الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حصالة الفكة


بعيدًا عن تأييد أو معارضة مبادرة السيد الرئيس الخاصة بفكة البنوك، فإننى أود التعرض لنقطة فى غاية الأهمية، وهى الدفع أو التنازل الاجبارى أو الودى عن الفكة فى تعاملات المصريين اليومية، سواء بينهم كأفراد أو مع المؤسسات، وهو ما بات يشكل عبئا كبيرا غير مرئى على كاهل المواطنين، وهو شئ تتميز به مصر كثيرًا بالمقارنة بسائر الدول حول العالم.

ومشكلة الفكة أو الجنيهات القليلة التى يتركها أو يدفعها المواطن لأحد الطامعين فيها سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا، هى أنها قليلة القيمة فى المرة الواحدة، ولكنها كثيرة فى عددها، ولذا يعتقد من يأخذها أنه لم يسبب ضررا كبيرا لمن أخذها منه، فهو يراها مجرد جنيهات لا تسمن ولا تغنى من جوع.

لكن هذه الجنيهات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع التى يدفعها المواطن أو يتركها رغمًا عنها سواء بدافع الحياء أو بدافع عدم وجودها، لا يدفعها مرة واحدة فقط فى السنة أو فى الشهر أو فى الاسبوع أو فى اليوم، بل قد يدفعها أو يتركها مرات عديدة فى اليوم الواحد ولكن مع تغير الأماكن أو الأشخاص.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، عند زيارة أحد المواطنين لمريض فى عيادة أو مستشفى قد يترك جنيها واحدا زيادة لسائق التاكسى الذى أوصله، وجنيه آخر فرق تذكرة دخول للمستشفى، وجنيه آخر باقى ثمن كوب شاى أو زجاجة عصير، وهكذا جنيهات منفردة ومتتالية فى عدة تعاملات بسيطة وسريعة، وفى كل مرة ينظر الى الجنيه كشئ لا قيمة له، وآخر اليوم يجد نفسه قد تنازل برضى أو بغير رضى عن عشرة جنيهات على الأقل دون داعٍ كان من الأفضل أن يتركها للمريض كنوع من التضامن معه فى مرضه .

وقس على ذلك كل التعاملات اليومية فى المستشفيات وفى المصالح الحكومية وفى الأقسام وفى المحاكم وفى كل مكان فى مصر، فمن يأخذ ما لا يستحق يعتقد أنه لم يضر من أخذ منه، وصار من يأخذ من غيره فى مكان ما يدفع لغيره فى مكان آخر، فى حلقة جهنمية سببها استقواء المواطنين بعضهم البعض.

 والأصل أن الكل ضعيف والكل بحاجة الى رحمة الكل، وهو ما حذرنا منه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (ما اُخذ بعين الحياء فهو سُحت).

ولذا يجد المواطن نفسه يشتكى ما يسميه تبخر الفلوس فى يده، وعدم قدرته على مواجهة أعباء الحياة المتزايدة، ولو أصر كل مواطن على عدم دفع أى مال مهما قل أو كثر إلى من لا يستحقه سيجد نفسه قد وفر مبلغًا هو وأولاده أولى به من غيره ، بكل تأكيد الحفاظ على الفكة أو عدم تركها أو دفعها لمن لا يستحقها ليست الحل السحرى لزيادة الدخل، لكنها أحد الحلول للحفاظ على دخل المواطن .

ونقطة أخرى تأخذنا اليها قضية الفكة، وهى قضية التوفير فى المشتريات الضرورية عن طريق البحث عن الأفضل والأرخص، فليس عيبًا أن يبحث المواطن عن أفضل سعر خضار وأفضل سعر لحوم وأفضل سعر بقالة، فلو وفر خمسة جنيهات فى كل بند من بنود المشتريات اليومية سيجد نفسه آخر الشهر قد وفر مبلغًا يستعين به فى قضاء باقى احتياجاته اليومية أو الشهرية .

قد يستهين البعض بهذا المقترح لبساطتته كما يستهين بالفكة التى يتركها فى كل مكان، ولذا أقترح أن يجرب كل واحد منا ان يضع ورقة صغيرة يسجل فيها كل جنيه فكة تركه أو تنازل عنه فى تعاملاته اليومية، ثم يحسب بنفسه آخر الشهر كم جنيهًا ضاع منه بدون فائدة، أو يعود الى ذكريات الطفولة، وكل جنيه تمسك به فى تعاملاته يضعه فى أى درج صغير فى بيته كحصالة الطفولة، ويحسب آخر الاسبوع أو الشهر كم مائة جنيه قام بتوفيرها لنفسه ولأسرته.

ففى ظل التضخم الذى يزيد يومًا بعد يوم، بات علينا جميعًا البحث عن حلول بسيطة وعملية تمكنا من مواجهة أعباء الحياة حتى تتحسن أحوالنا الاقتصادية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط