قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ما بعد انهيار تحالف دعم الشرعية


وراء هذا التفكك ما هو أعمق من مجرد أسباب متعلقة بخذلان الإخوان واستئثارها بالقرار وتضارب الرؤى والغايات، بل كان الأساس الفكرى والمنطلقات المنهجية التى سبقت هذه العوامل هى سر الانهيار الحقيقى، الذى تسببت فيه كل مكونات التحالف بينما يجتهد قادتها المنسحبون فى تحميل الإخوان وحدهم المسئولية.
هم لم يمتلكوا رؤية ناضجة لطبيعة الثورة والتطور مع مراحلها وكيفية التعامل مع اللاعبين الأساسيين فيها، وأهم طرف هو الجيش الذى اتخذوه من جهة خصما أيديولوجيا ومن جهة أخرى خصما سياسيا باعتباره جزءا من النظام السياسى، وكلا الأمرين خطيئة منهجية فادحة كفيلة بنسف أى كيان سياسى وإفشال برامجه سواء فى الثورة أو فى الحكم أو المعارضة.
فالمؤسسة العسكرية ليست ابتداءً عدوة للحركة الإسلامية، إنما كانت مواقفها بعد ثورة يوليو 1952م وبعد ثورة يناير 2011م تهدف لدعم تماسك الدولة المصرية ووحدة نسيجها وتطوير الأداء السياسى والاقتصادى والنهوض بالأوضاع الاجتماعية فى مواجهة التحديات الخارجية الخطيرة التى واجهتها مصر فى كلا التاريخين، وفى جميع الأحوال كان الجيش يبحث عن شركاء وطنيين ولا مانع لديه من شراكة متوازنة مع الحركة الإسلامية، وهو ما سعى إليه قديما وحديثا، لكن الإسلاميين تجاوزوا كثيرا فى سيناريوهات التغيير سواء على مستوى فكر وبنية وولاءات النظام السياسى والدولة، أو على مستوى حجم طموحاتهم فى السلطة، بينما كانت رؤية الجيش ولا تزال هى إنتاج نظام سياسى متوازن بصورة سلمية يعكس التنوع المجتمعى ويحمى الدولة من المخاطر ويراعى طبيعة وحساسية موقع مصر من الخريطة السياسية الدولية والإقليمية، لتخرج المعادلة فى سياق إصلاحى آمن دون إمعان ثورى بلا ضوابط لتفادى آثار تحولاته الكبيرة داخليا وخارجيا، وهى مواقف ثابتة تجاه كل الانتماءات وليست خاصة بالإسلاميين.
وهذا يؤيده حديثا تعامل المجلس العسكرى مع الفعاليات فى الشارع مع تيارات غير إسلامية، والتى تطالب بما يتجاوز ما تم إنجازه من تنحية مبارك وإنهاء حكم أسرته، بعد أن وضح أن تلك هى حدود الفعل الثورى لدى الجيش وما يتجاوزها يعد من المحظورات، ووضح ذلك فى أسلوب التعامل مع حركة 6 أبريل بعد تظاهرها فى يوليو 2011م أمام وزارة الدفاع، وسقوط شهداء فى أحداث ماسبيرو وما بعد مليونيتى 18 و21 نوفمبر التى عرفت بأحداث محمد محمود، ثم أحداث مجلس الوزراء ردا على تكليف الدكتور الجنزورى برئاسة الحكومة، بما يؤكد أن للجيش رؤية موحدة فى مواجهة خطط التغيير الانقلابى غير المأمون وليس فى مواجهة تيار بعينه، مع الترحيب بمن يرغب فى الإسهام فى مشاريع الإصلاح الآمنة داخل إطار وتحت عنوان الدولة الوطنية.
تنهار خطة منابذة الجيش كخصم أيديولوجى للحركة الإسلامية باستقراء التاريخ منذ الخمسينيات إلى اليوم؛ فالإخوان الذين أبقتهم الثورة كلاعب سياسى وحيد رفضوا كل الامتيازات من هيئة تحرير وحقائب وزارية طمعا فى رأس السلطة باعتبار الجيش منافسا وليس شريكا استراتيجيا، لذلك ظل تعامل الإخوان وحلفائهم مع الجيش من منطلق سياسى متغير باعتباره جزءا من نظام الحكم أو محسوبا على منظومته، بينما كان يجب أن تكون العلاقة استراتيجية ثابتة مع مراعاة خصوصية المؤسسة العسكرية، سيرا بشراكة متوازنة وتمثيل مقبول فى السلطة، مع قناعات المصريين الذين تجاوبوا مع فلسفة المؤسسة العسكرية فى التغيير التى تضمنها البيان الثالث للجيش بعد تنحى مبارك من "مطالب الشعب المشروعة"؛ ومشروعية المطالب لا تتعدى إصلاح النظام السياسى والقضاء على خطط التوريث وإصلاح الوضع الاقتصادى والاجتماعى، ولا تقفز قفزات غير مأمونة وغير مسموح بها مع الإسلاميين لتغيير كامل لهيكل السلطة وبنية الدولة ومنهج وفلسفة الحكم فيها، وهو الأمر الذى لم يفهمه ولم ينسجم معه الإخوان وحلفاؤهم.
انفضاض الشعب عن التحالف مرتبط بجذور هذه الإشكاليات المنهجية لتنشأ تلك الحالة الانفصامية من حراك إسلامى طوال الشهور الماضية فى فضاء تصورات خيالية، ودون تجاوب من جماهير الثورة التى انطلقت فى يناير 2011م ولا من عامة الشعب الذين يزعجهم هذا الشقاق غير المسبوق بين الإسلاميين ومؤسسة الجيش؛ ولا يجدون أجوبة شافية عن مستقبل الرئيس المعزول، وكيف سيقود البلاد بعد إعادته للحكم – كما يطالب الإخوان - بدون توافق مع المؤسسة الكبرى التى ترمز لهيبة الدولة وقوتها، وكيف سيدير الملفات الاستراتيجية الحساسة التى تدخل فى نطاق عمل الجيش ويستحيل اتخاذ قرار حاسم فيها وإدارتها بشكل يراعى مصلحة البلاد العليا دون توافق وانسجام تام مع المؤسسة العسكرية؟
ينهار تحالف الشرعية ويفرح الإخوان بإنهاء العلاقة مع حلفائهم الإسلاميين للتحلل من تبعات التصعيد الدينى فى الشارع وللحفاظ على العلاقة مع الغرب وإعدادا لمرحلة جديدة بعناوين أخرى وحلفاء آخرين، مع الدفع ببعض حلفائهم الإسلاميين المنسحبين لخوض انتخابات البرلمان لتضمن الجماعة حضورا يخدم قضاياها فى المشهدين الثورى والسياسى.
لكن تبقى الإشكالية المنهجية هى الأساس فى الحكم على نجاح أو فشل التجربة، والنتائج مقروءة أمامنا؛ فقد يحظى الإخوان ببعض حلفاء ممن يشاركونهم العداء للجيش والصراع معه مثل 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين، فيمَا يخسرون قضية الثورة الإصلاحية البيضاء وجماهيرها الغفيرة، فضلا عن خسارة الشريك الأهم فى المشهد وهو المؤسسة العسكرية.
[email protected]