الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحج والسلام بين البشر


ملايين البشر من مختلف الأصول والعرقيات والأجناس والألوان، جميعهم يقفون على صعيد واحد، يلبسون زى واحد،  ولون واحد، لا فرق بين عربى وغير عربى، لا فرق بين أبيض وأسود، لا فرق بين رجل وامرأة، الكل سواسية، الكل يدعو الله الخالق لكل شئ ان يغفر له كل شئ.

إنها وقفة عرفات فى الحج، حيث يقف ملايين المسلمين على جبل عرفات جنبًا الى جنب، يرتدون جميعًا أغنياء وفقراء قطعتين فقط من الملابس البيضاء، فى مساواة عظيمة بين الناس، محظور عليهم الجدال، فالجدال قد ينقلب الى خلاف , ولا خلاف بين البشر فى ايام الحج , ومحظور عليهم ان يقطعوا شجرة أو يصطادوا طائر أو حيوان مهما كانت الاسباب , ومحظور عليهم ان يضعوا البرفانات والعطور كى لا يتباهى الاغنياء على الفقراء , فلا غنى فى هذا اليوم غير الله الغنى عن كل خلقه , والكل فقراء الى الله.

فى هذا اليوم الانسان والحيوان والنبات آمنون تمامًا , لا أحد يجرؤ على معصية أوامر الله بإيذاء أى من مخلوقات الله، أنها رسالة سلام للجميع، تبدأ منذ لحظة نية الانسان الحج وارتداء ملابس الإحرام وحتى التحلل من الإحرام، ومن المسلمين من يرتدى ملابس الاحرام لعدة أيام ومنهم من يرتدى ملابس الاحرام لأسابيع , وخلال تلك الفترة يعيش فى سلام مع الجميع , يعيش آمن ومن حوله آمن سواء كان أنسان أو حيوان أو نبات , أنه تهذيب للنفوس البشرية.

ففى أعمال الحج رسالة سلام عملية للجميع بأن الاسلام هو دين سلام , لا علاقة له بأى عنف فى أى مكان على وجه الارض , فالحج وهو الركن الخامس فى الاسلام فيه يعيش الانسان فى سلام مع كل مخلوقات الله , فيه فترة تدريب وتهذيب للنفوس البشرية كى تعتاد فيها على العيش بسلام مع كل خلق الله , فلا فرق بين غنى وفقير , ولا فرق بين اسود وابيض من البشر , الكل سواسية , الكل سواء , الكل خلق الله , والكل يرجون رحمة الله .

والمتفكر فى أركان الاسلام الخمسة يجد كل ركن فيها هو ركن للسلام بين الناس , بداية من الشهادة لله بالوحدانية , وهى شهادة تؤكد للجميع ان الله خالقنا جميعًا , وان كل البشر من الله والى الله , وكل البشر على وجه الارض أخوة , وهو ما يدعو الى السلام بين جميع خلق الله , فطالما آمنا بوجود الله وبأن الله هو خالقنا جميعًا , فنحن أذن أخوة متساوون , الفرق بين أنسان وآخر هو الاخلاق الكريمة , وهى مكتسبة , يكتسبها الانسان من تعاليم دينه ومن المجتمع الذى يعيش فيه , ثم الشهادة بأن سيدنا محمد رسول الله , الذى جاء ليتمم مكارم الاخلاق كما أخبر عن نفسه قائلًا ( أنما بُعثت لأتمم مكارم الاخلاق ) , وكان صلى الله عليه وسلم دائمًا يصف الانبياء السابقين له صلوات الله وسلامه عليه وعليهم آجمعين بأخوته .

والركن الثانى من أركان رسالة السلام للبشرية هو الصلاة , وهى مشروعة فى كل الاديان السماوية , حيث يقترب الانسان من ربه فى أوقات حددها له , والصلاة مشروعة فى كل رسالة سماوية , وفيها يصطف المسلمون أيضًا فى صفوف متساوية لا فرق بين وزير وغفير , لا فرق بين غنى وفقير , الكل خلق الله ينفذ أوامر الله ويبتغى رضا الله .

ثم يأتى ركن الزكاة حيث مطلوب من كل غنى أن ينفق جزء معلوم من ماله على الفقراء والمساكين , وهى مشروعة فى كل الرسالات السماوية أيضًا , فكل الاديان جاءت من عند الله , وكلها هدفها مصلحة البشرية , وفيها ينفق من أعطاه الله المال على من جعل الله حقه فى المال عند أخيه الانسان , ولو شاء الله لجعل الغنى فقيرًا وجعل الفقير غنيًا , ولو ألتزم كل أنسان بالزكاة لما وجدنا محتاج على وجه الارض , والزكاة أمان للغنى قبل الفقير , فأقل ما فيها أطمئنان الغنى أنه لو أفتقر فلن يموت جوعًا لأن حقه عند من صار غنيًا سيصل إليه .

وأخيرًا يأتى ركن الحج ليعلن على الملأ المساواة بين الناس جميعًا , فخلال عدة أيام تؤكد مشاعر الحج ان الاسلام هو رسالة سلام للجميع , وان جوهر الاسلام وحقيقة الاسلام هو المساواة بين الناس، فعندما تقف كل جنسيات البشر على مختلف أصولها وأعراقها والوانها فى سلام وأمان فى مكان واحد بملابس بيضاء موحده يأملون رضا الرحمن الواحد فهذا ليس له سوى معنى واحد هو ان الاسلام دين سلام جاء من أجل السلام بين الناس جميعًا.

 أسأل الله لكل المسلمين الحج، ولكل المسيحيين القدس، ولكل البشر على وجه الارض الخير والسلام .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط