عاش الشارع السكندري والمصري كله خلال الأيام الماضية حالة من الحزن والفاجعة بعد رحيل ابنها المهندس الكيماوي عبدالله أحمد محمد الحمصاني، غدراً على يد زميله وصديقه الذي أطلق الرصاص عليه وسط الشارع.
وفي حديث خاص لموقع “صدى البلد” الإخباري، تحدثت والدة الشاب الضحية لتروي كيف استقبلت نبأ وفاة نجلها، قائلة بنبرة صوت حزينة ومكلومة: «وصلني الخبر بطريقة لم أستطع استيعابها. كنت في حالة ذهول. قالوا إنه قُتل بالرصاص. لم أستطع الذهاب إلى المشرحة، ولا النظر إلى وجهه.. لم أتمالك نفسي».
علاقة الأم والابن بالمتهم
وتحدثت الأم عن علاقتهم بالمتهم، قائلة: «كان يأتي إلى منزلنا أحيانًا. وكنت أسمع عنه كلامًا غير مطمئن. كان ذا طابع ثقيل في حديثه وتصرفاته. بصراحة لم أحبه، ولم يكن أحد يحبه تقريبًا، وكان ذلك منذ أيام الجامعة».
وتضيف أن ابنها نفسه كان يحذر إخوته منه، مؤكدًا أنه شخص يفتعل المشكلات وأن التعامل معه قد يجلب المتاعب.
وتروي الأم تفاصيل إزعاج المتهم لابنها، فتقول: «كان المتهم شخصًا غريبًا بطبعه، وكان عبدالله يحذرنا منه. كان يأتي إليه في أوقات غير مناسبة، حتى أنه جاء مرة في الثالثة فجراً يريد الجلوس معه، وهذا أمر غير طبيعي. آخر مرة اضطر عبدالله إلى تحرير محضر ضده بسبب مضايقاته».
وهذا هو السر الغامض الذي أشعل الحقد في نفس القاتل، ورغم محاولات ابنها الابتعاد عنه، ظل المتهم يعود إليه مرارًا حتى نفد صبر المجني عليه.
سبب الخلاف الرئيسي
وعند سؤالها عن سبب الخلاف الرئيسي، قالت الأم: «ما فعله الجاني من تشهير بزوجة عبدالله كان سببًا كبيرًا للخلاف، لكنه ليس السبب الوحيد. كان شخصًا غير سوي، مليئًا بالحقد بطريقة غير طبيعية».
وتضيف أن الجاني حاول استغلال صديق آخر للعائلة، وأدعى أنه يريد مساعدته بالسفر للسعودية، لكن ابنها رفض، مؤكدًا أنه "ليس من أهل المشاكل".
وتعود الأم بذاكرتها إلى يوم مؤلم سابق للجريمة، حين تلقت اتصالًا من المتهم، وتروي قائلة: «اتصل بي يسأل عن عبدالله ويقول إنه يريد أن يبارك له على أولاده. قلت له: الله يبارك فيك. ثم أخبرته بأنها لا تعرف مكان عبدالله، وأنني حاولت الاتصال به منذ ساعة أو ساعتين لكنه لم يرد. لم أشعر بالارتياح من هذا الاتصال».
وكان ذلك الاتصال مجرد بداية للقلق، خاصة مع ما عرفته لاحقًا عن نوايا الجاني.
وتقول الأم: «عبدالله كان محبوبًا، وقد حُسد. كان الناس يقولون عنه: طفل جميل، شاب جميل. كنت أتصدق دائمًا وأدعو الله أن يحفظه ويحفظ أولادي».
وتروي أن إخوته عندما رأوه في المشرحة وجدوا وجهه مبتسمًا دون أي علامات تشوه.
كواليس آخر لقاء جمعها بعبدالله
وحول علاقتها بابنها قالت: «كان فيه كل شيء جميل بصراحة. لا أعرف ماذا أقول عنه، فقد كان يحبني ويحسن إليّ، وكان مؤدبًا معي ومع إخوته جميعًا. لم أرى منه شيئًا سيئًا طوال حياته. كان هادئًا بطبيعته، بل كان أهدأ أبنائي جميعًا».
وأضافت: «كان الهدوء جزءًا أصيلًا من شخصيته، وهي الصفة التي جعلته محبوبًا من الجميع»، كما تؤكد والدته التي تصف علاقتها به بأنها علاقة روح بروح.
وتصف الأم آخر يوم جمعها بابنها، وهو اللقاء الذي لم تكن تعلم أنه الأخير:
«جاءني عبدالله يوم الأربعاء. سألني إن كان لدي طعام، فقلت له إن عامله ملوخية وأرزًا وفراخ. ثم تناول الطعام عندي، وقال إنه سيبات في المنزل تلك الليلة. ثم غير رأيه وقال إنه سيخرج ليجلب خبزًا إلى منزله. قلت له: خلي زوجتك تحضره. فقال لي: لا، مش هينفع».
وتتابع بصوت تغلبه الدموع: «قبل أن يخرج، قبل يدي وقال: سأذهب بكِ إلى العمرة إن شاء الله. كانت هذه هي كلماته الأخيرة».
وتتذكر الأم حب الناس لابنها قائلة: «كان لديه شعبية كبيرة بين أصدقائه. كان هناك شاب اسمه أدهم جاء يبحث عنه يوم الخميس لأنه كان يحبه كثيرًا. سبحان الله، كان عبدالله محبوبًا بين الجميع بطريقة تختلف عن إخوته رغم أنهم أيضًا محبوبون».
شخصية جميلة وهادئة ومحبة للغير
وتروي الأم نموذجًا آخر من طيبة ابنها: «أخوه كان يريد السفر ويحتاج المال. عبدالله أخذ سلفة من عمله قدرها 30 ألف جنيه ليساعده. لقد كان طيبًا للغاية».
وتصف ابنها محمد بأنه طيب، بينما كان عبدالله أكثر طيبة وحساسية وشفافية.
وتقول الأم بحب: «أرى عبدالله في أولاده تميم وسليم، وهم جزء مني ومن دمي، وأشعر أنه يعيش فيهم “واعز من الولد ولد الولد”».
وتضيف أنه قبل رحيله كان قد شارك في قرعة الهجرة لأمريكا، وكان يحدثها عن أحلامه، لكنها الآن أحلام معلّقة.