بالصور.. أحمد الشوكي: التاريخ يؤكد سماحة الإسلام مع اليهود والمسيحيين
أكد الدكتور أحمد الشوكي مدير عام متحف الفن الإسلامي، أن الحضارة الإسلامية تؤمن بالتنوع رغم أن الوحدة تمثل جوهرها، وطبيعة الدين الإسلامي أنه لا يحجر علي الأديان الأخري ولا يجبر أحد الدخول فيه، ولو رجعنا إلي بداية الرسالة النبوية للنبي محمد "ص" عندما بعث وذهب إلي غار ثور، ثم عاد منه لنجد أن من فسر رؤية النبوة هو ورقة بن نوفل وكان من كبار علماء الدين المسيحي.
وقال "الشوكي" في تصريحات لـ"صدي البلد": كبار الرهبان قالوا لعم الرسول أن هذا الفتي سيكون له شأنا كبيرا، ولابد أن تعتني به، وكان المسيحيون لهم دورا كبيرا في التبشير بقدوم الرسول، واليهود أيضا قاموا بنفس الدور، وأحبار اليهود في المدينة عندما هاجر محمد إليها كانوا يبشرون بقدومه، وبعض الخلفاء تجاوزوا قواعد الدين الإسلامي السمح، وهذا لا يعني أن الدين والحضارة الإسلامية أخطأت بل من أخطأ هو السلطان أو الخليفة.
وأشار إلى أن كتابات بعض المستشرقين ومنهم الألمانية سيجريد هونكه، التي كان لها كتاب "شمس العرب تسطع علي العالم"، قالت فيه إن "لا إكراه في الدين" تلك هي كلمة القرآن الملزمة، لم يكن الهدف من فتوحات العرب نشر الدين الإسلامي، وإنما بسط سلطان الله في أرضه، وإلا لم نكن نجد حتي الآن مسيحيين ويهود في مصر.
وكشف "الشوكي" أن التاريخ الإسلامي ممتلئ بأدلة على سماحته، منها رسالة لأبوعبيدة بن عامر بن الجراح، في بداية الفتوحات الإسلامية سنة 13 هجريا، كانت مرسلة من مسيحيي الشام وقالوا فيها: "يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا علي ديننا، أنتم أوفي لنا وأرأف بنا وأحسن ولاية علينا"، وهذا يشير إلي الصورة الذهنية التي تكونت عن المسلمين في بداية الفتوحات الإسلامية.
وأشار إلي أنه في العصر الأموي معاوية بن أبي سفيان اختار مسيحيا اسمه ابن أثال، وهو طبيب وقربه له وجعله طبيبه وكاتبه الخاص، وهذا راجع في المقام الأول لموهبته ولو كان لديه حساسية لما كان اختاره لهذا المنصب، كذلك عبد الملك بن مروان اختار سرجون بن منصور الرومي كاتبا على ديوان الخراج، أي أنه ولي غير مسلم في منصب مهمته جمع كل أموال المسلمين، وهذا دليل علي قمة التسامح، حتي أن أسرة سرجون من بعده توارثت هذا المنصب.
وفي العصر العباسي كانت مهنة الطب قائمة علي أطباء مسيحيين ومنهم"جبرائيل بن بختيشوع" و"علي بن ربن الطبري" و"يوحنا بن ماسويه" و"إسحاق بن حنين" وغيرهم من الأطباء، وفي العصر الطولوني كان أحمد بن طولون له اثنان من الكتبة مسيحيين أحدهما كان يدعى يوحنا بن موسى، كما استعان"بن طولون" بمهندسين مسيحيين في تشييد العمائر الخاصة به، أما العصر الإخشيدي كان قمة في التسامح والتعامل مع المسيحيين والنصاري واليهود، وتولي خراج مصر في هذا العصر مسيحي يدعي إبن عيسي بقطر بن شفا.
وتابع: من أهم الشخصيات اليهودية التي كانت بمصر في العصر الفاطمي "يعقوب بن كلس" وهو من أشهر وزراء هذا العصر، وكان"بن كلس" أيضا في العصر الإخشيدي يعمل ببيت المال أيام كافور الإخشيدي الذي أعطي تعليمات بأنه لا يصرف أي درهم ولا دينار إلا بتوقيع بن كلس، وفي العصر الفاطمي كانت الخلافة العباسية في بغداد والفاطمية في مصر الوزيرين الخاصين بهما مسيحيين، وكان في مصر عيسي بن نسطورس وفي بغداد كان نصر ابن هارون.
وأشار الشوكي إلي أن كثيرا من الجنود المسيحيين كانوا مع صلاح الدين الأيوبي في مقاومة الحملات الصليبية، وكان صلاح الدين يتعامل معهم بطريقة فوق العادة، لدرجة أن كثيرا جدا من الأوروبيين حاليا ينظرون لصلاح الدين في مرتبة القديسين، وفي هذا العهد كان معظم الكتبة في الديوان والجيش وغيره من المسيحيين، وفي عهد الملك العادل أخو صلاح الدين كان "ابن الميقاط" المسيحي كاتب جيوشه، وكان لديه في ديوانه جماعة من الكتاب الأقباط، وكان ابن الميقاط في سفره بين الشام ومصر مرافقا للسلطان العادل، يصحب حاشيته القبطية معه ويقومون بطقوس عبادتهم في الطريق بكل حرية، واصطحب معه القس داود بن يوحنا بن لقلق ليصلي بهم، وفي العصر المملوكي كان"إبن صغير اليهودي"أحد أطباء الناصر محمد بن قلاوون.
وفيما يتعلق بمقتنيات المتحف الإسلامي، قال الشوكي إنه من القطع المهمة بالمتحف قطعة تعود للعصر الفاطمي، عبارة عن جزء من إناء يرجع للقرن 4-5 هجري ومزين بالبريق المعدني، وعليه صورة تمثل السيد المسيح ويمسك كتابا، وهذا يعني أنه كانت في العصر الفاطمي وجود للفن المسيحي، كذلك من القطع التاريخية المهمة جدا في المتحف جزء إناء من الخزف عليه رسوم ملونة تمثل السيدة العذراء والسيد المسيح، كذلك لدينا في المتحف باب من مسجد السيدة زينب، ويعد من أكبر الأبواب المصفحة بالفضة من القرن 19، وهذا الباب عليه توقيع الصانع وكان يهوديا اسمه يهودا أصلان، وهذا كله يؤكد أن الحضارة الإسلامية احتوت الآخرين ولم تنبذهم.