الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإرهاب الجديد .. التعريف والتحديات وآليات المواجهة


الإرهاب الآن يعتبر بمثابة أكبر خطر يواجه العالم كله بلا إستثناء، وخاصة الإرهاب الجديد الذي تخطى مرحلة الإرهاب التقليدي مستخدما أساليب جديدة ومتطورة كل يوم.

ومن المؤكد أن أي دولة مهما بلغت قوتها ومهما كانت تدابيرها محكمة لم ولن تستطيع مواجهة هذا الخطر الداهم بمفردها ، كما أن الحديث عن كيفية القضاء على الإرهاب أكذوبة كبرى ، فالإرهاب كأحد قوى الشر التي تتهدد الإنسانية وامنها وسلامها ووحدتها سيظل موجودا حتى قيام الساعة ، وهو ما يتطلب تضافر جهود الإنسانية كافة لمواجهته وحصاره ليصل إلى أدنى مستوياته.

والإرهاب الذي يتربص بالعالم اليوم بدأ يتخذ أشكالًا غير تقليدية كالتي عهدناها سابقًا كالتفجير والتفخيخ وترويع المدنيين العزل وإثارة الرعب في نفوسهم لتوصيل رسالة معينة لحكومات أو جماعات أو دول ،بل رأيناه يتخذ أساليب وتكتيكات متطورة للوصول للهدف الإستراتيجي المقصود للتوغل أكثر في تدمير البشرية وجعل خريطة العالم أكثر دموية وتوحشًا وسوادًا.

 والسؤال هنا : هل ستظل البشرية سواء على مستوى الحكومات او الأفراد مكتوة الأيدي أمام هذا الخطر الذي يستفحل كل يوم لكي يطول الجميع ؟ وما الأشكال المتطورة للإرهاب وأدواته ؟ وما الآليات المطلوبة لمواجهته بحسم ؟

والحق أقول أن أي كلام أو جهود تُبذل لمحاربة الإرهاب دون وضع تعريف محدد له تتفق عليه كافة الدول دون استثناء ستكون بلا فائدة ولم ولن تؤتي ثمارها بل ستأتي بنتائج عكسية تزيد من وتيرة الإرهاب في العالم ، فالتعريفات التي توضع للإرهاب وفقا لأهواء وميول وأهداف ومصالح الدول الكبرى فقط قد تكون نفسها أحد أهم أسباب الإرهاب الذي يواجهه عالمنا اليوم وقد تكون في الغالب سبباً جوهريًا لإستهداف هذه الدول بالإرهاب؛ لأنها تعريفات انتقائية وعنصرية وليست شاملة وجامعة وعالمية.

وتعريف الإرهاب الجديد من وجهة نظري الشخصية هو " عمل إجرامي لا دين له ، ترتكبه حكومات أو أفراد أو جماعات أو منظمات أو .. أو .. ؛ بهدف توصيل رسالة لحكومة أو جماعة أو كتاب " writers " أو مدافعين عن حقوق الإنسان ، أو بهدف إسقاط الدولة المستهدفة بغية نهب واستنزاف ثرواتها أو سلب أرضها أو الإستحواذ أو السيطرة على إقليمها المائي، أو لفرض وبسط مذهب ديني معين أو أيديولوجية معينة ، أو للإنتقام من جماعات أو حكومات بسبب جرائم تاريخية وقعت في الماضي ، وينتج عن كل هذه الممارسات والأعمال الإجرامية في النهاية إثارة الرعب والفزع بين الآمنين من المدنيين العزل أو بعض رجال السلطة وسقوط ضحايا في النهاية بالدهس أو التفجير والتفخيخ أو الإغتيال.

فبالتالي مكافحة الإرهاب في العصر الحديث باتت معقدة وشاقة وتحتاج لإرادة حقيقية من الشعوب والحكومات وكل منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الامر عبر استحداث آليات حديثة وتكتيكات متطورة وصولا ً لهذا الهدف الإستراتيجي؛ خاصة بعد ما نلحظه كل يوم من جرائم الإرهاب الحديث والمتطور مثل الإرهاب الإلكتروني و"السيبري" والإقتصادي والمذهبي والطائفي والإستعماري.

