حمدي جابر يكتب: طُوبَى لِموتَكِ مريمُ

قَدْ عَلَّمُوْنَا بالتَّدَرُّجِ هَكَذا
"إنَّ الجنانَ حَدَائِقٌ
إنَّ الجَحِيْمَ خَنَادِقٌ
"أطِعِ المُطِيْلَ لذَّقْنِهِ"
"عَرَفَ الجِنَانَ وَأخْتَهَا"
"إنْ خِفْتَ رَبَّكَ فائِزٌ"
"إنْ خُنْتَ أهْلَكَ خاسِرٌ"
"إنْ متَّ فِيْ وَطَنِ اللِّحَى
قّدْ نِلْتَهَا.... قَدْ نِلْتَهَا "
وَجَمِيْعُنَا
قَدْ كَانَ قَلبَاً كالحَلِيْبِ الأبْيَضِ
يَغْزُوْهُ سَهْمُ الإبْتِسَامِ فَيَرْتَضِيْ
قَدْ عَلَّمُونَا أنْ نُقَادَ وَلا نَقُوْدْ
مَنْ سَارَ مِنَّا ذَاهِبَاً
مِنْ دُوْنِ مُرْشِد لا يَعُوْدْ
"أقِمِ الصَّلاةَ بخَلْفِهِ"
"أَدِّ الزكَاةَ بِعِلْمِهِ"
"رُدَّ العُدَاةِ لِنَصْرِه"
"انْصُرْ أخَاكَ إذِ البُطُوْلَةُ تَقْتَضِيْ"
قَدْ عَلَّمُونا يا ابنَتِيْ مَا عَلَّمُونَا
فَعَنِ الطَّهَارَةِ قُدْسِهَا "مَرْيَمْ"
وَعَنِ التِّجَارَةَ تَرْكِهَا "أسْلَمْ"
وَعَنِ الحَيَاةِ بِقَوْلِهِمْ
"مَنْ بَاعَهَا، فَلَبَيْعُهَا مَغْنَمْ "
قَدْ خَادَعُوْنَا يا ابْنَتِيْ
قَدْ خَادَعُوْنَا
فَطَهَارَةُ العَذْرَاءِ ذَاقَتْ عُهْرَنَا
وَمَتَاجِرُ القُرْآنِ خَطَّتْ شَرْعَنَا
والجُحْدُ أوْهَنَ عَظْمَنَا
حَتَّى انبَرَىْ
فالكُلُّ مَاتَ كَمَا قُتِلْتِ
الطُّهْرُ مَاتَ إذا قُتْلْتِ
والزُّهْدُ مَاتَ كَمَا قُتِلْتِ
والسَّيْفُ في الانْجِيْلِ يَفْسُقُ نَصْلُهُ
والفُجْرُ يُحْمَدُ للوَرَىْ
طُوبَى لِموتَكِ مريمُ....
طُوبَى لِموتَكِ مريمُ
فالدِّيْنُ أصْبَحَ عَارَنَا
والجَهْلُ أجَّجَ نارَنَا
وأخو العمَاَءِ مُؤَلَّهٌ
وأخو العُيُونِ أخُو الثَّرىْ
وغَدَاً نَجيْئُكِ كُلُّنا
بِدَمِ المَسِيْح ِ ُمَمزَّقاً
بَيْنَ القُرَىْ
تَتَرُ الكِلابِ مُبَعْثِرٌ
لِدَمِ القُرَىْ
خِيَمُ العَزَاءِ تَعَاظَمَتْ
بَيْنَ القُرَىْ
والكُلُّ يَسْأَلُ مَرْيَمٌ
الكُلُّ يَسْأَلُ مَرْيَم ٌ
"كَيْفَ الصَّلاةُ نُقِيْمُهَا"
والكُلُّ حَّولَ وَجْهَهُ
"كَيْفَ اليَسُوْعُ يَقُوْدُنا"
وَيَدَا يَهُوْذَا حَوْلَهُ
الكُلُّ يَجْهَلُ مَرْيَمٌ
والدِّيْنُ يَلْعَنُ أهْلَهُ
لا ضَاقَ قَبْرُكِ يا ابْنَتِيْ
لا ضَاقَ قَبْرُكِ مريمٌ
لا عِنْدَ مَوتِكِ وَحْدَةٌ
تَحْتَ التُّرابِ قُلُوْبُنَا
تَحْتَ التُّرَابِ عُقُوْلُنَا
تَحْتَ التُرَابُ أصُوْلُنا
وَمُحَمَّدٌ ذَاكَ التَّقِيْ
هَلْ بَعْدَ رَبِّكِ مَقْصِدٌ؟!
