قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مبادرة إدريس لإنقاذ السودان.. هل تنجح الدبلوماسية المدنية أمام المدافع؟

مبادرة "إدريس" لإنقاذ السودان: هل تنجح الدبلوماسية المدنية أمام المدافع؟!
مبادرة "إدريس" لإنقاذ السودان: هل تنجح الدبلوماسية المدنية أمام المدافع؟!

تتجه أنظار السودانيين والمجتمع الدولي صوب أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، حيث تخوض الدبلوماسية السودانية معركة "الرمق الأخير" لانتزاع قرار دولي يوقف نزيف الدماء المستمر منذ أكثر من عامين. 

وفي ظل انسداد الأفق العسكري وتفاقم المأساة الإنسانية التي حوّلت مدن السودان إلى ساحات حرب منسية، يأتي التحرك الأحدث لرئيس الوزراء كامل إدريس ليرسم معالم "خارطة طريق" جديدة لا تسعى فقط لإسكات المدافع، بل تهدف إلى إعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس العدالة والسيادة، في محاولة جريئة لانتشال البلاد من حافة التفتت الكلي.

تحرك استراتيجي في توقيت حرج

في خطوة وُصفت بأنها "المحاولة الأكثر واقعية" لاستعادة الاستقرار، استغل رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، منبر مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين لتقديم مبادرة سلام شاملة. 

تأتي هذه المبادرة في وقت دخل فيه النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامه الثالث تقريباً، مخلفاً وراءه أرقاماً كارثية من النازحين والقتلى، وانهياراً شبه كامل في البنية التحتية.

 ما يميز هذا التحرك هو صدوره عن "الحكومة المدنية" التي تحاول إثبات قدرتها على إدارة الأزمة السياسية بمعزل عن لغة الرصاص، مستندة إلى شرعية الدعم الدولي والمطالب الشعبية بالسلام.

 مراحل الانتقال إلى "سودان جديد"

قدم إدريس خطة عمل تدريجية (Phased Process) تهدف إلى تفكيك أزمات الحرب عبر أربعة محاور رئيسية:

1. المحور الأمني (وقف إطلاق النار وإخلاء المدن): تبدأ الخطة بهدنة شاملة تحت مراقبة دولية صارمة. ويلي ذلك الخطوة الأكثر تعقيداً وهي انسحاب مقاتلي قوات الدعم السريع من المناطق السكنية والمرافق الحيوية في الخرطوم ومدن دارفور، ونقلهم إلى معسكرات تجميع محددة خارج النطاق الحضري، تحت إشراف ثلاثي من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية.

2. المحور العسكري (نزع السلاح والدمج): تطرح المبادرة رؤية لنزع سلاح قوات الدعم السريع بشكل كامل، مع فتح باب "الدمج الفردي" للعناصر التي لم تتورط في جرائم حرب ضمن صفوف القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية، لضمان وجود جيش وطني واحد بعقيدة مهنية.

3. المحور القانوني (العدالة والمحاسبة): شدد إدريس على مفهوم "العدالة غير الانتقائية"، حيث تتضمن الخطة ملاحقة المتورطين في انتهاكات جسيمة، ومراجعة كافة القضايا القانونية التي أفرزتها الحرب، معتبراً أن الاستقرار لا يمكن أن يبنى على "عفو عام" يهضم حقوق الضحايا.

4. المحور الإنساني (العودة والإعمار): تهدف الخطة إلى فتح ممرات إنسانية دائمة دون قيود عسكرية، وتسهيل عودة النازحين إلى منازلهم الأصلية فور إخلاء المدن من المظاهر المسلحة.

التحديات الجيوسياسية: بين الرفض العسكري والوساطة الدولية

تواجه مبادرة إدريس حقول ألغام سياسية؛ فالجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان كان قد أبدى تحفظات شديدة على المقترحات السابقة، خاصة المدعومة من الولايات المتحدة (مقترح الرباعية)، واصفاً إياها بأنها تنتقص من سيادة الدولة. 

ومع ذلك، تحاول حكومة إدريس المناورة عبر الانفتاح على قوى دولية أخرى، حيث برز العرض الروسي على لسان سيرغي لافروف الذي أبدى استعداد موسكو لتسهيل الحوار، وهو ما قد يوفر توازناً يمنع "فيتو" القوى الكبرى داخل مجلس الأمن.

 فرصة أخيرة أمام المجتمع الدولي

إن مبادرة كامل إدريس هي بمثابة إعلان بأن "الحل المدني" ما زال متاحاً، وأن تكلفة استمرار الحرب باتت تفوق أي مكاسب سياسية قد يحققها أي طرف. 

نجاح هذه الخطة يعتمد بشكل جوهري على قدرة مجلس الأمن على ممارسة ضغوط حقيقية، لا تكتفي ببيانات القلق، بل تنتقل إلى فرض عقوبات على معرقلي السلام وتوفير الموارد المالية لمراقبة وقف إطلاق النار.

 إن السودان اليوم يقف على مفرق طرق؛ فإما تبني هذه الخارطة والعبور نحو الاستقرار، أو الاستمرار في استنزاف ما تبقى من قدرات الدولة نحو المجهول.