قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ثورة المهدورين ثقافيًا.. بين الديمقراطية والشورى


استفزني ما دفعت به الجرائد إلى صفحاتها الأولى خلال الأسبوع الماضي من نصوص منسوبة للجمعية التأسيسية ومن بينها أن مصر دولة ديمقراطية (شورية)، دون أن تصبر حتى تخرج لجنة مقومات الدولة بالجمعية منتجها ومقترحها وهو أن مصر دولة موحدة ذات سيادية نظامها السياسي ديمقراطي يعتمد مبدأي الشورى والمواطنة.
لم يكن سبب استفزازي هو محاولة التشهير بالجمعية التأسيسية وإنما كان سببًا أعمق من ذلك، يكمن في أن البعض شعر وكأنه من العار أن نضمن دستورنا مصطلح "شورى"، ويكأنها جريمة أن ندمج ثقافتنا وموروثنا الثقافي في دستورنا ونظامنا القانوني كلما أتيح لنا ذلك وكلما كان إيجابيًا.
قلت لأحد الشباب "لو شعرت بالعار من مصطلح "مبدأ الشورى" فيجب أن تتخلص من مصطلحات ونظم قانونية لم يكن لها وجود في أي تشريعات حديثة مثل "التعسف في استعمال الحق" أو "حق الشفعة" و"حق الحكر" و"نظرية الغرم بالغنم" أو "نظرية الغرر" أو غير ذلك من أنظمة ليس لها مقابل في التشريعات الغربية وإنما نقلناها نقلا من تراثنا وعن الفقه الإسلامي".
وربما لا يدرك البعض أن الشريعة الإسلامية نظام قانوني عالمي تعترف بقيمته وثرائه المعاهد العلمية القيمة في كل أنحاء العالم، وأن ما يثيره البعض من لغط كلما عرض أحد لطرح فكرة أو نظرية أو مصطلح من الشريعة، إنما يعود لجهله أولا بقيمة ما بين يديه من تراث ثري وراقٍ، وثانيا إلى كونه ضحية الإشعاعات الثقافية السلبية التي تعرض لها؛ فالثقافة لها إشعاعات أغلبها حميد وإيجابي، لكن بعضها شديد السلبية.
وربما أن الفيلسوف الأفريقي سوردل كان هو أول من أشار إلى طريقة تعامل الثقافة الغربية المتعالية مع دولنا وشعوبنا، مستندًا إلى نظرية تعامل الأم مع طفلها، والذي كلما قست عليه ارتمى في حضنها وفرّ منها إليها، هكذا ترى المهدورين تحت نير الثقافة الغربية يخجلون من مجرد الإشارة إلى مصطلح من تراثهم الثقافي أو القانوني، ويسعون لتثبيت أنه لا معنى له ولا قيمة له ولا لزوم له وأن التمسك بالمصطلح الغربي هو الواجب دون إعادة نظر.
وفي حالتنا، فإن تمسكنا بديمقراطية نظامنا السياسي لا لبس فيه، وليس موضع تشكيك من أقصى التيارات السياسية حتى أدناها، غير أن الإشارة إلى أنه يعتمد بالإضافة إلى طبيعته الديمقراطية مبدأ الشورى ومبدأ المواطنة إنما يشير إلى خصوصية الحالة المصرية، فلا الشورى مسألة غربية ولا المواطنة مبدأ دستوري يرد في مقومات الدولة في الدساتير الغربية، وكلاهما نتاجنا نحن وجزء من نسيجنا الثقافي الثري الواجب أن يعبر عنه دستورنا.
فالديمقراطية يعلم الجميع أنها نظام سياسي ينطوي على مجموعة من المبادئ التي تعد إنجازًا إنسانيًا بلا خلاف كمبدأ الفصل بين السلطات؛ ومع ذلك فإن عظمة هذا النظام وقيمته العالية لم ولن تمنع وصول رئيس إلى سدة الحكم وتولى حزبه أغلبية مقاعد البرلمان، ومن ثم إحكامه على مفاصل الدولة من خلال تعيينه لحكومة موالية له، وهى حالة أودلف هتلر مثلا، في هذه اللحظة نشعر بقيمة الشورى كنظام اجتماعي يقوّم النظام السياسي إذا اعوج، فيُلزم الحاكم والمتحكمين في النظام السياسي بسماع صوت الشعب بمنظماته وهيئاته وكل أحزابه وكل مؤسساته وأن يتحول ذلك لعمل مؤسسي وليس لمجرد ديكور شكلي.
فإذا أصبح مبدأ الشورى جزءا من سمات النظام السياسي الديمقراطي يمكن للبعض المتردد أن يدرك قيمة أن يقول شخص واحد لخليفة كبير: "لو اعوججت لقومناك بسيوفنا"، فدور المجتمع بمنظماته ومؤسساته في رقابة الحكومة وتقويمها إذا اعوجت، ووجود آليات تصل الحكومة ورئيسها بشكل دائم بصوت الشعب هو المعنى المقصود للشورى.
وبالتالي فنحن نسهم بتراثنا في إضافة جديدة للنظام الديمقراطي الهائل والعظيم، لنجعل خضوع النظام السياسي في مجمله للرقابة الشعبية واجبًا دستوريًا لا يمكن لأحد أن يشكك فيها أو أن يعمل إلى منعها أو الحد منها.
ولذا أرجو أن لا يبتل أحد خجلا إذا وجد مصطلحًا من تراثه في كتاب دستوره لأن هذا هو المنطقي، فالواجب أن نسهم مع بقية الأمم في تطوير النظام الديمقراطي بما يعبر عنا ويعكس ثقافتنا وثرائها وقدرتها على تقديم وجهات نظر جديدة.