هَلْ بَعْدَ حِصْنِكِ مَقْصِدٌ؟!
هَلْ بَعْدَ أنْ نِلْتِ السَّلامَةَ كُلَّهَا
أرْضَ النَّوازِلِ تَنْتَقِيْ؟!
طُوْبَىْ لِمَوْتِكِ مَرْيَمُ
طُوبَى لِموتَكِ مَرْيَمُ
مَا عَادَ حَقٌ نَبْتَغِيْهِ وَنَرْتَضِيْ
مَا عَادَ إِنْسٌ عَنْ ضَلالِهِ يَهْتَدِيْ
قَانُوْنُ غَابٍ حَكَّمُوْهُ بِأرْضِنَا
"اقتُل أخَاكَ إذِا العَشِيْرَةُ تَقْتَضِيْ"
لا دَمْعَ يُسْكَبُ مَريَمٌ
لا صوت َيُسْمَعُ مَرْيَمٌ
لا شَمْسَ تَسْتَبِقُ الطُلُوْعْ
بابُ الكنيسَةِ لاعِنَاً
يَتْلُو الرثاءَ على الجُمُوْعْ
كُلُّ المآذِنِ صَوْتُهَا
مَا عَادَ يَحْتَمِلُ الدُّمُوْعْ
لَوْ كُنْتُ أسْألُ مَرْيَمٌ
ما كُنْتُ أسألُكِ الرُّجُوْعْ
آيُ الكِتابِ حَبِيْبَتِيْ
قَدْ هَيَّأوهَا للبُيُوْعِ
صِرْنَا نَبِيْتُ عَلَىْ الوَجَعْ
حَتَّىْ نَقُوْمُ عَلَى الوَجَعْ
مَا عَادَ مِنَّا وَاحِدٌ
لَمْ يَنْعِ مِثْلَكِ فِيْ الجُمُوْعْ
قَتَلُوْكِ مَرْيَمُ وَسْطَنَا
أخَذُوا عَزَاءَكِ بَيْنَنَا
وَبَكَوا لِمَوْتِكِ قَبْلَنَا
كالذِّئْبِ فِيْ ثَوْبِ الخُشُوْعْ
لَوْ رُحْتُ أسْألُ مَرْيَمٌ
ما كُنْتُ أسألُكِ الرُّجُوْعْ....
خَدَعُوا الجَمِيْعَ فَسُوِّدُوا
فَطِنَ الجَمِيْعُ فَطُوْرِدوا
طَرَحُوا العُقُوْلَ
وغَيَّبُوا البَصَرَ
إبْلِيْسُ أذَّنَ للصَّلاةِ فَأَقْبَلُوا
حَمَلُوا القُلُوْبَ
وَأَحْسَنُوا السَّفَرَ
قَدِمَ الحَجِيْج ُتَرَجَّلُوا
طَعِمُوا الغُثَاءَ
وَقَبَّلُوا القَذَرَ
لَسْتِ الوَحِيْدَةَ مَريَمٌ
فَالكُفْرُ يَحْصِدُ -طِفْلَتِيْ –
الزُمَرَ
خَلِّيْ جِوَارَكِ فَارِغَاً
لِبِلادِنَا
فالكُفْرُ مِنْها قَدْ قَضى
الوَطَرَ
وَتَبَسَّمِيْ لا تَحْزَنِيْ
فالمَوْتُ فِيْ زَمَنِ الوَضَاعَةِ أكرَمُ
وَجْهِيْ لِوَجْهِكِ بَاسِمٌ
حَمْدِيْ لِرَبِّكِ دَائِمٌ
واللهُ باقٍ مَرْيَمُ
هُمْ يَحْسَبُوْنَكِ فَوْزَهُمْ
قَدْ كَانَ رَبُّكِ فَوْقَهُمْ
وَحَسِيْبُهُمْ ما أجرَمُوا
وَلَكِ الشَّهَادَةُ مَرْيَمُ
تَكْفِيْ الشَّهَادَةُ مَرْيَمُ