الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أورهان خلف يكتب: الكرد في عين التاريخ

صدى البلد

مجرد الانتماء إلى طائفة أو مذهب ما، لا يجعل الإنسان المنتمي لتلك الطائفة أو المذهب "طائفيا"، كما لا يجعله أحادي النظرة إلى الوقائع والتاريخ ليعمل بها على تحسين أوضاع طائفته ومذهبه المنتمي إليهما أو المنطقة التي يعيش فيها دون إلحاق الضرر بالآخرين أو التعدي بها على حقوقهم.

وإنما الطائفي هو الذي ينظر لحقائق الأمور بنرجسية أحادية النظرة غير قابلة للنقاش أو التفاوض، كما أنه يرفض وبأي شكل من الأشكال الطوائف الأخرى وتاريخها وحضارتها ويهضم حقوق المعنيين بها، لا وبل يتعدى على حقوق الآخرين ويسلب منهم حرياتهم وحقوقهم دون وجه حق إذا ما أتيحت له الفرصة وهيئت له الظروف المناسبة ليسلب حقوق من هم من غير طائفته.

وأظن إذا أحدثنا المقارنات، سنجد أن الشعب الكردي هو الشعب الوحيد الذي لم يعزف على الوتر الطائفي ولم يتناول الأفق الضيقة في سبيل قوميته الكردية، وليس كما يتهمهم العرب بالطائفية، هذا أولا.

ثانيا: تدوولت ولا تزال الكثير من الاتهامات في الآونة الأخيرة بخصوص اتخاذ الكرد طريق الإلحاد سبيلا لهم والتبرؤ من الدين الإسلامي وتطبيق تشريعات دينية لا تمت للإسلام بالصلة، وطبعا هذا أيضا اتهام باطل وافتراء حاول العرب المسلمون في سوريا والعراق إلصاقه بالشعب الكردي في سبيل شرعنة جرائمهم ضد الكرد وارتكاب المجازر والإبادات الجماعية بحقهم، كما حصل في حلبجة وشنغال وقامشلو وغيرها من المدن الكردية، ناهيك عن النفي في السجون والحرمان من الهوية السورية والعراقية.

ولأزيدكم من الشعر بيتا، الشعب الكردي هو الوحيد الذي رفع راية الإسلام بقيادة صلاح الدين الأيوبي، أكبر فاتح إسلامي في التاريخ، ولم يجيروا الدين الإسلامي في مصلحة قوميتهم وبناء دولتهم كما فعل الإخوة العرب، ناهيك عن أسباب أخرى يراها العرب مناسبة لهم في شأن عدم تقبلهم لحقوق الشعب الكردي المشروعة.

بالمختصر هذا ما عاناه ويعانيه الشعب الكردي على يد الدول المحتلة لوطنهم الأم "كردستان" من تركيا وإيران والعراق وسوريا.

أما بالنسبة لموضوع الذي ينسب دوما للكرد والذي يتعلق بأن الكرد لا أرض لهم في سوريا وهم كانوا مهاجرين من جنوب شرقي الأناضول أثناء الحرب العثمانية ضد الثورات الكردية، حيث هرب العديد منهم إلى الشمال السوري واتخذوا من تلك الأراضي مأوى لهم، أي بمعنى أنهم لجأوا إليها في السنوات القريبة الماضية ضاربين بذلك عرض الحائط تاريخ وجود الكرد وحضارتهم هناك، ناهيك عن اتهامهم بالانفصاليين الذي يحاولون اقتطاع الجزء الشمالي لسوريا وضمها لكردستان التي لا وجود لها تاريخيا، على حد زعمهم.

ولكي لا أدخل في أفق ضيقة من شأنها أن تحول الموضوع المطروح إلى شأن ذات طابع طائفي وأوجه أصابع الاتهام إلى نفسي، سأعود بكم بالتاريخ إلى الوراء وأسرد بعض الحقائق التاريخية التي تم إخفاؤها بفعل فاعل كي يتم حرمان أقدم شعوب المنطقة، ألا وهو الشعب الكردي من حقوقه في التعايش على أرضه وضمن جغرافيته، حيث أيضا جوبهت تلك الحقائق بالنفي والاستنكار من قبل الدول المحتلة لأرض كردستان.
 
وسيكون طرح تلك الحقائق متعلقا على وجه الخصوص بغربي كردستان (Rojava)، والمعروفة حاليا بشمال سوريا :
1- الكرد الهوريون: في جنوب مدينة عفرين الحالية والذين كانوا هم السكان الأصليون للمنطقة في فترة 2900 ق. م، والذين أقاموا وقتها إمارة آلالاخ (Alalax).

- في (Girê Moza) جبل الموز والذي يقع شرق مدينة أوركيش المعروفة بـ"عامودا" في يومنا هذا، والتي كانت آنذاك عاصمة وان في فترة 2500 ق. م.

ونفس الأمر بالنسبة لـ"Nûwaryanî" نوارياني وهمروك (Hemrok) المعروفة بتل براك حاليا.

2- الميتانيين: الذين أسسوا مع الهوريين إمبراطورية الهورميتاني عاصمة "Waşûkanî" سري كانييه، والمعروفة في يومنا هذا باسم "رأس العين"، حيث بنوا امبراطوريتهم على ضفاف نهر الخابور فترة 1550 ق. م.

حيث يقال إنه في تلك الفترة نشبت حروب كبيرة بينهم وبين الفرعونيين الذين حاولوا لسبعة عشر محاولة في القضاء عليهم، ولكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل.

بعدها جمعت بين الهورميتانيين والفراعنة صلة قربى بعد أن تزوج الملك الفرعوني "أمنحتب" من الملكة الكردية "نفرتيتي"، حيث قبل ذلك أيضا كانت "Metmesiya" زوجة لـ"تحتمس".

3- الكوتيون أجداد الكرد الذي قطنوا عفرين ونشروا الإيزيدية هناك خلال تلك الحقبة.

4- بعد الهوريين والميتانيين والكوتيين جاء أحفادهم الميديون إلى المنطقة، حيث إن تلك المنطقة كانت تعرف بـ"Suro" سور، حيث تم نسبها للميديين ليصبح اسم المنطقة سورمد (Surmed) نسبة للميديين، وكان ذلك بين فترة 728-549 ق. م.

- في 423 م وقعت تحت سيطرة الكرد الساسانيين حتى عام 637 م.

- أثناء حلول الإسلام كانت آنذاك (Cizîr) جزير خاضعة لسيطرة الكرد الميرانيين (Mereanî).
 
- في 1700 م دجلة والفرات كانتا تحت سيطرة الكرد المليين (Milî) وحتى عام 1915 م.

ناهيكم عن الحقبات التاريخية التي تتالى فيها تواجد الكرد في تلك المنطقة، حيث غالبية تلك الحقائق مخفية من التاريخ لأسباب قمت بذكرها في السياق السابق.

وبهكذا يمكننا القول إن الكرد وأجدادهم الهوريين والميتانيين والكوتيين كانوا أصحاب الأرض في تلك الحقبة الزمنية الغابرة، والتي ورثوها لأحفادهم الذين بقوا قاطنين في أراضيهم إلى أن دخل مفهوم الدولة إلى عصرنا الحديث، واتجهت الشعوب إلى القوميات التي على أثرها تم تهميش حقيقة وجود وطن للكرد واسمه "كردستان".