تطوير المنظومة المائية ضرورة قومية

تطوير المنظومة المائية على الصعيد الداخلى يتطلب تغييرًا كبيرًا لتفهم القيادة السياسية وللمجتمع ككل لأهمية المياه ومشاكلها وكيفية التعامل معها وإعطائها الأولوية ضمن برامج التنمية المختلفة.
التعامل مع مشكلة الندرة المائية التى تتعرض لها مصر حاليا وستتفاقم مستقبلا يتطلب تغييرا شاملا فى نظرة المجتمع ككل لشبكتى الرى والصرف على أنهما شرايين وأوردة الحياة فى مصر والمحافظة عليهما من المخلفات السكانية والزراعية والصناعية السائلة والصلبة، وأن الإسراف فى الاستخدامات المائية يعتبر تعديًا على مستقبل الأجيال القادمة وعلى أمن مصر القومى، وأن نتعلم كيف نتعايش مع عصر الندرة المائية بعد أن كنا نعيش عصر الوفرة المائية وذلك كنتيجة مباشرة للزيادة السكانية المتفاقمة التى شهدتها مصر خلال العقود القليلة الماضية.
ولتحقيق ذلك نحتاج إلى حملة قومية للتوعية الشعبية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال تطوير المناهج الدراسية فى المدارس ومن خلال تسيير حملات من المختصين إلى النجوع والقرى والمدن لتوعية المواطنين بأهمية المياه والمحافظة عليها من الإهدار والتلوث.
إن ما حدث من زيادة فى مساحة محصول الأرز إلى 2.5 مليون فدان بعد النجاح الكبير الذى حققته الدولة عام 2010 فى النزول بالمساحة إلى 1.25 مليون فدان يعتبر تقهقرًا كبيرًا إلى الخلف فى إدارة المنظومة المائية وبما يهدد البلاد بسنوات جفاف ويقلل مخزون المياه أمام السد العالى ويقلل إنتاج السد من الكهرباء خاصة مع انخفاض إيراد النهر الذى شهدته البلاد الأعوام القليلة الماضية. وبالإضافة إلى التوعية الشعبية نحتاج إلى تطوير المنظومة التشريعية والمؤسسية لمعالجة المشاكل الفنية والسلوكية القائمة والوهن المؤسسى وذلك لتحقيق إدارة فعالة للموارد المائية. ويتطلب هذا المحور الهام أيضا توافر الإرادة السياسية والدعم الشعبى والكوادر الفنية المؤهلة وموارد مالية كبيرة لإعادة تأهيل الشبكات المائية، وترشيد الاستخدامات المائية الزراعية والسكانية والصناعية، وحل مشاكل نهايات الترع، والتعامل مع مشاكل التلوث فى مجارينا المائية. وكمطلب رئيسى لتفعيل الإدارة المائية يجب تحفيز العاملين فى وزارة الموارد المائية والرى من مهندسين وفنيين وإداريين، وكنت بالفعل قد نجحت خلال عام 2010 فى تثبيت مئات المهندسين ومضاعفة حوافزهم وزيادة حوافز الإداريين والفنيين ولكن مازالت هناك حاجة ملحة لزيادة جديدة فى دخولهم.
وكانت وزارة الموارد المائية والرى قد انتهت فى منتصف عام 2010 من إعداد الاستراتيجية المائية المصرية حتى عام 2050 وتم اعتمادها من مجلس الوزراء وهى تتضمن سيناريوهات لترشيد الاستخدامات المائية المنزلية والزراعية والصناعية وتفاصيلها الفنية وسيناريوهات لتنمية الموارد المائية وذلك بهدف الإيفاء بالاحتياجات المائية للبلاد حتى عام 2050. هناك أهمية كبيرة للحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه خاصة الأرز والقصب والموز، وتعميم نظم الرى الحديثة فى أراضى التوسعات الزراعية الجديدة، والتوسع فى مشاريع تطوير الرى السطحى فى أراضى الوادى والدلتا، وتطوير المزارع السمكية لترشيد الاستخدامات المائية وتعظيم الإنتاجية، وتكثيف برامج توعية المزارعين بمشاكل مياه الرى على المستوى القومى وايضاح أهمية المحافظة عليها لاستمرار الأنشطة الزراعية. وبالنسبة لمياه الشرب فهناك أهمية كبيرة لرفع كفاءة شبكات توزيع مياه الشرب وترشيد الاستخدامات السكانية. وبالنسبة لقطاع الصناعة فيجب التوسع فى استخدام وحدات التبريد الصناعية التى تعتمد على الهواء بدلاً من المياه العذبة والتوسع فى إعادة استخدام المياه وتدويرها فى المنشات الصناعية.
وبجانب ترشيد الاستخدامات المائية فان مصر فى حاجة إلى التوسع فى اعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى المعالج وفى استغلال المخزون الجوفى العميق فى الصحراء الغربية وفى سيناء، والتوسع فى تكنولوجيا التحلية، واستكمال الجهود المصرية مع السودان وجنوب السودان لاستقطاب فواقد البخر من البرك والمستقعات والتى تغطى مئات الكيلومترات المربعة لزيادة ايراد النهر لصالح شعوب واستقرار المنطقة. ويجب زيادة الاهتمام بمخزوننا من المياه الجوفية من خلال وضع وتفعيل ضوابط لحسن إدارة المياه الجوفية وتقليل السحب الجائر الذى تتعرض له بعض الخزانات الجوفية بما يضمن ترشيد استخدامات هذا المورد الهام واستدامته. وفى ظل هذا الشح المائى الذى تعانيه البلاد لا بديل عن المحافظة على حصة مصر المائية فان مصر لا تحتمل أى نقص فى حصتها المائية لما لذلك من أثار وانعكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية وخيمة.
ومن الناحية التشريعية فإنه كان بالفعل قد تم الانتهاء عام 2010 من مشروع قانون لتعديل قانون الرى رقم 12 لعام 1982 وأقره مجلس الوزراء وتم تحويله الى مجلس الشعب.. ويتعامل هذا المشروع مع جميع المخالفات والمشاكل والمستجدات التى ظهرت منذ اصدار قانون الرى الحالى أى منذ حوالى 3 عقود. وتشمل هذه التعديلات التعامل مع مخالفات استخدام مياه الصرف الصحى المعالج فى الزراعة، المزارع السمكية المخالفة، فتحات الرى المخالفة، والرى بالغمر فى الأراضى الرملية، والتعديات على مخرات الأودية وعلى المجارى المائية وغيرها من المخالفات.
وهناك أيضا مشروع قانون ادارة المياه الجوفية الذى اعتمدته المجموعة التشريعية لمجلس الوزراء عام 2010 أيضا ليتم تحويله الى مجلسى الشعب والشورى. ويقدم هذا المشروع الاطار المؤسسى والتشريعى لسياسة تصاريح الأبار الجديدة، ووسائل التعامل مع المخالفات واستخدامات المباه الجوفية فى المنتجعات والقرى السياحية وفى الصناعات الاستثمارية، ويضع الاطار التشريعى الملائم للحفاظ على المخزون الجوفى من الاستنفاد أو التلوث.