ضحايا الوهم

قلق ينتابنا كلما واجهتنا عوارض صحية، أو قررنا الذهاب إلى المستشفى للعلاج.. وكوابيس تطاردنا كلما طلب الطبيب منا عمل فحوصات أو تحاليل طبية، لتقييم ملابسات الشكوى التي نعاني منها، أو معرفة علاجها بالتحديد.. نُصاب بالهوس والتوتر، أو ربما يموت البعض منا من شدة الخوف، عندما نكتشف أنه لا بديل عن إجراء عملية جراحية.. رحلات من العذاب نبدأها داخل دهاليز المستشفيات، كلما قررنا الخضوع لجلسات علاج، جعلتنا نعيش في مخاوف مستمرة، وقلق دائمًا لا يتوقف، وجعلت البعض منا يلجأ إلى ظاهرة خطيرة جدًا، وهي مقاطعة المستشفيات.
أصبحنا ضحايا للوهم، نعيش في زمن غريب، تلاحقنا فيه صعوبات عجيبة، وتواجهنا من البعض تصرفات غير مفهومة، نستبيح فيه الخطأ، ونُقر فيه المحظور، ونستهين فيه بأعز ما نملك، ولا عزيز أعتقد لدينا سوى «الصحة»، لظروف إما نفسيه وإما ماليه، كانت حصيلة سنوات طويلة عشناها من الفساد والتدني في كل شيء، عاصرناها بعهود أشبه بالظلام الدامس، كالذي مر على قرية خاوية على عروشها من شدة الجهل، فزجت بمواطنيها في جحيم المرض، ووقفت مكتوفة الأيدي أمام علاج أوجاعهم حتى فترة قصيرة.
لماذا وصلنا إلى هذا الحال ؟.. المرضى في جميع أنحاء العالم يتعاملون مع مؤسسات القطاع الصحي على أنها أماكن للتعافي والشفاء، ويعتبرون جلسات العلاج بها عبارة عن رحلات ترفيهية تثقيفية، يتعلّمون خلالها الممارسات والسلوكيات السليمة، الواجب إتباعها عن حدوث أي عارض، بل يلجأ الكثير منهم في أغلب الأحيان إلى عمل فحوصات طبية دورية احتياطية، للاطمئنان على صحتهم، ربما دون أن يعانوا من أي مشكلات صحية.
إحصائيات بريطانية أكدت في تقارير رسمية لها أن 80% بحد أعلى من المترددين على العيادات، و30 % منهم بحد أدنى، يعانون من الوهم، وليسوا مُصابين بأية أمراض عضوية، يقومون بإنفاق الأموال الطائلة على فحوصاتهم بأشعة دقيقة وتحاليل دم وجراحات استكشافية عالية التكاليف، علاوة على استهلاكهم ساعات طويلة من وقت الأطباء، كما أن خبراء نفسيون أيضًا أكدوا في تقارير رسمية أعدوها حول هذا الشأن، أن مئات الحالات انهارت حياتهم ومستقبلهم العلمي بسبب هذا الوهم.
الواقع الذي لا يعمله الكثير منا أن مستشفيات الحكومة في مصر بها أقسام علاج ذات إمكانيات عالية، وأجهزة طبية من أحدث الأنواع، تبلغ تكاليفها ملايين الجنيهات، ولا تعادلها أجهزة أخرى بالقطاع الاستثماري، هذا القطاع الأكثر نجاحًا والأفضل خدمة، بالمقارنة بباقي مستشفيات الدولة التي ما زالت تفتقد الإدارة والإرادة في الإصلاح.. نفتقد أيضًا دور «الطبيب الناصح» صاحب الرفق بمريضه في التعامل، وحسن المقابلة، واطلاعه على كل ما يخصه من معلومات في شكواه، ونتائج الفحوصات، وطرق التشخيص المتوفرة، والعلاج، وأخيرًا العنصر المهم والأهم وهو الحديث معه بأسلوب هادئ مطمئن يفهمه ويرتاح إليه.