الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الزيادة الصحيحة لأسعار الأدوية


تعرضت فى مقالى السابق (الدواء والمريض الحائر)، حول زيادة أسعار الدواء إلى التكلفة الحقيقية للأدوية , وكيف أن قرار السيد وزير الصحة الخاص بزيادة أسعار الأدوية كان هناك ما هو أفضل منه , وفى مقالى هذا سوف نستعرض سويًا كيف كان بالإمكان زيادة أسعار الأدوية على مراحل بصورة أفضل , بما يحقق التوازن بين مصلحة المريض ومصلحة شركات الأدوية .

فالقرار السابق من الناحية النظرية كان من المفترض أن يؤدى إلى زيادة أسعار 15 % فقط من الأدوية , ولكن من الناحية العملية أدى إلى زيادة الغالبية العظمى من أسعار الأدوية المتداولة فى الأسواق , وسبق وأن شرحنا السبب فى المقال السابق , فما هو المخرج لهذه المعضلة فى المستقبل ؟

معروف فى عالم الأدوية أن هناك شركة متخصصة فى بيانات مبيعات الأدوية فى مصر , هذه الشركة تمتلك إحصائيات دقيقة لمبيعات كل شركة وكل دواء متداول فى الأسواق , وكان من المفترض أن يطلب السيد وزير الصحة هذه البيانات عند تحديده نسبة الخمسة عشر بالمائة من الأدوية التى سيتم رفع أسعارها بالنسبة لكل شركة , وبدلًا من ترك الشركات تختار ما يناسبها ويحقق مصلحتها فقط , كانت الوزارة تختار الأدوية التى ستزيد أسعارها , بطريقة توازن بين مصلحة المريض ومصلحة الشركات المنتجة أو المستوردة للأدوية , هذه نقطة .

ونقطة أخرى وهى أن التسعيرة الجديدة لم تفرق بين دواء تم تسعيره منذ ثلاثين عامًا وبين دواء تم تسعيره خلال هذا العام , فبكل تأكيد الدواء الذى مضى على تسعيره أكثر من ثلاثين عامًا كان من المفترض أن يزيد بنسبة تختلف عن الدواء الذى تم تسعيره خلال هذا العام , لكن الزيادة فى الأسعار لم تفرق بينهما , ولذا تجد أدوية كثيرة حديثة التسجيل زادت أسعارها بنسبة خمسين بالمائة مرة واحدة دون مراعاة أن سعرها مرتفع منذ البداية.

لأنه من المعروف أن الأدوية المكتشفة حديثة تكون أسعارها مضاعفة , كى تستعيد الشركات تكاليف الأبحاث التى تم إجراؤها عليها عند اكتشافها وتسجيلها وبيعها لأول مرة , ولذا فإن تطبيق نفس نسبة الزيادة فى الأسعار عليها لم يكن قرارًا مناسبًا على الإطلاق , وكان من الافضل أن تكون هناك علاقة بين سنة التسجيل والتسعير فى مصر وبين نسبة الزيادة فى سعر الدواء .

فعلى سبيل المثال لو لدينا دواء تم تسعيره فى مصر عندما كان سعر الدولار ثمانون قرشًا فى الثمانينيات , ودواء آخر تم تسعيره فى مصر عندما كان سعر الدولار ثمانية جنيهات العام الماضى , فإن تكلفة الخامات على دواء الثمانينيات أعلى عشر مرات من تكلفة الخامات على دواء العام الماضى , وبالتالى كان من الطبيعى أن يتم زيادة سعر دواء الثمانينيات بنسبة أعلى عشر مرات من نسبة زيادة سعر الدواء الجديد , وليس المساواة بينهما فى نسبة الزيادة .

ولذا كان من المنطقى أن يتم زيادة نسب الأسعار بناءً على سنة التسجيل والتسعير وليس بناءًا على سعر الدواء فقط لا غير , لأن الزيادة بناءً على سعر الدواء لم تحقق سوى مصلحة الشركات فقط لا غير لأنها اختارت ما يحقق لها أعلى الأرباح , سواء كان بسبب نسبة التوزيع العالية للدواء الذى اختارته لزيادة سعره , أو بناءً على نسبة ربحيتها من هذا الدواء الذى اختارته للزيادة .

ومن هنا أتمنى , ولا نملك فى هذا البلد غير التمنى , أن يتم مراعاة ذلك عند تطبيق المراحل القادمة من مراحل الزيادات لأسعار الدواء , وان كانت المرحلة الاولى قد قصمت ظهر المريض المصرى , لأنها شملت كما سبق وان قلت الغالبية العظمى من الأدوية المتداولة بصورة فعلية .

أما النقطة الأخيرة فى مقالى , وهى وجود سعرين للأدوية فى الصيدليات , سعر قبل الزيادة وسعر بعد الزيادة , على أساس نظرى مفاده أن الصيدلى وفر الدواء بسعر رخيص ويجب أن يبيعه بسعر رخيص , ولكن من الناحية العملية فإن الصيدلى سوف يقوم بتوفير نفس الدواء من الشركات المنتجة بالسعر الجديد , أى أنه مطالب أن يبيع الدواء بسعر , ثم يعود ليشتريه مرة أخرى بزيادة خمسون بالمائة , وهو ما يتطلب منه زيادة رأس ماله خمسون بالمائة مرة واحدة , كى يحافظ على تواجد أصناف الادوية لديه.

وأرى والله أعلم ان هذا الكلام غير عملى جملة وتفصيلًا , ولن نجنى منه غير شغل الرأى العام لفترة قصيرة , والايحاء بأن الصيادلة هم المسئولون وحدهم عن الزيادة فى الاسعار , وتحميل الصيدلى عبء القرار بصورة مؤقتة, وخلق حالة من الجدال داخل كل صيدلية , كمن يعطى مسكن لمريض للايحاء له بأنه العلاج الأمثل وهو واثق من وفاته , لأنه آجلًا أو عاجلًا سيتم استهلاك كل الأدوية المسعرة قديمًا , وسيجد المريض نفسه أمام الاسعار الجديدة فى جميع الصيدليات خلال أيام أو أسابيع معدودة فقط لا غير .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط