الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شخصية" البزنس مان " وراء "ميوعة" موقف ترامب من قطر والإخوان


أثارت "ميوعة " موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مواجهة قطر، الممول الرئيسي للإرهاب، تساؤلات عديدة عن الأسباب التي دفعته للتراجع عن عزمه الشديد على تدمير قواعد الإرهاب ومموليه وفقا لتصريحاته التي أعلن عنها سواء خلال حملته الانتخابية أو عقب توليه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة في يناير الماضي .

والإجابة على هذا التساؤل سنجدها في شخصية "البزنيس مان" أو رجل الأعمال التي ترعرع ترامب في أجوائها بما تتضمنه من مكاسب بالمليارات خاصة أن جانبا كبيرا من ثروته حققها من البترودولار بالتعاون مع أثرياء خليجيين من خلال مجموعة ترامب العقارية .

فواقع الأمر يقول إن دونالد ترامب وجد نفسه بعد جلوسه على عرش البيت الأبيض في موقف عصيب لوقوعه بين براثن اختيارين كلاهما مر... لكن لكل منهما إيجابياته الهائلة ... "إما أن يقف بقوة في مواجهة الإرهاب فيفقد مكاسب بمئات المليارات قيمة فاتورة تسددها دول الخليج لحماية أمنها من براثنه" ......و" إما أن يواصل سياسات سابقه باراك أوباما في تدعيم الإرهاب دون حدود فيعود من جديد العملاق الروسي ،عدو أمريكا اللدود للمنطقة ، وينمو الإرهاب ليكون شبكة دولية تضرب قلب المدن الأمريكية و الأوروبية على ضوء ما تحتضنه من جاليات عربية و إسلامية بعشرات الملايين" .

فكل من كان يتابع تصريحات ترامب أثناء حملته الإنتخابية وبعد انتخابه مباشرة اقتنع تماما بأن الرجل جاء ليجتث الإرهاب من جذوره ، لكن بعد مرور 6 أشهر على إنتخابه رئيسا لأمريكا ، سنلاحظ أن هناك فتورا في حماسه الذي أظهره في بداية حكمه بتعهده بالوقوف بقوة ضد كل أشكال الإرهاب . فموقف الولايات المتحدة المتساهل من دويلة قطر الممول الرئيسي للإرهاب في خلافها الحالي مع مصر والسعودية و الإمارات والبحرين يكشف عن أن ترامب بدأ يعيد حساباته السابقة ، ويتعامل مع الارهاب كبزنس مان وملياردير لا يعرف في حساباته إلا الدولار .

كما أن تأخره حتى الآن في وضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب الأمريكية ، بزعم مشاركة الإخوان في بعض أنظمة الحكم في المنطقة ، يتنافي أيضا مع حماسه الشديد الذي كان ابداه ضد الإخوان للرئيس عبد الفتاح السيسي ،عندما استقبله السيسي بمقر إقامته في نيويورك في سبتمبر 2016 على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة و لم يكن ترامب قد أصبح بعد رئيسا للولايات المتحدة .

فكيف لترامب ،صاحب المشروعات التجارية الكبرى، من فنادق ،وناطحات سحاب ، و ملاعب جولف ، و كازينوهات أن يتجاهل أن الخوف من الإرهاب هو الذي دفع المملكة السعودية لعقد صفقات مع الولايات المتحدة بما يقرب من 400 مليار دولار سواء في مجال التسليح ، أو في المجال الإقتصادي، ليتم بذلك تدعيم الإقتصاد الأمريكي الذي يعاني كثيرا في مواجهة إقتصاديات صاعدة بقوة الصاروخ سواء كانت في الصين أو الهند أو كوريا أو البرازيل.

ومن منا أيضا لا يدرك أنه لولا تمويل قطر لجماعة الحوثيين في اليمن الموالين لإيران ، القوة الإقليمية الكبرى، ما بادرت السعودية للمطالبة بحماية أمنها من الخطر الشيعي الايراني باللجوء للقوة العظمى الأولى في العالم و هي الولايات المتحدة . ومن منا لا يدرك أنه لولا تمويل قطر للجماعات الشيعية في البحرين ما تزلزل إستقرار دول الخليج للمرة الأولى ، لتفقد بذلك آحر منطقة عربية إستقرارها في إطار السياسة الأمريكية الشهيرة " الفوضى الخلاقة " .

ويكفي هنا لإثبات صحة ذلك أن أعيد على مسامع المصريين ما قاله دونالد ترامب منذ نحو 25 عاما للمذيعة الأمريكية الشهيرة السمراء وينفري أوبرا بشأن دول الخليج يقول الشاب ترامب " ... المواطنون في الكويت أثرياء و أفقر شخص في الكويت يعيش عيشة الملوك و في المقابل جنودنا يموتون و دافعو الضرائب الأمريكيون سددوا من قوت يومهم تكاليف حرب تحرير الكويت من جيوش الرئيس العراقي صدام حسين ، كما أننا نجعل بقواتنا و رجالنا بترولهم ملكا لهم فلماذا لا يدفعون لنا 25 في المائة من عائدات هذا البترول.....".

كما يعني انتشار الإرهاب تحقيق الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الاوسط أي إسقاط الدولة الوطنية ،وأقرب مثال على ذلك هو ليبيا ، فعندما سقطت الدولة الوطنية في ليبيا استولت جماعات إرهابية ، ذات خلفية دينية و إجرامية على ثروات ليبيا البترولية، لتبيع بترول ليبيا لدول وشركات بترول عالمية بأبخس الأسعار ، و هنا استطاعت أمريكا تخفيض سعر البترول في الأسواق العالمية لضرب إقتصاد العملاق الروسي الذي يعتمد كثيرا على البترول و الغاز .