ولكي نصل إلى حلول واقعية لمناهضة الإرهاب ومحاصرته يجب على الحكومات والشعوب أن تتحد معا لمواجهة التحديات التي تقف حائلا ً وحائط صد أمام أمام أي حلول أو مساع ِ لمكافحة الإرهاب ، وأول هذه التحديات كما قلت السعي لوضع تعريف محدد وشامل وعام وتوافقي للإرهاب من قبل دول العالم دون إقصاء لأي دولة بحيث يشارك في وضع هذا التعريف متخصصون من كل دولة معنيون بالأمر على مستوى الحكومات والأفراد والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحث المتخصصة والإستفادة من خبرات ورؤى كل دولة في مكافحة الإرهاب خاصة الدول التي عانت ولا تزال تعاني من الإرهاب.

أما التحدي الثاني فهو أن تدرك الدول أو الجماعات التي تمول الإرهاب وتدعمه بالمال والسلاح والآلة الإعلامية و"السيبرية" وتستقطب وتجند أتباعا لها كل يوم عبر الفضاء الإلكتروني أن الإرهاب سيطولها في عقر دارها إن عاجلًا أم آجلًا.

فمن يربي ثعبانا فلابد أن يلدغه يوما ًما هو قادم لا محالة ، كما أنه من أخطر التحديات التي تواجه الحكومات والدول والشعوب الآن في مواجهة الإرهاب هو التحدي المعرفي لحقيقة الأديان وإدراك أن الأديان وجدت ليست ليتقاتل أتباعها وانصارها ضد المختلفين معهم في الدين أو الِعرق او المذهب أو الجنس أو اللغة بل أنها وجدت لدعم قيم الحب والسلام والرخاء والبناء مع الجميع حتى مع المختلفين معهم ، ليضعوا نصب أعينهم مثالا ً للحروب الدينية التي اندلعت في أوروبا في العصور الوسطى وكيف دمرت وقتلت الملايين من الأبرياء وهي متخفية تحت ستار الدين والمذهب لتحقيق مطامع سياسية رخيصة هي أبعد ما يكون عن الدين والإنسانية ومبادئ القيم والأخلاق وهو ما يتطلب من الجميع وقفة وخاصة في الدول العربية لتنتفض المؤسسات الدينية الإسلامية لوضع تعريف محدد " للتكفير" و " الجهاد " بعيدًا عن آراء فقهاء التطرف والتشدد والغلو في إطار خطاب إعلامي وتعليمي و خطاب ديني إسلامي حضاري يتناسب مع الإسلام وسماحته ، ويرفض الصراع المذهبي والطائفي ويحض على وحدة المسلمين؛ والشراكة فيما بينهما على إختلاف مذاهبهم والشراكة أيضا بينهم وبين غيرهم من المختلفين معهم في الإنسانية والقيم والمبادئ المشتركة.

فالملف الطائفي والمذهبي يتم إستغلاله وتوظيفه حاليًا لإسقاط دول وجيوشها الوطنية على أسس مذهبية وطائفية ، وهو الخطر القادم إن لم يتنبه العالم ، كما أن التحدي الإقتصادي والتنموي يمثل تحديًا كبيرًا أمام مكافحة الإرهاب ، وهو ما يستلزم وبالضرورة تعاونًا بناء بين الدول الغنية والفقيرة في المجال التنموي والإقتصادي للإرتقاء بمستوى الشعوب الفقيرة والشباب الذي يرزح تحت وطأة الفقر والمرض والعوز كي لا يصبح الشباب فريسة للتجنيد والإستقطاب من قبل جماعات إرهابية أو قوى مخابراتية معادية لدولهم ومع مرور الوقت يصبحون خطرا على أمن وسلام الدول التي جندتهم واستقبطتهم لتحقيق أهداف إرهابية.

