في علم النفس، يقال إن السقوط يبدأ بالصمت. هو صمت داخلي يكتشف من خلاله المرء، أن عالمه إنهار. وهنا يقف الدماغ البشري، أمام خيارين فقط. إما المواجهة، مواجهة هذا الواقع المرعب. أو الانسحاب "الهرب". يعكس سقوط منظومة الحكم في أي دولة، في علم السياسة، لحظة الإنهيار الكامل. إنهيار السيطرة والشرعية. فقد يشرع الصراعات الداخلية، ويفتح شهية الدول الخارجية، وسط تصدع أمني واقتصادي. والأخطر التصدع الاجتماعي. وإن كان ما سبق علما نظريا. فإن ما يحدث في سوريا اليوم، ربما من أحدث الأمثلة الواقعية. ولكن متي بدأ كل هذا؟ وكيف؟ هي معركة التحرير الكبري. كما وصفتها القوات المسلحة. معركة بدات من محافظة حلب الغربية، ثم اتسعت لشمل المدن السورية الأخري، حتي وصلت بعد أحد عشر يوما فقط، إلي العاصمة دمشق.
لا شك في أن تاريخا جديدا، يكتب لـ سوريا ولكل المنطقة. ولكن قبل أن نسأل من سيكتب هذا التاريخ؟ وكيف؟ كثيرون يتسألون، كيف فعلتها "هيئة تحرير الشام"؟ وكيف تحول زعيمها محمد الجولاني، إلي رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع؟ وهل اللعبة داخلية؟ أم من يديرها لاعبون كبار يقبعون في عواصم القرار؟. ربما ليس سرا، عندما نتحدث عن ثلاثة لاعبيين كبار علي الساحة السورية. أمريكا وتركيا وإسرائيل. كما ليس سرا أيضا، عندما نتحدث عن دعم أمريكي، ورغبة متجذرة متجددة علي مر السنوات، في رسم المشهدية السورية علي الأرض. ما حدث في سوريا، التي تعاني من عدم الاستقرارا منذ أكثر من عقد. مفاجيء نعم. لكنه نتيجةل للتطورات السابقة. والتي يمكن فهما من خلال تحليل المشهد السياسي وشخصياته. حيث أن السياسة لا يوجد فيها ما هو وليد اللحظة. فأي مستجدات، يمكن كشفها بالقراءة الجيدة، ومتابعة التفاعلات مهما تبدلت. لم تكتفي إسرائيل، بقصف قلب دمشق، بالطائرات الحربية. بل توغلت عميقا في الجغرافيا السورية. ودفعت المدنيين إلي الهجرة قسرا. كما دمرت ما للدولة السورية، من قواعد وعتاد عسكري، لتحتل وتتمركز بنقاط ثابتة ومتنقلة، وتعبث ببعض مكونات المجتمع السوري. مجتمع نزيفه لم يتوقف. والحديث هنا عن مجازر مؤلمة. وسط ركود سياسي داخلي. برغم زخم الرحلات الدبلوماسية الخارجية. ركودا يراه مراقبون، قاتلا للهوية السورية التعددية. وقاتلا للديمقراطية. والركود عادة لا يمكن كسره، إلا بالعمل. قالتها أول معارضة مدنية للسلطة الانتقالية في سوريا. إنها الكتلة الوطنية السورية، ذات الأهداف الثلاثة. وحدة سوريا حرة ومستقلة، قيام حكومة شعبية، وتشكيل جيش وطني لحماية البلاد وتحرير الرض المحتلة. فهل تنجح الكتلة الناشئة، التي تضم شخصيات تمرست الجلوس علي مقاعد المعارضة، في خلق ديناميكة سياسية، وسط حقل من الألغام القاتلة؟.