قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

منى أحمد تكتب: أنوار ولي النعم

منى أحمد
منى أحمد

عبر أكثر من 8 قرون، يحتفل المصريون بمولد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه مرتين في العام، المرة الأولى في ذكرى ميلاده الشريف، والثانية في ذكرى وصول رأسه من عسقلان إلى مصر، حيث اعتبرها المصريون ميلادًا جديدًا بقدومه إلى مصر التي أصبحت مقصدًا للمولعين والمتيمين بمحبة آل البيت النبوي.


والاحتفال بالإمام الحسين المجرد من المذهبية هو امتداد لحالة عشق لسيدنا رسول الله ومحبة آل بيته، حيث يفد زوار سبط النبي وأحباؤه من جميع أنحاء المحروسة للتبرك بمولد سيد شباب الجنة ,الذي يحمل مكانة خاصة في وجدان أهل مصر. 


ورغم أن الاحتفال بالإمام يحمل عند الشيعة طقوسًا حزينة، إلا أنه يحمل للمصريين السكينة والفرح بالذكر والابتهالات ومقارئ القرآن ومجالس الحديث، لذلك اقترن ضريح الحسين وكل من تعلق به بالراحة والطمأنينة والبركة، يعانقون بأرواحهم السماء، مادحين الإمام في وصلة حب لا تنتهي، غير مكترثين بآراء المتشددين.  


وظاهرة دينية تحمل الطابع الفلكلوري بالمشاركات المليونية وقد أسقطت الحاجز بين الإبداع والتلقي، فموالد الأولياء والصالحين حولها الضمير الشعبي والعقل الجمعي للمصريين من مجرد احتفالية دينية إلى صيغة طقسية دنيوية ودينية، تندمج فيها ذات الفرد مع ذات الجماعة لتخلق إحساسًا بالترابط والتآلف.

 
ومهرجان احتفالي جسد عبقرية خاصة وموروثا شعبيا شديد الخصوصية لدى المصريين دون غيرهم من الشعوب، وأطلق عليها في الثقافة الشعبية المصرية اسم الموالد، والتي لا تقتصر على ديانة واحدة، فتذوب فيها كل الأديان، فالمسيحي يحرص على زيارة أولياء الله المسلمين تبركًا، والمسلم يزور القديسين حبًا وكرامة، وأشهر تلك الموالد موالد ستنا العذراء والسيدة زينب والسيدة نفسية والإمام الحسين والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي و مارجرجس ومارمينا. 


وعلى امتداد ربوع مصر تناثرت آلاف الأضرحة والمقامات على جغرافيا الواقع المصري، فلا توجد قرية مصرية إلا وبها مقام أو أكثر لأولياء الله والصالحين، ولا تخلو محافظة أو مدينة مصرية من مولد يجدد لغة الوصل بين البشر وموروثهم الروحي والديني.

 
مصر تأصلت بها الموالد الشعبية قبل الدولة الفاطمية بقرون، وتحديدًا منذ عهد ملوك فراعنة الدولة المصرية القديمة، وكانت الاحتفالات الدينية تقترن بتقديم النذور والقرابين تمجيدًا وتضرعًا للآلهة صاحبة الخوارق والمعجزات، وهي تشبه إلى حد كبير الكرامات التي يتحدث عنها المحتفلون حاليًا، ويتم ذلك في جو احتفالي مبهج يقدم فيها الطعام والشراب.


ومشاهد غنائية سجلتها جدران المعابد الفرعونية، مرورًا بقديسي عصر الشهداء المسيحيين الأوائل بمصر الرومانية، وصولًا إلى تقليد موالد الأولياء الصالحين في مصر الإسلامية التي لا يزال المريدون يرتحلون خلف تجلياته في طول البلاد وعرضها، علهم يحظون بجانب من بركاته. 


وجذور ضاربة في عمق التربة الثقافية المصرية، وأصبحت تمثل جزءًا من الثقافة الشعبية، فالولي أو القديس يُنظر إليه باعتباره حلقة وصل بين الحياة والموت، فهو حي في الفكر الجمعي رغم رحيله، يجسد عالمًا ماديًا وروحيًا لشخص تحول إلى رمز ديني يطلقون عليه صاحب كرامات يستمدون منها الأمل في الغلبة على العجز والمرض وكافة أشكال الصعاب.

 وتشهد الموالد سقوط كل الحواجز الاجتماعية بين طبقات المجتمع المصري على اختلافها، فالأغنياء والفقراء على مائدة طعام واحدة على حد سواء يصطفون في حلقات ذكر متصلة لا فارق فيها بين هذا وذاك، فالجميع يذوبون عشقًا في حب الله يرددون دعوات متبركين بصاحب الكرامات.


ومظاهر ارتبطت في الأذهان بعادات ذات طقوس خاصة، ومع الوقت ذابت في نسيج المجتمع المصري، ووحدت بين عنصري الأمة مسلمين ومسيحيين، فجمعت بين الأولياء والقديسين، ورويدًا رويدًا تسللت إلى الموروث الشعبي في ثقافة الأمة وأصبحت جزءًا من الهوية المصرية. 


وسواء كان المولد مسيحيًا أو إسلاميًا فهناك طقوس شبه ثابتة في الاحتفالات، تتمثل في زيارة الضريح وعقد حلقات الذكر والإنشاد، أوالترانيم والسير في مواكب كبيرة تحمل أعلامًا وبيارق، علاوة على تقديم النذور التي لا تقتصر على النقود، فقد تكون أطعمة أو ذبائح توزع على الفقراء وجمهور الحاضرين، أو مفروشات وسجاجيد لصاحب المقام، أو تكون في شكل شموع تقدم لتضاء، كما ارتبطت الموالد بعقود الزواج والطهور والتعميد تبركًا بالمناسبة. 


ومظاهر ترفيهية شعبية، فتقام سرادقات كبيرة وينتشر بائعو الحلوى ولعب الأطفال والأطعمة الشعبية والحلي والسبح والملابس، كما تنتشر الألعاب النارية والمراجيح وعروض العرائس في مزيج يجمع الطقس الديني بالترفيهي تغلفه سعادة وبهجة شكلت المزاج الشعبي الديني الذي يربط بين الروحانيات من جهة والاحتفالات من جهة أخرى، وحتى يومنا هذا لا يزال المصريون يتمسكون بموروثاتهم رغم شيطنة البعض لتلك الطقوس فهم شعب محب للحياة.