على حسن السعدنى يكتب:سر قيادة الفرد للاخرين

المحور الأول : المبادئ : إن المحور الأول في القيادية هي المبادئ التي يحملها ذلك الشخص , كالإنسانية , والحرية , والثورة , والاقتصاد ,والحكمة ,والدين , والأخلاق , والمحبة .. الخ .
لكن أليس هنالك الكثير من الأفراد الذين يحملون هذه المبادئ في المجتمع , فلماذا هنالك شخص أو شخصين منهم يتميزون بالقيادة بينما الآخرين لا يفعلون ذلك ؟ على أساس هذا السؤال هنالك محورين آخرين .
المحور الثاني : الأطر العصرية للمبدأ:إن البشرية لها أساليب وأطر حياتية متقلبة مع مرور العصور , وفقا لما تتوصل إليه من رؤى واكتشافات وأفكار وآلات جديدة , بل وشخصيات أو جهات أو فئات قيادية جديدة للأجيال ؛
فعندما تعتمد هذه الألوان الحديثة , فهي تحتاج إلى الانسجام بين المبادئ الحقة القديمة وبين الأطر والأصباغ الجديدة , وإلا فقد ترغب عنها , وتتقبل الأفكار الجديدة حسب تلونها بالألوان الجديدة لا حسب صحتها وأحقيتها , تتقبل الرؤى المنبثقة من الاكتشافات مهما كانت , تماما مثل الرؤى العلمانية , لأنها تعتبر الشيء الحديث من الاكتشافات بما أنه لم يذكر في المناهج الأخرى كالدين والتقاليد , اذن فهما أي الدين والتقاليد يعتبران تخلفا وقيدا للتطور .
إن القيادة تعتمد جدا على ظهور المبدأ بالأطر العصرية , بينما تجد آخرا يطرح نفس المبدأ , لكن لا قيادة له , لأنه لا يتكلم مع الشباب بلغة أفكارهم ورؤيتهم .
على سبيل المثال ، جبران خليل جبران ,الذي أخذ يكتب عن المسيح بالأسلوب والمنهج الأدبي الذي تميز به القرن الماضي , حيث كان الأدب ضمن أدوات التسلية والترفيه لدى الشاب ؛ فهنالك عملية عظيمة قام بها , حيث إن الشباب المسيحيين أصبح لديهم مقياس آخر للمبادئ من حيث رقيها , فكتب جبران لهم عن المبادئ المسيحية ما يجعل مقياسهم الحديث يشير إلى أنها مبادئ راقية , ولم يكتبها لهم بلغة الكنائس ؛
وعلى كل فقد حصل جبران على قيادة الشباب آنذاك . وهذا نفس ما فعله أحد المفكرين في إيران , والذي ألقى بنفسه في إحدى دوائر الشبهات والشكوك في تلك الفترات , بسبب الأطر التي استعملها في تقديم المبادئ الإسلامية الأصيلة , فلذا قاد الشباب , وكان له دورا عظيما في كسب الشباب الإيراني نحو الإسلام , وجعله يثور على النظام , ولكن هذا الدور لا يقر به الآخرون _إلا قليلا منهم_ مع الأسف .
إن تلك الأطر الجديدة تمثل المقاييس والموازين الجديدة لإبداع ورقي المبادئ , فمثلا في فترة من الفترات تكون أهم تلك المقاييس هي المنطق , فالفكرة الأكثر إبداعا ورقيا هي الأكثر منطقية , بينما في الفترة التي تليها يكون المبدأ الأكثر حداثة هو الأرقى , ثم يكون المبدأ الأكثر شفافية هو الأرقى , ولعله هذا ما ينطبق على مقاييس الجيل في عصرنا , اذن فالمقاييس تنسجم وعقلية الجيل أو رؤيته أو تطلعاته التي كانت هي أطروحة العصر .
ولعله من الأسباب التي جعلت القرآن الكريم يؤطر بإطار البلاغة هو أن البلاغة كانت أكبر تطلعات الإنسان العربي , بل مقياسه في تقييم المبادئ هو بلاغة الأبيات والأمثال التي تؤطر بها تلك المبادئ.
المحور الثالث : توغل المبادئ في أعماق الإنسان : وهو ما أطلق عليه القرآن كلمة "الإيمان" . إن الشخص لا يحصل على قيادة على أساس مبدأ إلا بعدما يستشعر المجتمع إيمانه العميق بالمبدأ , وأنه قد شغل همه حقا , وأخذ مأخذا من حياته , وأنه يضحي في سبيل ذلك المبدأ , فمثلا لا نجد مجتمع المستضعفين يلتف حول من يحمل مبدأ مواساتهم ونصرتهم ورفع الاستضعاف الاجتماعي والاقتصادي عنهم وهو شخص مترف , بل يلتف حول من له جانبين , الجانب الأول هو المبدأ الذي ينصر البسطاء , والجانب الآخر هو أن يكون حامل المبدأ هو أول مطبق وممتثل لمبدأه , فعندما يجد المجتمع بأن صاحب المبدأ قد حققه في نفسه , فسوف تنطلق الآمال في ذلك الشخص ويصبح قائدا ,.
كما نجد أن الشعوب تلتف حول الشخص الذي ينادي بالمظلومية ما إذا شعرت بأنه حقا إنسان محزون ومغموم بسبب مبادئه , ونجدها تلتف حول من ينادي بالقيم الراقية ما إذا جسدها في نفسه ليكون مصداقا حاضرا أينما ألقى مبادئه , ونجدها _على كل_ تلتف حول ذي الهمة والتضحية التي تثبت للناس صدق التمسك بالمبدأ مثل ارنيستو جيفارا ؛ لكن كل المضحين في التاريخ لا يضاهون شهيد الحرية والإباء الحسين عليه السلام .
ونختم الكلام بأن المبادئ التي تكسب المجتمعات والشعوب لها صفات تختص بنوع المبدأ وطبيعة الشعب والحضارة , وبمدى انسجام المبدأ مع التطلعات العصرية , فحتى لو كان من المبادئ الحقة الثابتة , لكن يجب أن يعرض وفقا للتطلعات الجديدة للجيل , ويجب أن تكون المبادئ قد تجسدت في صاحبها , وتركت أثرا على حياته , ليعرف الناس صدقه .