وعلى الدول الغنية أن تعي وتدرك جيدًا مسئوليتها الإنسانية في دعم الدول الفقيرة هو دعم غير مباشر لأمنها وسلامتها على المدى البعيد ، وفي ذات الوقت يجب على الدول والحكومات خاصة في بلدان العالم العربي تبني سياسات شفافة داعمة للفقراء بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني عبر مشروعات تنموية متنوعة تمنح من خلالها الشباب والفئات المعوزة والفقيرة قروضا صغيرة ومتناهية في إطار من الشفافية وعدم التمييز وبعيدا عن البيرواقراطية والفساد ، كي لا يقع هؤلاء الشباب في براثن البطالة والأمراض الإجتماعية القاتلة التي نشهدها في مجتمعاتنا كالتحرش الجنسي وجرائم الإغتصاب والقتل والإدمان وحتى لا يكون فريسة للإستقطاب وغسل الأدمغة عبر تجنيده لتنفيذ جرائم إرهابية.

ويعتبر أيضًا التحدي الأمني من التحديات الخطيرة التي تواجه العالم كله في مجال مكافحة الإرهاب ، وهو ما يتطلب من الدول كافة توحيد الجهود للتعاون معا في المجال الإستخباراتي والأمني والتنسيق فيما بينها لمنع الجريمة الإرهابية قبل وقوعها عبر مراقبة ومتابعة صارمة لجرائم الإرهاب الإلكتروني والفضائي ووضع قوانين صارمة تتيح لكل دولة وبحسم ملاحقة المُجندين والمستقطبين والإرهابيين عبر وسائل التواصل والإتصال الإلكتروني وتغليظ العقوبات على هذه الجرائم والإتفاق على توسيع عدد الدول المشاركة في تسليم مطلوبين في قضايا إرهابية لديها ووضع منظومة آمنية محكمة لمراقبة اللاجئين ،وتغليظ القوانين المحلية في جرائم الإرهاب مع وجود محاكمات عادلة وناجزة للمتهمين في قضايا إرهابية؛ وتطوير الإجراءات الروتينية الأمنية والقوانين القديمة التي تغل يد الأجهزة الأمنية عن التعامل بحسم وبسرعة مع الجرائم الإرهابية وعدم التذرع بحقوق الإنسان لإفلات الإرهابيين من العقاب.

فأمن الدول وسيادتها على أراضيها يكفل لها التعامل بالشكل الذي تراه يخدم أمنها وأمن شعوبها وسيادتها إزاء التعامل مع الجريمة الإرهابية المنظمة ، وغير المنظمة ، ويعتبر أيضا " تمويل الإرهاب" ودعمه بالمال أو السلاح أو الآلة الإعلامية تحديا خطيرا أمام مكافحة الإرهاب إجراءات خاصة لتجفيف منابعه وتتبع مساره.

وهنا يجب التنويه على ضرورة وضع قيود صارمة للرقابة على الجمعيات الدينية وخاصة التي تتبنى فكرا تكفيريا متشددا في كل أنحاء العالم وسرعة غلقها لأنها تمثل قنابل موقوته تعبث بأطفال وشباب العالم وتغسل أدمغتهم وتخلق منهم إرهابيين جدد يستهدفون البشرية في أمنها واستقرارها وسلامتها باسم الدين والدين بريء من جرائمهم.

كما يجب ألا تغفل دول العالم عن وضع قيود صارمة لمراقبة البعثات الدبلوماسية والمبعوثين والوافدين على أراضيها بشكل لا يتعارض مع حقوق الإنسان ، كما يجب مراقبة كافة الشخصيات التي تتمتع بالحصانة بكافة أنواعها من باب الحيطة والحذر لأن أمن الوطن يعلو على أمن الأفراد وعلى أي حصانة خاصة في الجرائم الإرهابية التي تستوجب إجراءات خاصة وإستثنائية إن كان العالم يريد بحق وضع حلول حقيقية لهذه الآفة والجريمة اللاإنسانية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-