صندوق النقد يخصص 130 مليون دولار للدول الأكثر تضررا من الإيبولا فى أفريقيا

في الوقت الذي يواصل فيه وباء الإيبولا حصد الأرواح وانتشاره في بلدان غرب أفريقيا، أعلن صندوق النقد الدولي خطته لتقديم 130 مليون دولار كمساعدات طارئة وعاجلة لكل من غينيا وليبيريا وسيراليون، وهى الدول الثلاث الأكثر تضررا من تفشي مرض الإيبولا الذي ضرب غرب القارة الأفريقية.
وصادق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في اجتماعه الأخير في العاصمة الأمريكية واشنطن على تقديم التمويل على وجه السرعة وبصفة طارئة من أجل تغطية حصة جوهرية من الفجوة المالية لمواجهة أعباء الأزمة الإنسانية المصاحبة للوباء، والتي قدرت بنحو 300 مليون دولار، فالدول المضارة تكابد حالة مضنية لدى مواجهتها تفشي وباء الإيبولا بمؤسسات هشة، وأنظمة صحية مهترئة تفتقر إلى الأجهزة الملائمة، في الوقت الذي تتناقص فيه إيرادات الدولة بصورة واضحة مع تضخم النفقات الإضافية المترتبة عن تدابير مواجهة الوباء.
ويعكس التدخل الطارئ لصندوق النقد الدولي ظلال التداعيات التي ألقتها أزمة وباء الإيبولا على مؤشرات الاقتصاد الكلي للدول الأكثر تضررا، وهى دول كانت تبذل جهودا مضنية للتغلب على مشكلات الهشاشة وعدم الاستقرار.
ويتماشى الدعم المالي الإضافي لمواجهة وباء الإيبولا مع المعايير المعمول بها في صندوق النقد الدولي ومهامه الرامية إلى دعم الدول الأعضاء في الأزمات والضغوط الاقتصادية والاجتماعية لإعانتها على علاج ميزان المدفوعات ومتطلبات التمويل النقدي.
وعبرت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، عن تضامن المؤسسة مع الدول المضارة بقولها: "لقد تكبدت غينيا وليبيريا وسيراليون خسائر كبيرة في الأرواح بسبب تفشي وباء الإيبولا، ولا شك أن هذه الأزمة الإنسانية قد تتسبب في عواقب اقتصادية وخيمة، وقد طلبت حكومات غينيا وليبيريا وسيراليون من صندوق النقد الدولي دعما من أجل تحفيز الجهود لاحتواء التفشي غير المسبوق للوباء الذي يضرب بشدة الشرائح الأكثر هشاشة من السكان في الدول الثلاث، ويبذل الصندوق جهودا كبيرة بالتعاون مع سلطات الدول المضارة وشركائها التنمويين للسيطرة على الوباء في أسرع وقت ممكن وللمساعدة على مواصلة الجهود الاقتصادية الرامية لعلاج تداعيات الأزمة".
وتمثل التدابير المالية التي أعلنتها المؤسسة الدولية ما نسبته 25% من حصة كل دولة من الدول الثلاث في صندوق النقد، فبالنسبة لدولة غينيا فقد وافق مجلس إدارة الصندوق على تخصيص 41.4 مليون دولار تحت بند التسهيلات الائتمانية العاجلة.
كان وباء الإيبولا شرع في التفشي داخل غينيا بحلول نهاية العام الماضي 2013، غير أن حدته تصاعدت بصورة كبيرة في يوليو بالرغم أنها ما زالت أقل تضررا مقارنة بجيرانها من الدول الأخرى.
وتدهورت توقعات أداء الاقتصاد الكلي على المدى القصيرة جراء الوباء ليهبط بالنمو الاقتصادي من 4.5 في المائة حسبما كان مخططا له في مطلع العام إلى 2.4 في المائة.
وكانت غينيا تبلي بلاءً حسناً وتظهر تقدما مرضيا في ظل الترتيبات المالية الخاضعة لبند التسهيلات الائتمانية الموسعة، التي يرعاها الصندوق، بيد أنها ستتلقى دعما طارئا في إطار بند التسهيلات الائتمانية العاجلة لأن معظم المراجعات التي أجريت في ظل التسهيلات السابقة لم تعد مواتية في ضوء التطورات الأخيرة بعد تفشي وباء الإيبولا.
