قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مواجهة الأشباح!


حالة الجهل لدى الذئب المنفرد بحقائق كثيرة ومنها المفاهيم الحديثة في العصر الحالي، ومخاطر توجيهات وتعاليم داعش التي تغذي بها عقول هؤلاء عبر نشاطها الإعلامي الكثيف، وما تعتبره إرشادي يرسم الطريق التي يودون من هؤلاء سلوكها باعتبارها من مقتضيات الدين الاسلامي الصحيح، مقترنا بفسحة من الإفراط في التدين لدى الذئب المنفرد يساعد على سرعة تأثره بالأفكار الظلامية التي تبثها أعماق وغيرها من مواقع التنظيم، هذه كلها تساعد على تكوين القناعة الخاطئة، بأنهم، أي الذئاب المنفردة، بسلوكهم ذاك، إنما يقدمون هدية للدين الإسلامي، تضعهم على طريق الجنة بحورياتها وجناتها الوارفة.

ولكن عنصر تواجد أولئك الذئاب المنفردة في خانة المجهول بالنسبة لرجال الأمن ودوائر مكافحة الإرهاب، هو العنصر الأكثر خطورة وتهديدا، سواء للمجتمعات في أوروبا أو في أميركا أو في دول أخرى. اذ أنهم يسرحون ويمرحون ويتحركون متجولين بحرية تامة في صفوف المجتمعات التي يقيمون فيها. فلا رقابة عليهم ولا قدرة على توقع خطواتهم القادمة، لأنهم أصلا غير موجودين تحت أنظار المراقبين الذين لا يستطيعون التنبوء أو توقع أي شيء عنهم، نظرا لجهل رجال الأمن أصلا بوجودهم، بهويتهم، أو بخطواتهم القادمة التي تشكل دائما عنصرا مفاجئا تماما للمجتمع، للضحايا، ولرجال الأمن أنفسهم.

فداعش كتنظيم قائم وممتد تواجده على مساحة جغرافية واسعة في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، بل وفي بعض المواقع الأفريقية أيضا، هو عنصر خطر معروف ومرئي لجميع الأطراف، وتجري على قدم وساق مقاتلته بالحديد وبالنار، مع توسع دائم في كم النار والرصاص والاغارات التي تحاول تحجيمه واستئصاله اذا أمكن استئصالهم في وقت ما.

أما الذئاب المنفردة، فمع بقائهم في خانة المجهول، يصبح من المتعذر، ان لم يكن من المستحيل مقاومتهم بأية وسيلة كانت. فكيف بوسعك ان تقاتل المجهول الذي لا تعرفه، ولم تكتشف بعد حتى وجوده أو تواجده بين أفراد المجتمع الآمن المطمئن.

فمن عنصر جهالة تواجدهم، المقترن بجهلهم الذي يؤدي بهم الى الانصياع، بل والانصهار العقلاني تأثرا بدعوات وأفكار داعش المضللة، يتجلى أمامنا مدى الخطر الذي تمثله الذئاب المنفردة على المجتمعات الآمنة هنا وهناك، والتي تكشف الأيام تدريجيا بأنها قد باتت منتشرة في بقاع عديدة من العالم، شرقه وغربه.

داعش يمكن مقاتلتها. أما الذئاب المنفردة، فانه يصعب، بل يتعذر، وربما يستحيل مقاتلتهم، بسبب كونهم في خانة المجهول كما سبق وذكرت، بل وفي اطار كونهم مجرد أشباح، نعلم باحتمال وجودها، لكن لا نعلم كيف نصل اليها أو التواصل معها. فهي أشباح خفية قادرة على الايذاء دون أن يكون بقدرة أحد احتواءها، مقاتلتها، اعتقالها، أو مجرد تجنب مضارهم القادمة لا محالة. فهل تستطيع أجهزة الأمن أن تعتقل أشباحا لا يرون بالعين المجردة، أو حتى بعين سحرية؟

وبسبب هذه المخاطر المتنامية يوما بعد آخر، والقادمة من المجهول، أخذت أصوات الشكوى ترتفع هنا وهناك وخصوصا في الدول الأوروبية التي اعتادت مجتمعاتها على رفاهية الأمن وتفادي، بالقدر المستطاع، المخاطر التي تهدد الانسان الآمن والمستقر.وازاء هذا الخطر المتفاقم يوما بعد آخر، يجدر بالمراقب التساؤل عما يمكن أن تفعله الحكومات وأجهزة أمنها للحد من تلك العمليات، مع تعذر الحيلولة دونها بشكل نهائي اذا بقي منفذوها في خانة الأشباح والمجهولين.

كيفية المعالجة ومحدودية إطارها
--------------------------------
هناك أمران لا بد منهما:
1) اغلاق سبل البث الألكتروني في وجه داعش. فلا بد أن تعمل الدول وحكوماتها على اغلاق سبل استخدام شبكة النت العنكبوتية في وجه الدولة الاسلامية وغيرها من التنظيمات الارهابية مهما كان شكلها أو وسائل بطشها، مع بقاء (للأسف) امكانية استخدام وسائل البث الاذاعي الذي ربما يكون وصوله الى المستمعين والمتابعين أكثر صعوبة، وخصوصا اذا استخدمت وسائل التشويش عليه، ولكنه بكل تأكيد، لن يكون باليسر والسهولة التي تحققها وسائل التواصل الاجتماعي أو الألكتروني عبر الشبكة العنكبوتية.

