الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أيهما أولى بالإنفاق؟


عندما كان غالبية المسموح لهم بالظهور الإعلامى يتغنون بمشروع تطوير مجرى قناة السويس وأزدواجه، كنت أقول للجميع المشروع كعمل هندسى رائع، لكننى كنت أعرف أن التوقيت لم يكن مناسبا لمصر تمامًا من الناحية الاقتصادية، ولم أكن وحدى من يرى ذلك، وقد وصلنا اليوم إلى مرحلة القبول بشروط صندوق النقد الدولى نتيجة أن مشروع التفريعة الجديدة كان أحد أهم أسباب استنزاف الاحتياطى النقدى من الدولار.

واليوم أرى خطوات كبيرة فى طريق مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ونفس الوجوه المسموح لها بالظهور الإعلامى تغرد أيضًا للمشروع ليل نهار، بكل تأكيد الكل يحلم بعاصمة تليق بمصر، أقدم دولة عرفها الإنسان بمفهوم الدولة الحديث، والكل يحلم بإنجاز العاصمة الإدارية الجديدة يومًا ما ليفتخر بها أمام العالم، لكن الكل يحلم أيضًا بأن يشبع الجميع لكى يستطيعوا أن يفتحوا أعينهم ليروها، والكل يحلم أيضًا أن يسكن الجميع فى مساكن لائقة، ويلبس ويتعلم ويتعالج -إن احتاج الى العلاج-، فهذا أيضًا ما يتمناه قبل أن يتمنى رؤية العاصمة الإدارية الجديدة، فالعراة لن تبهرهم أضواءها بل ستلسعهم حرارة شمسها فى الصيف وبرودة هوائها فى الشتاء، والجوعى لن تشبعهم رؤية مطاعمها الفارهة.

وأخشى أن تكون صور القاهرة فى الاربعينات والخمسينات التى كانت تضاهى مدن أوروبا جمالًا وتألقًا قد أنست الجميع أنه فى ذلك التوقيت أيضًا كان الفقر والمرض ملازمان للغالبية العظمى من سكان مصر، فالصورة كانت لها وجهان متضادان تمامًا، لكن من لم يعش هذه الايام لا يرى غير هذه الصور.

ففى الوقت الذى تعيش فيه آلاف الأسر المصرية اليوم فى المقابر يصبح من الصعب على أحد أن يتباهى بتلك العاصمة الإدارية الجديدة، لأنها ستكون دليل إدانة وليس دليل إنجاز اذا تم استكمال بناء العاصمة قبل بناء مساكن لساكنى المقابر، وسوف يذكرنا التاريخ فى باب غير باب بناة المدن الكبرى، لن يكتبنا مع أحمس الذى بنى طيبة أو الاسكندر الأكبر الذى بنى الإسكندرية.

لذا فإن كان لابد من بناؤها فى هذا التوقيت، فليكن على فترات زمنية طويلة، ونبدأ بالأقل تكلفة، والأجزاء التى تعتمد على الخامات المحلية، وليكن العمل بواسطة شركات مقاولات مصرية فقط، والمعدات المستخدمة يجب أن تكون معدات شركات مصرية فقط، فأى شيء غير ذلك سيكون استنزافًا لمزيد من العملة الصعبة يتبعه مزيد من الرضوخ لشروط جديدة لصندوق النقد الدولى ان وافق أصلًا على إقراضنا من جديد.

ونقطة أخرى أخشى من الوقوع فيها، وهى دراسات الجدوى النظرية، التى تعتمد على احتمالات بيع المنطقة الاستثمارية ومنطقة السفارات بالدولار لتسديد أى مستحقات للشركات أو الدول الأجنبية العاملة فى المشروع، اعتمادًا على طلب غير مؤكد من دول لا نعرف توجهاتها المستقبلية، وسنجد أنفسنا نقبل ما هو معروض علينا دون نقاش، يجب أن نتعلم من الماضى، لم أطلع على دراسات الجدوى التى تم عملها كى أحكم عليها، ولكننى تابعت على أرض الواقع بعض التجارب السابقة فى المشروعات العقارية الكبرى فى مصر.

فالمستثمر الأجنبى الذى يشترى قطعة أرض كبيرة بالعملة الصعبة، يقوم بتجزئتها وإعادة بيعها بأسعار مضاعفة للمواطنين مرة أخرى، ثم يحول أمواله وأرباحه الى الخارج، هو مجرد تاجر جملة متجول فقط لا غير، اشترى منك بالجملة وباع لأخوتك بالقطاعى وحول أمواله وأرباحه خارج البيت، لذا فإن المحصلة النهائية هى أنه أخذ منك عملة صعبة أكثر مما أعطاك.

إذن فنحن اليوم بحاجة إلى دراسة مكان كل خطوة نخطوها بدقة شديدة، فالوضع الاقتصادى حرج والأوضاع الاجتماعية أكثر حرجًا، ومصر دولة يسكنها أكثر من 90 مليون إنسان، عدد كبير منهم بات يعانى، ولكن هذه المعاناة يمكن تخفيفها بسهولة ويسر أن أعدنا ترتيب الأولويات، وأعدنا توجيه موارد الدولة نحو تخفيف حقيقى للعبء عن الناس، مازلنا نتملك القدرة على الصمود وإعادة الانطلاق الاقتصادى من جديد أن أحسنا استخدام وتوجيه ما نمتلكه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط