قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

بقلم أحمد فؤاد هنو: حيث يلتقي ملوك الماضي على عتبات المستقبل

أحمد فؤاد هنو
أحمد فؤاد هنو

تترقب الأنظار وتنبض القلوب انتظارًا لحدث استثنائي هو الأضخم من نوعه في القرن الحادي والعشرين: افتتاح المتحف المصري الكبير، صرح يحمل بين جدرانه حكاية وطن تُروى بالأثر، وجسر يمتد بين عظمة الماضي وإشراقات المستقبل ، إنه بوابة جديدة تعيد صياغة خريطة الثقافة العالمية، حيث يقف ملوك وملكات التاريخ في لقاء مهيب على عتبات الحاضر، ليخاطبوا العالم من جديد بلغتهم الأبدية: لغة الحضارة .
لقد كان بناء هذا المتحف مجهودًا عملاقًا بكل المقاييس، شارك فيه آلاف الأيدي والعقول، وعملت على مدار سنوات طوال، لتقدم للعالم تحفة معمارية وفنية بكل معنى الكلمة . 
من بين جدرانه الشاهقة، يمكننا أن نتخيل مراكب خوفو تبحر من جديد نحو النور، محملة بعبق التاريخ وأسرار الحضارة. هنا، يقف رمسيس شامخًا بجوار إخناتون بتحولاته الفكرية، وتحتمس بقوته العسكرية، وحتشبسوت بحكمتها المتفردة، في لقاء مهيب يكسر حواجز الزمن.
فمنذ قرن من الزمان تقريباً ، تحديدًا في عام 1922، شهد وادي الملوك في الأقصر حدثًا زلزل العالم وأعاد صياغة فهمنا للتاريخ المصري القديم كان ذلك اليوم الذي كشف فيه عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر عن اكتشافه المذهل: مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون ،لقد كانت لحظة فارقة نافذة سحرية تطل على عالم كامل من الكنوز التي لم تمسها يد لصوص المقابر لآلاف السنين .
تخيلوا معي تلك اللحظة التي فتح فيها كارتر الفتحة الصغيرة ورأى “أشياء رائعة”. لم يكن يعلم حينها أنه يقف على أعتاب اكتشاف سيغير مسار علم المصريات. تابوته الذهبي المتلألئ، قناع الذهب الخالص الذي أصبح أيقونة لمصر القديمة، مئات الآلاف من القطع الأثرية المصنوعة ببراعة تفوق الوصف، من الأثاث إلى المجوهرات، ومن الأسلحة إلى عربات الحرب. كل قطعة كانت تحكي قصة، وتكشف عن تفاصيل الحياة في البلاط الملكي المصري القديم.
والآن، وبعد قرن من الاكتشاف، يعيد المتحف المصري الكبير صياغة التاريخ من جديد. وللمرة الأولى على الإطلاق، سيتم جمع أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية من كنوز الفرعون الذهبي توت عنخ آمون في قاعة عرض واحدة. هذا التجمع المهيب سيمنح الزوار فرصة فريدة لمشاهدة المقتنيات الكاملة لهذه المقبرة الأسطورية، وتروي الحكاية بأكملها من البداية وحتى النهاية، في سياقها التاريخي الكامل. إنها تجربة غامرة ستنقل الزوار مباشرة إلى قلب الحضارة المصرية القديمة، وتتيح لهم الاقتراب من حياة هذا الملك الشاب الذي حكم مصر في فترة مضطربة.
إن هذا الصرح العظيم ليس مجرد بناء حجري، بل هو تتويج لرؤية وطنية شاملة قادتها الدولة المصرية، ولعبت فيها وزارة الثقافة، جنبًا إلى جنب مع وزارة السياحة والآثار، دورًا محوريًا في الترويج لهذا الحدث العالمي وتحويله إلى مصدر إلهام لكل مصري. فمنذ اللحظات الأولى، انطلقت حملات ترويجية مدروسة لإعداد العالم والمصريين لاستقبال هذه الأيقونة الحضارية، عبر فعاليات تمهيدية وأفلام وثائقية كشفت أسرار البناء والنقل والترميم.
ولكن الدور الأهم يمتد إلى ما بعد الافتتاح؛ حيث تتبنى الوزارة خطة طموحة لجعل المتحف مركز إشعاع ثقافي لا ينقطع، بهدف أساسي هو ربط كل مصري بهذا الإرث العظيم. ستتحول قاعات المتحف وساحاته إلى مساحات حيوية تستضيف الندوات والمؤتمرات والأنشطة الفنية، وبرامج تعليمية وتثقيفية مصممة خصيصًا للشباب والنشء لتعميق وعيهم بتاريخهم. الهدف هو أن يشعر كل مواطن بالزهو والفخر وهو يتجول في هذا المكان الذي لا يوجد له مثيل في العالم، وأن يرى بعينيه عظمة أجداده، ليتأكد أن كل حجر هنا ينطق بمعنى العظمة لشعب عظيم لا يعرف المستحيل.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مستودع للآثار، بل هو أيقونة ثقافية عالمية تليق بعظمة الحضارة المصرية. تصميمه الهندسي الفريد، ومساحات العرض الواسعة، والتقنيات التفاعلية الحديثة، كلها تهدف إلى تقديم تجربة للزائر لا تُنسى. إنه شهادة حية على قدرة مصر على العطاء وتأثيرها الحضاري، ورسالة للعالم بأن مصر تتحرك بثقة، وتعتز بتاريخها، وتتطلع إلى مستقبل مشرق.
إن افتتاح هذا الصرح العظيم هو لحظة فخر لكل مصري، وحدث ينتظره العالم بأسره. هنا، في قلب القاهرة، ستتجدد سيرة ملوك وملكات مصر، وستشرق كنوز الماضي لتضيء دروب المستقبل، مؤكدة أن مصر، بتاريخها العريق وقدرتها على التجديد، ستبقى دائمًا منارة للحضارة والإبداع.