تحولت مدينة شرم الشيخ، مساء الإثنين، إلى بوصلة للسلام ومركز اهتمام عالمي بعد توقيع اتفاقية "شرم الشيخ للسلام" لإنهاء الحرب في غزة، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب قادة من دول كبرى في المنطقة والعالم.
القمة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت مشهدًا متكاملًا من الدبلوماسية الهادئة، والرمزية التاريخية، والإشادات المتتالية التي عكست تقديرًا عالميًا للدور المصري المحوري في استعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
ترامب يشيد بالمقاتلات المصرية.. “رائعون للغاية”
في لفتة إنسانية لاقت تفاعلًا واسعًا، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن امتنانه للرئيس عبد الفتاح السيسي على حفاوة الاستقبال واحترافية التأمين، مشيرًا إلى المرافقة الجوية التي قامت بها المقاتلات المصرية لطائرته الرئاسية لحظة دخولها الأجواء المصرية.
وقال ترامب مازحًا خلال كلمته في القمة: “نظرت من نافذة الطائرة ورأيت ست مقاتلات، ثلاثًا على كل جانب، وقلت في نفسي آمل أن تكون صديقة!”، مضيفًا بابتسامة: “لقد كانوا رائعين للغاية.”
وأردف ترامب قائلًا: “أشكر الرئيس السيسي على هذا التنظيم الرائع وعلى استضافة كل هؤلاء الزعماء في مدينة السلام.”
البيت الأبيض يشكر مصر.. “تأمين استثنائي ومشهد مهيب”
قبل هبوط الطائرة الرئاسية في مطار شرم الشيخ، نشر عدد من المسؤولين الأمريكيين مقاطع مصورة على منصة “X” توثق لحظة مرافقة المقاتلات المصرية لطائرة الرئيس ترامب.
مدير الاتصالات في البيت الأبيض، ستيفن تشيونج، وصف المشهد بأنه “تأمين استثنائي”، بينما كتبت مارجو مارتن، المستشارة الخاصة لترامب، تعليقًا مقتضبًا: “شكرًا مصر”.
أما إيفانكا ترامب، فقد شاركت هي الأخرى الفيديو ذاته مع تعليق يعكس إعجابها بالمشهد واحترافيته، مؤكدة أن لحظة المرافقة كانت “رمزًا للأمان والثقة”.
اتفاقية شرم الشيخ للسلام.. خطوة تاريخية لإنهاء حرب غزة
شهدت القمة توقيع اتفاقية “شرم الشيخ للسلام”، التي تعد نقطة تحول في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث وقعها الرئيس السيسي والرئيس الأمريكي ترامب، إلى جانب قادة قطر وتركيا، في مشهد وصفه المراقبون بأنه “لحظة فارقة” بعد عامين من الدمار والمعاناة في غزة.
وخلال مراسم التوقيع، قال ترامب: “يشرفني أن أكون جزءًا من هذا الحدث التاريخي. نحن نوقع وثيقة شاملة تحدد قواعد جديدة للتعامل بين إسرائيل وحماس، وقد بدأ تنفيذ بعض بنودها بالفعل، بما في ذلك إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.”
وأشاد ترامب بجهود قطر وتركيا في دعم مسار السلام، لكنه خص مصر بشكر خاص قائلًا: “أشكر الرئيس السيسي الذي يقود دولة تمتد حضارتها 6 آلاف سنة.. إنه قائد عظيم ورائع.”
قمة شرم الشيخ منعطفًا تاريخيًا في مسار الصراع
قال الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن قمة شرم الشيخ للسلام تمثل منعطفًا تاريخيًا في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنها تؤكد عودة مصر بقوة إلى قلب المشهد الإقليمي والدولي كقوة فاعلة قادرة على جمع الأطراف المتناقضة على طاولة واحدة.
زخم دولي يعكس إدراكًا عالميًا بأهمية الدور المصري
وأوضح كمال أن الزخم الدولي الكبير المصاحب للقمة، بمشاركة أكثر من 31 دولة، يعكس إدراكًا عالميًا متزايدًا بأن استمرار الحرب في غزة لم يعد مقبولًا، وأنه لا يمكن تجاوز الدور المصري في أي مسار يتعلق بالسلام في الشرق الأوسط. وأضاف أن القاهرة نجحت خلال العامين الماضيين في الحفاظ على ثبات موقفها السياسي والإنساني، مستندة إلى مبادئها الواضحة: وقف إطلاق النار، ومنع التهجير، وإدخال المساعدات، وبدء إعادة الإعمار.
نجاح الدبلوماسية المصرية في فرض رؤيتها
وأشار كمال إلى أن ما تشهده شرم الشيخ اليوم هو تتويج لجهود دبلوماسية مصرية متواصلة، استطاعت أن تفرض رؤيتها على المجتمع الدولي بعد فترة طويلة من المراوغات السياسية. وقال: "القمة تمثل انتصارًا للدبلوماسية الهادئة التي انتهجتها مصر، وتؤكد أن الواقعية السياسية قادرة على تحقيق ما عجزت عنه الشعارات."
خطاب ترامب بين الدعم لإسرائيل ومحاولة تحقيق إنجاز سياسي
وحول الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب داخل الكنيست الإسرائيلي، يرى كمال أنه لم يخرج عن النهج التقليدي في دعم إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته يعكس رغبة أمريكية في البحث عن إنجاز سياسي يُسجَّل للإدارة الحالية. وأضاف أن مصر ستكون العامل الحاسم في تحويل هذا الزخم السياسي إلى خطوات عملية نحو السلام، إذا ما توافرت الإرادة الدولية.
رمزية الدور المصري بين الماضي والحاضر
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن القمة تمثل عودة رمزية لدور مصر التاريخي في صناعة السلام، على غرار ما قامت به في حقبة الرئيس أنور السادات، مع فارق أن القيادة الحالية تتحرك ضمن واقع أكثر تعقيدًا وتوازنًا دقيقًا بين القوى الدولية والإقليمية.
شرم الشيخ.. منصة جديدة للسلام والاستقرار
واختتم كمال تصريحه قائلًا: "شرم الشيخ اليوم ليست مجرد مدينة تستضيف قمة، بل منصة جديدة لإعادة تعريف دور مصر في الشرق الأوسط، ودليل على أن القاهرة لا تزال تمتلك مفتاح الاستقرار والسلام في المنطقة."
الإشادات الأمريكية والدولية، والنجاح في جمع أطراف متنازعة على طاولة واحدة، والقدرة على فرض الرؤية المصرية، كلها مؤشرات على أن القاهرة استعادت مكانتها كقلب نابض للسلام والاستقرار في المنطقة وأن قمة شرم الشيخ ستظل علامة فارقة في التاريخ الحديث للشرق الأوسط.