وأخيرا و هو الأهم بالنسبة للوبي اليهودي الرهيب في أمريكا ، فإن دعم الإرهاب يعني تدعيم حماس في غزة ،لتواصل حماس تغيير جوهر القضية الفلسطينية ، من قضية تحرر وطني ، إلى قضية دينية. فبفضل حماس تحول من يقوم بعملية لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة من فدائي يريد تحرير أرضه ،بمقتضى القانون الدولي، إلى إرهابي ، يدينه نفس القانون .

كما أن قادة حماس نجحوا في تقسيم الفلسطينيين إلى شعبين شعب في غزة و آخر في الضفة . فكيف نلوم إذن إسرائيل و هي لا تجد من تتفاوض معه لتعيد الأراضي الفلسطينية لأصحابها بعد أن تحول أصحاب الأرض إلى أعداء . أما أفضل ما في الارهاب ، أنه جعل القضية الفلسطينية تتذيل اهتمامات الدول العربية ، فكل دولة أصبحت اليوم مهمومة بالحفاظ على أمنها القومي سواء في مواجهة الإرهاب أو في مواجهة التقسيم على أسس دينية و مذهبية و عرقية وقبائلية .

لكن في المقابل فإن ترامب يواجه أيضا مشاكل كبيرة لو أغمض عينيه عن الارهاب من أجل تحقيق مليارات البترودولار . فتشجيع الارهاب يعني "تعملق" الإرهاب بمرور الوقت ليتحول إلى شبكة عنكبوتية دولية لن يرحم لهيبها الدول الغربية بقدر ما ستنزل الضرر بالدول العربية و الإسلامية. وسوف يأتي على رأس سلبيات سياسة دعم الإرهاب بالنسبة للولايات المتحدة ، تمهيد الطريق بقوة لعودة روسيا من جديد إلى منطقة الشرق الأوسط بعد أن كان قد تقلص نفوذها فيها منذ أن أبعد الرئيس الراحل أنور السادات الخبراء الروس عن مصر حتى يكون إنتصار أكتوبر 1973 إنتصارا مصريا خالصا .

وخير دليل على عودة روسيا بقوة للمنطقة يتجلى بوضوح في تطورات الأزمة الحالية في سوريا ، فمن يتابع الموقف هناك سيجد أن اليد العليا في هذا البلد العربي الكبير أصبح لموسكو أكثر من واشنطن، مع الإعترف الكامل ،بأن مخطط تقسيم سوريا ، يسير وفقا للإستراتيجية الأمريكية حيث تلوح في الأفق بشدة الدولة الكردية السورية لتسير جنبا إلى جنب مع دولة كردستان العراق تمهيدا لمولد الدولة الكردية الكبرى المقرر أن تشمل أكراد تركيا في مراحل لاحقة و ربما أيضا أكراد إيران .

كما أن من سلبيات دعم الإرهاب على الولايات المتحدة ، هروب مواطني الدول المستهدفة بالإرهاب إلى الدول الأوروبية و إلى أمريكا نفسها ،مع كل ما يحمله هؤلاء الهاربين من حقد على من أسقط دولهم و جعلهم مشردين و لاجئين في خيام للإيواء . ويعني ذلك أيضا انضمام هؤلاء المهاجرين الجدد لجاليات إسلامية كبيرة في الدول الغربية بما يحمله ذلك من مخاطر ، ففرنسا بها ما يقرب من 8 ملايين مسلم معظمهم من العرب و هو نفس الشيء بالنسبة لبريطانيا مع وجود نسبة أكبر من الباكستانيين و الهنود المسلمين و أيضا ألمانيا حيث الجالية التركية المسلمة الكبيرة تعيش جنبا إلى جنب مع الجاليات العربية الكبرى الأخرى .

والسؤال الآن على أي من الخيارين سيقع إختيار ترامب و إدارته على دعم الإرهاب أم على مكافحته ؟ الإجابة يمكن أن نستخلصها من تحليل سريع، لكن متعمق، لموقف إدارة ترامب المائع من قطر و من جماعة الإخوان المسلمين. فهذا الموقف المتساهل ينبئ بأن أمريكا ستتعامل بالقطعة مع الإرهاب، أي بمقتضى سياسة الكيل بمكيالين ، و يعني ذلك أنه عندما يصب الإرهاب في مصلحتها فهي معه كما هو الوضع بالنسبة لحالة قطر و ربما ستواصل إتخاذ نفس الموقف المائع مع جماعة الإخوان لزعزعة إستقرار لعرقلة مخطط السيسي الهادف لتحويل مصر لنمر إقتصادي و عسكري .

وفي المقابل فإن إدارة ترامب ستقف ضد الإرهاب بشدة و صرامة عندما يضرب أراضيها أو أراضي حلفائها من خلال منع العرب و المسلمين من دخول الأراضي الأمريكية و الأوروبية إلا فيما ندر فضلا عن تجفيف منابع تمويل الإرهاب على أراضيها و أراضي حلفائها . ولا أدل على ذلك من الرفض الذي يتلقاه معظم الراغبين من مواطني الدول العربية و الإسلامية في الحصول على تأشيرة دخول للأراضى الأمريكية والأوروبية .

كما أن الهجرة غير الشرعية أصبحت على رأس أولويات أجندة الغرب في مجال مكافحة الإرهاب بزعم تسلل إرهابيين مع الفارين من جحيم الإرهاب في بلادهم .

فهل يدرك الإرهاب أنه أكبر ضرر على العالمين العربي و الإسلامي ؟ أعتقد يدرك ذلك لكن القائمين عليه من الخونة و العملاء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط