قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أردوغان وتوريث الحكم بتركيا



كان للانقلاب الفاشل في تركيا، ذيولا إيجابية وأخرى سلبية ومقلقة.

الذيول الإيجابية
---------------
هناك أكثر من نقطة إيجابية حققها الانقلاب العسكري التركي الموصوف بفيلم هزلي درامي، جمع الكوميديا والتراجيديا معا في فصوله القصيرة في مرحلة التنفيذ، لكنها نقاط واسعة الامتداد والآثار في ذيولها.

والنقطة الإيجابية الأولى التي شرع المراقبون يلاحظونها، هي انشغال الرئيس اردوغان أثناء تعاطيه مع الانقلاب وذيوله، عن المسألة السورية، ما مكن جيش سوريا الدمقراطي، بالتعاون مع التحالف الأميركي، من احكام السيطرة على معظم مدينة منبج الكردية الحدودية، بما فيها موقع القيادة العسكرية للدولة الاسلامية داعش، والمعروف أن السيطرة على منبج، تشكل نقطة انطلاق جوهرية تمهد لتبلور الإقليم الكردي في شمال سوريا الذي طالما عارض أردوغان تشكيله. وكانت تلك هي النتيجة الإيجابية الأولى التي تصب في مصلحة الأكراد، لكنها لا تتلاءم مع الرغبات الأردوغانية.

والنقطة الإيجابية الثانية هي عدم اعاقة تقدم القوات السورية بمؤازرة غطاء جوي روسي، لمحاصرة وإحكام سيطرتها على مداخل منطقة حلب الشرقية التي تسيطر عليها جبهة النصرة وكتائب أخرى كأحرار الشام وغيرها من التنظيمات المسلحة والمعارضة المتحالفة مع النصرة ضمن جيش الفتح.
فالعادة قد جرت في حالة هجمات سورية كهذه، أن يقدم أردوغان الدعم للقوات المعارضة المتواجدة في حلب، عن طريق السماح بعبور مزيد من قوات المعارضة للحدود التركية لتعزيز موقف اقرانهم، ومرات بقصف المواقع الحكومية عن بعد ومن داخل الأراضي التركية، متذرعين بأن الدولة الاسلامية هي التي تنفذ عمليات القصف تلك، أما الآن، وقد انشغل الرئيس التركي بالتعامل مع المسألة الانقلابية، فقد تم احكام الحصار على حلب، المدينة الأكبر في سوريا بعد دمشق، والتي طالما تطلع أردوغان الى ضمها للأراضي التركية، أسوة بقيام تركيا سابقا بضم اقليم الاسكندرون الى أراضيها، علما أن الانتداب الفرنسي قد انتدب تركيا لإدارة الإقليم لمدة زمنية محدودة، لكن تم لاحقا نسيان أمرها.

وهاتان الإيجابيتان، أشار اليهما بكلمات عابرة الدكتور فواز جرجس، المحاضر في الجامعات البريطانية، أثناء حوار أجري معه على قناة بي بي سي. وقد أشار اليهما باعتبارهما نتيجة تبدل ايجابي في السياسة التركية. ولم يوضح انه قد قصد أيضا نتيجة للحركة الانقلابية.

وفي كل حال، تلك هي الايجابيات الوحيدة التي تسبب الانقلاب العسكري بتحققها، نتيجة ما بدا أنه انشغال أردوغاني بالتعامل مع المسألة الانقلابية، باعتبارها أولوية لا تعلو عليها أولوية أخرى.

والجدير بالذكر، أن البعض قد لاحظ فعلا أن حكومة أردوغان، ومنذ تولي بن علي يلدرم رئاستها، شرعت بتقليص الخلافات مع عدة دول ومنها اسرائيل وروسيا، مع نظرة أقل تشددا نحو المسألة السورية وكذلك المصرية، وهو السلوك التركي الذي بدأ يتبلور للعيان قبل أسبوع أو أكثر قليلا من وقوع الانقلاب العسكري. فهذا على الأقل، ما بدأت التصريحات التركية تشير اليه في الأيام القليلة السابقة على الانقلاب. ومن هنا يبدأ التساؤل ان كانت الانجازات على الجبهة السورية، كانت ثمرة تبدل في الموقف التركي، أم نتيجة انشغال حكومة أردوغان بالتعامل مع الانقلاب العسكري كما سبق وذكرت.

وقد يكون من المحتمل وجود تبدل صغير ولكن نوعي، في الموقف الأردوغاني من المسألة السورية. اذ أن الرئيس أردوغان كما يبدو، قد شعر أخيرا بالأخطار التي باتت تهدد نظامه، نتيجة انشغاله عنه، بتصعيد الخصومة مع العديد من الدول ومنها روسيا وسوريا.
ويبدو أن معالم الاعداد لانقلاب عسكري ضده، طالما كان يخشاه في قرارة نفسه، كانت قد خطت بضع خطوات في طريق الاعداد للتنفيذ. واكتشف أردوغان معالمها قبل الشروع بتنفيذها، لكنه غض النظر عنها، ويرجح أنه قد أوعز لبعض مناصريه في القوات المسلحة، (كما ذكرت في مقال سابق استنادا الى اجتهادات وليس معلومات)، للانضواء تحت لوائها. فهذا التواجد الأردوغاني داخل حلقات المتآمرين، هو ما ساعده على احباط الانقلاب، وليس بالضرورة نزول الجماهير الى الشارع، كعامل فاصل شكل نقطة التحول التي أدت الى احباط الانقلاب.الذيول السلبية للانقلاب
=============

المعلوم أن تركيا العثمانية، والتي يتطلع أردوغان الى العودة بتركيا الى عصرها، مبتعدا عن العلمانية الأتاتوركية، عرفت بنصب المشانق لمعارضيها وخصوصا لأولئك المعارضين في الوطن العربي. وبسبب المشانق العديدة التي علقت في ساحة المرجة الدمشقية، ثم في ساحة الشهداء في بيروت، سميت الأخيرة بذاك الاسم. وها هو الآن أردوغان أمامنا، يتطلع بشوق، كما توحي المؤشرات، الى حلم عثماني آخر يراوده بعد تشديد قبضته على البلاد، وهو حلم لا بالعودة الى العثمانية فحسب، بل أيضا الى زمن المشانق الذي يرفضه العالم المتحضر.

وقد لا يدرك أردوغان في الوقت الحاضر عواقب خطوة كهذه، كما لم يدرك من قبل الا متأخرا، عواقب معاداته للعديد من الدول، بل لمعظم دول العالم، كأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأكراد وبعض الدول العربية، كلهم في آن واحد. ولكنه سيدرك لاحقا مثالبها، إذا ما مضى قدما في خطواته الساعية للاستئثار بالحكم، والابتعاد عن أبسط مفاهيم الدمقراطية، مستخدما كل أساليب القمع الممكنة. ذلك أن معاداته عندئذ، لن تقتصر على اثارة عداء الدول الكبرى، والاتحاد الأوروبي، ودول الجوار العربي، اذ ستمتد أيضا الى الداخل التركي الذي يواجه أيضا نزاعا دمويا مع الأكراد. وقد يواجهه الشعب في نهاية المطاف بانقلاب، بل بثورة لن يكون قادرا على اختراقها أو مجابهتها.

فالشعب التركي قد اعتاد في السنوت الأخيرة، على نسبة ولو محدودة من الدمقراطية، ولن يتقبل بتجريده منها بشكل كامل، كما يتوق أردوغان، متطلعا لأن يكون الحاكم بأمره طوال ما تبقى له من حياة، وربما حياة أبنائه من بعده. فقضية توريث الحكم قد لا تكون مستبعدة في الذهن الأردوغاني، كما كانت متأصلة في مصر في عهد الرئيس مبارك، وفي ليبيا في زمن العقيد القذافي. وها قد جاء الانقلاب الفاشل، ليساعده على تشديد قبضته على البلاد، وتحقيق حلمه بتعديل دستوري ينقل البلاد الى نظام رئاسي بل وغير علماني، يمكنه من البقاء في سدة الرئاسة فترة طويلة جدا من الزمن. فتلك هي العلة التي لا شفاء منها، والتي باتت متأصلة في حكام هذه المنطقة من العالم.