في وقت تتسارع فيه التحولات المتعلقة بملف غزة، جاء تأييد مجلس الأمن الدولي لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المكونة من عشرين نقطة ليضع الأزمة على أعتاب مرحلة جديدة تتداخل فيها الفرص مع المخاطر.
القرار، الذي حظي بإجماع غير معتاد داخل المجلس، أثار نقاشًا واسعًا حول تداعياته القانونية والسياسية، خاصة بعد تحويل الخطة من مجرد مبادرة أمريكية إلى قرار دولي ملزم بموجب الفصل السابع.
وفي هذا السياق، يقدم الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، رؤية معمقة تشرح أبعاد هذا التحول وما يفرضه من استحقاقات على الأطراف كافة.
محمد مهران: تأييد مجلس الأمن لخطة ترامب نقطة تحول محفوفة بالمخاطر والفرص
أوضح الدكتور محمد محمود مهران أن تأييد مجلس الأمن الدولي لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من عشرين نقطة لإدارة الأزمة في غزة يمثل نقطة تحول جوهرية في المسار، لكنه محفوف بالمخاطر والفرص في آن واحد.
وبين أستاذ القانون الدولي في تصريحات صحفية لـ"صدى البلد" أن تأييد مجلس الأمن الكامل للخطة يعني تحولها من مجرد مقترح أمريكي إلى قرار دولي ملزم بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مؤكدًا أن هذا الإلزام القانوني يجعل جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل والسلطة الفلسطينية والفصائل، ملزمة بتنفيذ بنود الخطة وإلا تعرضت للمساءلة الدولية والعقوبات المحتملة.
ولفت الدكتور مهران إلى أن الإجماع الدولي في مجلس الأمن حول هذه الخطة يعكس إدراكًا عالميًا بخطورة الأوضاع في غزة وضرورة إيجاد حل عاجل، موضحًا أن مجلس الأمن نادرًا ما يتوصل إلى إجماع حول القضايا الخلافية، خاصة الملف الفلسطيني، مما يعطي الخطة زخماً سياسيًا ودبلوماسيًا كبيرًا.
الفرص الإيجابية للخطة
وأشار مهران إلى أن الخطة قد توفر إطارًا عمليًا لإنهاء المعاناة الإنسانية الكارثية في غزة، مبينًا أن النقاط المتعلقة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وإطلاق الأسرى والمحتجزين، كلها خطوات إيجابية عاجلة إذا تم تنفيذها بحسن نية.
وأضاف أن الخطة قد تمنع تجدد الأعمال العدائية من خلال نشر القوة الدولية وإنشاء آليات مراقبة ومنع التصعيد، مؤكدًا أن وجود قوة دولية تنفيذية بولاية واضحة من مجلس الأمن قد يكون رادعًا فعالًا لجميع الأطراف.
كما قد تفتح الخطة الباب لعودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة بعد سنوات من الانقسام، مشددًا على أن إنهاء الانقسام الفلسطيني ضرورة استراتيجية لأي حل مستدام، وأن التنفيذ الصحيح للخطة قد يسهم في تحقيق هذا الهدف.
وأكد “مهران” أن الخطة قد توفر تمويلاً دوليًا ضخمًا لإعادة إعمار غزة المدمرة، لافتًا إلى أن حجم الدمار الهائل يتطلب عشرات المليارات من الدولارات، وأن الإطار الدولي الملزم قد يسهل حشد هذا التمويل من المانحين الدوليين.
المخاطر المحتملة
وحذّر أستاذ القانون الدولي من انعكاسات سلبية خطيرة محتملة، تتمثل في خطر تحول الإدارة الانتقالية إلى وصاية دولية دائمة تسلب الفلسطينيين سيادتهم، مشددًا على أن غياب جدول زمني واضح لانتهاء الإدارة الدولية وعودة السيادة الكاملة للفلسطينيين يثير قلقًا جديًا.
كما أشار إلى خطر تعميق فصل غزة عن الضفة الغربية والقدس، موضحًا أن إدارة منفصلة لغزة، حتى لو كانت مؤقتة، تقوض وحدة الأراضي الفلسطينية وتخدم المخطط الإسرائيلي لتفكيك القضية الفلسطينية، فضلاً عن خطر استغلال إسرائيل للخطة لتحقيق مكاسب أمنية دون تقديم تنازلات سياسية حقيقية. وأضاف أن بند نزع سلاح الفصائل قد يُنفذ بالكامل، بينما بنود الانسحاب الإسرائيلي ورفع الحصار قد تتعثر أو تُؤجل.
كما أشار إلى غياب الأفق السياسي الواضح نحو حل الدولتين، مؤكدًا أن الخطة تركز على الجوانب الأمنية والإنسانية دون ربطها بمسار سياسي واضح نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مع احتمال ضعف المشاركة الفلسطينية الحقيقية في صنع القرار، مشددًا على أن اللجنة التكنوقراطية المقترحة قد لا تعكس تمثيلًا حقيقيًا للإرادة الشعبية الفلسطينية وقد تكون مجرد واجهة للإدارة الدولية.
الدور المصري وأهمية المتابعة
وحول الدور المصري، أكد الدكتور مهران أهميته المحورية في نجاح أو فشل الخطة، موضحًا أن مصر ستستخدم كل نفوذها لضمان حماية الحقوق الفلسطينية ومنع تحول الخطة إلى أداة لتصفية القضية، لافتًا إلى أن المشاركة المصرية الفاعلة في القوة الدولية ومجلس السلام ضرورة لموازنة التأثير الأمريكي والإسرائيلي.
وفيما يتعلق بالتنفيذ العملي، أكد الخبير الدولي أن الشهور القادمة ستكون حاسمة، مشيرًا إلى أن الاختبار الحقيقي للخطة يكمن في التطبيق الفعلي على الأرض، وأن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، داعيًا إلى مراقبة دقيقة من الدول العربية والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لضمان عدم انحراف التنفيذ عن الأهداف المعلنة.
واختتم الدكتور مهران بالتأكيد على أن الشعب الفلسطيني هو المعيار النهائي لنجاح أو فشل الخطة، محذرًا من أن أي ترتيبات لا تحترم حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة والعودة والدولة المستقلة محكوم عليها بالفشل، مهما كان الدعم الدولي، مشددًا على أن فرض حلول من الخارج دون مراعاة الإرادة الفلسطينية سيؤدي لمزيد من عدم الاستقرار والصراع.