسانية، بل فتحت نقاشًا استراتيجيًا حول اليوم التالي للحرب، حيث أجرت مشاورات مع الفصائل الفلسطينية والقيادة الرسمية في رام الله، ومع أطراف دولية عدة، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لبلورة رؤية تضمن أن يكون مستقبل غزة فلسطينيًا بالكامل، بعيدًا عن أي وصاية أو ترتيبات خارجية.
وقال العابد إن قمة شرم الشيخ للسلام تأتي في سياق الجهود المصرية لتثبيت أسس الحل السياسي، مشيرًا إلى أن دعوة الرئيس الأمريكي لحضور توقيع اتفاق غزة المرتقب تعكس رؤية سياسية مصرية ذكية، لأنها تجعل واشنطن شاهدًا وضامنًا على أي تفاهمات، وتُحرج الحكومة الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي إذا حاولت التنصل منها .
وختم العابد تصريحه بالقول إن قمة شرم الشيخ يجب أن تكون قمة سلام حقيقية، تُعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من تطبيق قرارات الشرعية الدولية".
من جانبه، أكد الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أن قمة شرم الشيخ المقرر عقدها غدًا بمشاركة عدد من رؤساء الدول وقادة العالم، تعكس المكانة التي تتمتع بها جمهورية مصر العربية وقيادتها السياسية، والدور المحوري الذي تضطلع به القاهرة في دعم الجهود الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ووقف الحرب ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
وقال الحرازين، إن القمة تمثل رسالة واضحة على الثقة الدولية في الدور المصري، وعلى القبول الواسع الذي تحظى به القاهرة لدى مختلف الأطراف، بالنظر إلى سياستها المتوازنة ومساعيها المستمرة لترسيخ أسس السلام والاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أن مصر بذلت جهودًا كبيرة خلال الفترة الماضية بالتعاون مع الوسطاء من أجل التوصل إلى اتفاق يوقف الإبادة والحصار والمجاعة في قطاع غزة، ويتيح للفلسطينيين التقاط أنفاسهم بعد أشهر طويلة من العدوان، موضحًا أن التحرك المصري كان حاسمًا في جمع الأطراف كافة حول طاولة واحدة تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق شامل.
وأضاف أن مصر، برؤية قيادتها، سعت إلى أن يكون الاتفاق بمظلة دولية واسعة من خلال دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لعقد القمة بمشاركة عربية وإسلامية وأوروبية وأمريكية، لتكون هناك ضمانات حقيقية بعدم العودة للحرب، والتزام من جانب الاحتلال الإسرائيلي بوقف إطلاق النار وتنفيذ بنود الاتفاق في إطار عالمي واضح.
وشدد الحرازين على أن مصر التي أفشلت مخطط التهجير ووقفت أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية، هي اليوم التي تقود الجهود من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وحماية الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن هذا الدور المصري لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج سياسة ثابتة ورؤية واضحة للرئيس عبد الفتاح السيسي، تقوم على دعم الحقوق الفلسطينية وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة من خلال إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
من ناحيته، قال الدكتور سعيد أبو رحمة المحلل السياسي الفلسطيني إن قمة شرم الشيخ تنعقد غدًا وسط ترقب إقليمي ودولي كبير، باعتبارها اللحظة المفصلية المنتظرة لإعلان اتفاق وقف الحرب في غزة بعد عامين من الصراع الدموي الذي خلف كوارث إنسانية كبرى، لافتا إلى أن هذه القمة لا تمثل فقط نهاية محتملة لجولة العنف الأخيرة، بل تفتح الباب لمرحلة جديدة من التفاهمات السياسية قد تعيد رسم خريطة التوازن في الإقليم.
وأضاف أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن القمة ستشهد توقيع المرحلة الأولى من خطة دولية لوقف إطلاق النار، تتضمن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ودخول المساعدات الإنسانية، وتبادل الأسرى، ورغم وجود ضبابية في التصريحات الإسرائيلية حول آليات التنفيذ، فإن مجرد الوصول إلى هذه النقطة يعد إنجازًا كبيرا.
وتابع أن القمة تأتي بعد تحوّل في الخطاب الدولي من تبرير الحرب إلى المطالبة بإنهائها، وهذا ما يجعل قمة شرم الشيخ أكثر من مجرد منصة تفاوض، بل نقطة ارتكاز لبناء توافق دولي على معادلة جديدة أنه لا أمن دون عدالة، ولا استقرار دون إنهاء الحصار وإعادة الإعمار.
وذكر أن مصر أدارت دفة الوساطة باقتدار، ونجحت في الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة مع كل الأطراف، والوسطاء الدوليين، وكرّست القاهرة موقعها كفاعل محوري في إدارة الأزمات الإقليمية، دون أن تنزلق إلى استقطاب أو مزايدات.
وأبرز أبو رحمة أن قمة شرم الشيخ تحمل ثلاث رسائل رئيسية وهي أن الحلول العسكرية استُنزفت ولم تحقق أهدافها، وأن العودة إلى السياسة هي الخيار الواقعي الوحيد، وأن مصر قادرة على جمع الأطراف المتناقضة تحت سقف تفاوضي جاد، يعيد للمنطقة منطق الدولة على حساب منطق السلاح، وأن المجتمع الدولي بقيادة مصرية وأمريكية مستعد لتقديم ضمانات للسلام، إذا أبدت الأطراف التزامًا حقيقيًا.
واعتبر أن قمة شرم الشيخ ليست نهاية الحرب فقط، بل قد تكون بداية هندسة سلام جديد، ترعاه مصر من موقعها التاريخي كحامية للمنطقة من الانفجار.