2)تضييق المراقبة ضمن حدود القانون والمفاهيم الدمقراطية وحقوق الانسان، على الجاليات الاسلامية والشرق أوسطية والتي أكدت سلسلة العمليات المنفذة قديما وحديثا، أنها قد نفذت جميعها من منتمين للطائفة الاسلامية، لكن من ألمؤمنين منهم بالمفاهيم الاسلامية المتشددة التي يأباها الدين الاسلامي الحنيف المعروف بالاعتدال والوسطية. اذ كان من بين المنفذين أفغان وايرانيون وسوريون، بل وأخيرا كان منهم فنلنديا من أصل صومالي، وهو منفذ عملية الطعن في لندن.

لكن كيف يمكن احكام الطوق وتشديد المراقبة على هؤلاء مع الحفاظ على الحدود الدنيا من مفاهيم الدمقراطية والمثل العليا وحقوق الانسان؟

بدأت فرنسا حديثا تتجه لاغلاق بعض الجوامع التي تحض في خطاباتها على الكراهية للآخر (غير المسلم)، كما أخذت تفرض على المتاجرالتي تبيع لحوم ذبح حلال، ببيع مواد أخرى كالخمرة مثلا، نفيا لصفة التشدد الاسلامي فيها. ولكن هذه وتلك من الاجراءات التي قد تتبع لاحقا، فيها بعض النيل من حقوق الانسان وحريته. وهذه قد تساعد على تحجيم عدد المتوجهين للانتماء رسميا وفعليا للدولة الاسلامية، لكنها لن تحول دون ظهور الذئاب المنفردة وتفاعلهم مع توجهات الدولة الاسلامية.

والواقع أن الحيلولة دون ظهور هؤلاء وتفاعلهم مع توجهات داعش يظل أمرا مستعصيا خصوصا مع بقاء وسائل الدعاية التي تمارسها تلك الدولة عبر الاذاعات الصوتية أو الشبكة العنكبوتية. فما يهم في هذه الحالة، هو القاء الضوء ولو اليسير منه عليهم، لاخراجهم من اطار المجهول الذي يحتمون به ويختفون وراء ستاره. وهذا لا يفضي اليه الا مزيد من التحقيات مع كل من يشتبه بوجود توجه اسلامي متشدد لديه. ومع ذلك، فان التحقيق مع هؤلاء المشتبه بهم، قد لا يكون ممكنا بدون مبرر، لتنافيه مع مفاهيم الدمقراطية وحقوق الانسان. كل ما في الأمر، انه بوسع الدولة ان تعدل قوانينها لتختلق مناسبات اكثر تضطر أولئك لمراجعة الدوائر الأمنية مرات أكثر، بمناسبات أكثر، ضمن حدود ومتطلبات القوانين المعدلة.

فالمقيم في دولة أوروبية مثلا، سواء كان يتمتع بجنسيتها، أو يتواجد على أراضيها ضمن قوانين الاقامة المؤقتة او الدائمة او لغايات العمل، يمكن تفعيل قوانين توجب عليه مراجعة الأجهزة الأمنية لمرات أكثر مما اعتاد أن يفعله في الظروف الحالية. فاصدار اذن عمل أو تجديد اقامة، يفترض معه بموجب التعديلات المقترحة، أن يراجع الدوائر الأمنية، على أن يواكبمراجعته تلك، جلسة تحقيق مكثفة يشارك فيها خبراء في علم الجريمة وعلم النفس لاستقصاء طبيعة شخصيته ونوعية توجهاته، وذك من خلال السؤال والجواب، مع توجيه أسئلة استفزازية متعمدة لدراسة ردود فعله النفسية، ومدى تشدده الديني، وتوجهه نحو ظلامية الطرح الداعشي الخطير. ففي حالة كهذه، قد ينكشف الخفاء عن البعض، وتثور الشكوك والتساؤلات التي قد تستدعي المراقبة المكثفة لهذا أو ذاك، بغية الحد وتخفيض عدد من يقف في عالم المجهول، أو في خلية الأشباح غير المرئية للعيان.

وقد يمكن توسيع مطلبات مراجعة الأجهزة الأمنية لتشمل من يطلب عقد زواج، أو استصدار رخصة سواقة، أو رخصة لفتح متجر ما، او اذنا لاستبدال موقع الاقامة، وغير ذلك من الأسباب التي يستطيع القانون ايجادها، ابتكارها، والتوسع بها، ممارسا حقوقه السيادية على أراضيه، ودون أن تكون تلك الاجراءات قد حدت كثيرا من المفاهيم الدمقراطية، أو من مراعاة حقوق الانسان ومقتضيات الحضارة الحديثة.

فالجهل هو أحد الأخطار التي تقود البعض للتحول الى ذئب منفرد، والمجهول هو الذي يبقيه في طيات الغياب والنسيان بعيدا عن الانظار، وقابعا في عالم الأشباح الخفي، في عالم متطور يرفض فكرة تواجد الأشباح وخصوصا الشريرة منها التي كانت ترد في روايات الأولين، وهو يرفض الآن تواجد أشباح بشرية بين صفوفه، سرعان ما تفاجئه بتحولها من شبح صامت خفي، الى ذئب منفرد يقتل ويؤذي الأبرياء من الناس.