وعلى صعيد التسهيلات الممنوحة لدولة ليبيريا، فقد وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدوي على تقديم تسهيلات قدرها 48.3 مليون دولار تحت بند التسهيلات الائتمانية العاجلة، لأنها تعد الدولة الأكثر تضررا بوباء الإيبولا الذي تخطى بكثير قدرات البلاد على الاستجابة والتصدي لتداعياته.
وعلاوة على الأعداد الكبيرة التي راحت ضحية انتشار مرض الإيبولا، فإن الوباء انعكست ظلاله القاتمة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ربما تقضي على المكاسب التي جنتها ليبيريا على مدى عقد من السلام عاشته البلاد أخيرا، ووفق التقديرات الأولية، فإنه من المتوقع تراجع معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي من 6 في المائة إلى 205 في المائة في عام 2014، نظرا للضرر الشديد الذي ضرب قطاعات اقتصادية عدة في مقدمها المناجم والخدمات والزراعة.
ولم يختلف الوضع كثيرا في سيراليون التي خصص لها صندوق النقد الدولي تسهيلات ائتمانية عاجلة أيضا قدرها 39.8 مليون دولار، نظرا لتضررها الشديد من تفشي وباء الإيبولا في أرجاء البلاد، مما أثر بقوة على نسيج البلاد الاقتصادي والاجتماعي، فالنمو الاقتصادي أضير بشدة ويتوقع هبوطه من 11.3 في المائة إلى 8 في المائة خلال العام الجاري في ضوء تقديرات أجريت في أغسطس الماضي أظهرت تعاظم أثر الضغوط التضخمية والحاجة إلى استعادة التوازن في ميزان المدفوعات ومتطلبات التمويل النقدية.
وتعلق انطوانيت سايه، مديرة قسم أفريقيا في صندوق النقد الدولي، على الوضع في سيراليون بقولها إن "وضعا ضحيا بهذه الدرجة من الحرج يخلف بالضرورة ضررا اقتصاديا حادا، وإنها لمسئولية صندوق النقد الدولي أن يقدم يد العون للدول حتى تواصل قدرتها على المسير"، مؤكدة أن مسئولي الصندوق يعمل عن كثيب مع نظرائهم من المسئولين في الدول الثلاث لتزويدها بالتمويلات والنصح اللازمين لعلاج الأمر في كفاحها من أجل التصدي لوباء الإيبولا".
وكان وباء الإيبولا الذي يصنف طبيا على أنه حمى نزفية مصدرها الرئيسي الحيوانات المفترسة، ظهر في غينيا في بدايات هذا العام، وانتقل بالتبعية إلى البلدان المجاورة ليبيريا وسيراليون، وأصيب بالوباء داخل البلدان الثلاثة، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، نحو 6 آلاف شخص (مع وجود حالات إصابة قليلة ظهرت في دولتي نيجيريا والسنغال اللتين تبدوان أكثر قدرة على السيطرة على تفشي الفيروس بهما)، في الوقت الذي تشير التقارير إلى أن حوالي 3 آلاف شخص راحوا ضحية الوباء في غينيا وليبيريا وسيراليون.
وتبدو الأرقام الحقيقية للضحايا أكثر مما تورده التقارير، نظرا لوجود دلائل على حالات إخفاء متعمد لحالات الإصابة والموت بسبب الفيروس، علاوة على ذلك فإن وتيرة العدوى شهدت تسارعا متزايدا في الأسابيع الأخيرة، خصوصا في ليبيريا وسيراليون رغم أن نطاق انتشاره في الأخيرة يبدو أقل نسبيا.
وتصارع البلدان الثلاثة من أجل التصدي الفعال لوباء الإيبولا، ويعود ذلك في جانب كبير منه إلى المحدودية الشديدة لإمكانات وقدرات القطاعات الصحية العامة فيها، وتتزايد أعداد المنظمات والجهات المشاركة في مواجهة الوباء في غرب أفريقيا من بينها الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي، بالإضافة إلى منظمات غير حكومية رائدة كمنظمتي "أطباء بلا حدود" و"الصليب الأحمر".
وقد تعهد عدد من الحكومات، بالإضافة إلى مانحين محليين ودوليين بتقديم تمويلات مؤثرة لدعم قدرات الدول الثلاث وغرب أفريقيا على مواجهة تفشي وباء الإيبولا.