وزيرة التضامن "المعاقة"!
يتصارع كل من يحمل لقب "إنسان" عامة والمختصون في مجال الإعاقة خاصة في الوصول الي توصيف صحيح يعبر عن تلك الطائفة من الملائكة التي تعيش بيننا دون أن نجرحهم، فهل هم "ذوي احتياجات خاصة" أم هم "ذوي قدرات خاصة" أم "ذوي الإعاقة" وأي من هذه المسميات الأدق والأنسب والذي "لايجرح" حتي عند النطق به، ففي الصين تستعد الحكومة الصينية لبدء عملية دمج شامل للمعاقين بالمجتمع، وذلك ليس تعاطفا معهم، وإنما كي يفيدوا مجتمعهم، وأن يشعروا بأن لهم حقا كاملا مثلهم مثل أي شخص إن لم يكن أكثر وأن عليهم أيضا واجبات تجاه بلادهم..
وتأكيدا لذلك أعلنت الحكومة الصينية عام 2008 أن بمقدور أي شخص معاق أن يسير بشوارع بيجين بمفرده دون القلق أو الخوف أو الحاجة إلى مساعدة وذلك بعد إنفاق أكثر من 86 مليون دولار لتأمين الوسائل المناسبة لهم، فقد خصصت لهم السلطات "حارات" خاصة، تسع الحارة الي فرد سواء سيرا أو بوسيلة، وقامت بتحديدها بـ"سور" حتي لا يضل طريقة، ناهيك عن الخدمات الضوئية والسمعية التي تساعده علي تحديد مكانه وأي "مضمار" يسلك للوصول لمقصده بمفرده..
وعن الولايات المتحدة حدث ولا حرج، دورات مياه خاصة، منحدرات بجميع الطرقات، أبواب ومصاعد خاصة بشتي الأماكن العامة، الباصات والقطارات وأماكن مخصصة لهم، وخطوط ساخنة للمساعدات والتنقلات، حتي مواقف السيارات المخصصة لهم والمنتشرة بكل البلاد والتي يعاقب من يجرؤ علي الوقوف بها بغرامات مالية، كما يخصص لهم كراسٍ كهربائية داخل السوبر ماركت لتسهيل مهامهم في شراء احتياجاتهم، حتي وصل حد الاهتمام بهم بتنظيم الاحتفالات العامة لهم، فمؤخرا بدأوا في تنظيم معدات تساعدهم من صعود الجبال والتزلج علي الجليد، ناهيك عن الأهم مما تقدمه الحكومات وأنما ما يقدمه اليهم المواطنون، فالدمج المجتمعي وصل إلى معدلات عالية، فالترحاب بهم بالمطاعم والمحلات والمجمعات التجارية وأماكن الترفيه أمر مفروغ منه، فالابتسامة والترحاب والقبول الفعلي يكون في انتظارهم وبكل الحب.
أما هنا فى أرض الكنانة والرحمة والمودة وبلاد التدين "كما ندعي" تجد العجب العجاب، هنا تستطيع ان تفتك بأصابعك وأنت تضرب "كف بكف" حين تري مداخلة تليفونية من الشخص المسئول رقم واحد فى البلد عن هذه الفئة من المواطنين وهو يحتقرهم، لا يتواصل معهم، يعامله وكأنه "شحات"، لا يفهمه وبالضرورة لا يشعر به، تجد هنا ببلادنا المؤمنة وزيرة أقصد "..يرة" تتهكم وتتعالي وتجرح وتهين شخصا من ذوى الإعاقة يمثل الملايين من طائفته، تدعي بأن الشبكة بتقطع هروبا ووقاحة وقلة أدب منها، وحتي إذا فرض بأن هناك خللا بالاتصال، الم تتعلم تلك الوزيرة أدني معدلات التعامل السوي مع شخص الابتسامة بوجهه قد تكسبك قلبه، هل لم تشعر بأنه في حاجة إلى مجهود أكثر في الاعتناء به، لمَ لم تتصل مرة أخري، لمَ اتصلت من الأساس طالما هي "معاقة"!.
شاهدت الحلقة وشاهدت ابتذال الوزيرة وشاهدت عيون الدكتور المساح تبكي، تأثرت وبشدة ولا أعلم كيف لم تتأثر هي، وتساءلت كيف من المفترض أنها من سيجلب حق أولئك الفئة وهي تهدر أبسطها، وكيف نسعي نحن أن نجعل المواطنين يكفون عن مناداة ذوي الأعاقة "بالعبيط والأهطل" وفي الأساس المسئول عنهم شخص "متخلف"، أذكر أن الراحل صلاح جاهين حينما كان يرأس قسم "الكاريكاتير" بجريدة روز اليوسف رأي أحد الرسامين يصل الجريدة راكبا "تاكسي" فاستوقفة أثناء نزوله وسأله "هل تأتي يوميا بتاكسى" فاجابه نعم، فقال له جاهين: "لو جيت مرة تاني بتاكسى متشتغلش هنا تاني" فاستعجب الرسام ولكنه نفذ الكلام، وبعدها بفترة حينما استفسر منه عن السبب قال له جاهين يجب أن تركب المواصلات العامة مع الناس البسيطة لانك "لو محستش بالراجل الغلبان اللي بترسمه عمرك ما هتحس بيه ولا تعبر عنه".
أما أنا فأهدي تلك القصة للسيدة وزيرة التضامن التي أرفض حتي ذكر اسمها بالمقال عشان أنا "مبعرفش أسماء المعاقين"! فالإعاقة التي أعرفها ليست إعاقة الجسد وإنما إعاقة العقل، فلتحمدي الله علي جسدك السليم وعليك بعلاج إعاقتك الداخلية، فليس المساح هو المعاق وأنما من يظن بأنه معاق، وآمل في النهاية أن تعي الدولة قيمة أولئك الأشخاص، وإذا كنا نحن الأسوياء لنا حقوق لا نستطيع الحصول عليها، فنحن نأمل الا يلاقي أولئك نفس المصير، ولي في ذلك "رجاء".