سُم الحكومة وعسل المواطن

رفعت الحكومة - مشكورة - قيمة ما يستحقه المواطن من السلع الغذائية ببطاقات التموين من 21 إلى 50 جنيها، إلا أنها سرعان ما وضعت سُمّها في العسل بإقرارها رفع الدعم عن الوقود، كما سبق لها وأن أعلنت عن صرف علاوات استثنائية تحت مسمى «غلاء معيشة» للموظفين العاملين بمؤسسات الدولة، إضافة إلى إقرارها لزيادة جديدة في المعاشات، لكنها سرعان أيضًا ما خرجت علينا بقرار «تعويم الجنيه» بمبرر أنه في مصلحة المواطن، والذي أعقبه ارتفاع أسعار المنتجات والسلع الذي تسبب في معاناة للجميع، موظفين وعاطلين.
أزمة ارتفاع الأسعار طالت الجميع، فلم تترك فئة المُستفيدين من بطاقات التموين ولا فئة الموظفين الذين حصلوا على علاوات ولا أصحاب المعاشات أيضًا الذين حصلوا على زيادة جديدة ولا غيرهم من أطياف المجتمع إلا وجعلتهم يعانون، لكن هذه المعاناة كانت عند فئة «معدومة الدخل» ربما تفوق نسبتها الـ 20% من سكان مصر بمثابة سيل جارف، هدد بإغراقها في مستنقع الجوع والهلاك، ممن لم تستفيد أصلًا من بطاقات التموين، ولم يعمل أبناؤها في وظائف بالدولة كي يحصلوا على علاوات، ومع الأسف الحكومة لم تراع ظروفهم عند اتخاذ مثل هذه القرارات.
الإصلاح الاقتصادي التي بررت الحكومة ارتباطه بقرارات التعويم ورفع الدعم عن أسعار الوقود مطلوب، وخطوة جادة من أجل العبور ببلادنا إلى بر اقتصادي آمن، يمكنه أن ينافس دولا كثيرة، ويتربع على رأس قوائم اقتصاد الكثير من البلاد المتقدمة، لكن لا يمكن تنفيذه قبل إعادة النظر في الدخل المادي للمواطنين، ومراعاة ظروفهم المعيشية، خاصة ظروف الفئات غير المستفيدة من دعم الدولة، تلك الطبقة الكادحة في بلادنا، إضافة إلى تفعيل الدور الرقابي على الأسواق، ومنافذ البيع لمواجهة ظاهرة جشع التجار التي دائمًا - تزيد الطينة بلة - فور كل زيادة جديدة في سعر السلع.
أصبح أمرا ضروريا أيضًا إعادة النظر في الطاقم المُعين للرئيس، الذين يرفعون له التقارير الخاصة بشكاوى المواطنين في الشارع، وينقلون له المشكلات التي تُخّلفها آثار هذه القرارات، خاصة على الفئات معدومة الدخل، والتي أصبحت تعاني أشد المعاناة وتئن من ظروف الحياة القاسية، ورغم استغاثاتها المتكررة من أخطار هذه الأزمة، وتأثيرها القاتل على كل مناحي الحياة التي يعيشها أبنائها، لكن ومع الأسف لم تجد من يسمعها.
ولا يمكن لعاقل خائف على مصلحة وطنه أن يعترض على إجراءات الإصلاح الاقتصادي طالما تصب في مصلحة مصر حتى وإن كانت تقشفية، لكن بشرط ألا يصل هذا التقشف إلى حد الجلد القاتل، كما علينا الانتباه أن تجاهل هذه الفئة المعدومة ربما يفتح الباب أمام أبنائها للانجراف إلى عالم الجريمة والانحراف الذي يحبط مسيرة أي إصلاح.