عندما دقّ هاتف «الضابط»

التفت جميع الجالسين على المقهى الواقع بشارع التحرير بالدقي، عندما رد أحد روادها على هاتفه الذي دق بعبارة.. "أيوه أنا العميد فلان الفلاني من مديرية أمن الجيزة.. مين حضرتك"، ويبدو في أعينهم تساؤلات عديدة حول سبب وجود هذا «الضابط» على المقهى، وعما إذا كان في مهمة عمل رسمية أم أنه جاء كأي مواطن ليحتسى مشروبًا من الشاي أو القهوة..
ابتسم «الضابط» ابتسامة خفيفة فور ملاحظته لهذه النظرات، وبعد أن أنهى مكالمته مع المُتصل، راح يطلب من "القهوجي" مشروبًا من القهوة، وسرعان ما دار بينه وبين «الساعي» حوار جانبي حول تكدّس السيارات أمام مدخل المقهي حتى تدخل على أثره أحد الزبائن ليبدي رأيه في حل أزمة المرور وتكدس السيارات بالشوارع ..
وما بين رأي يرجّح دمج «شارع التحرير» المزدوج في طريق واحد، وما بين رأي آخر يري أن الحل في التوسع في شبكات مترو الأنفاق لتخفيف الضغط عن شوارع العاصمة والجيزة، تقبل «الضابط» النقاش من رواد المقهي وراح يشرح لهم – من وجهة نظره- المعوقات التي تمنع تنفيذ هذه المقترحات، كان من بينها عدم وجود ميزانيات مالية للبدء في تنفيذها ..
وبعيدًا عن التعمّق في باقي تفاصيل الحوار الذي دار بين «الضابط» ورواد المقهي، كان المشهد رائعًا للغاية وكشف حقيقة عن مدى أهمية تقارب وجهات النظر بين المواطن ورجل الشرطة كخطوة أساسية ضمن خطوات الانضباط الأمني في الشارع المصري ومواجهة الأخطار التي تواجه بلادنا، ولأن أيضًا المشاركة المجتمعية أحد أقوى الأسلحة للانتصار في أي معركة مهما عظمت..
رجل الشرطة أيضًا في حاجة مُلحّة إلى توطيد علاقته مع المواطن، كما أن المواطن كذلك في أمس الحاجة لدعم وإعانة رجل الشرطة لتنفيذ القانون على الجميع بدون استثناء، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، ولا يستطيع أحدهما بمفرده أن ينهض بالمجتمع دون الآخر، كما أن التجاوز - الذي يحدث من الطرفين- لا يزيد هذه العلاقة إلا تأزما وفتورا.
ودعونا نُصارح أنفسنا بأن الفجوة بين الطرفين صنعتها من قبل البيروقراطية والمحسوبية وغياب العدالة والتي ترعرعت ونمت في عصور الظلام، ورغم أن النظام الجديد للبلاد يسعى دائمًا لسد هذه الفجوة وتقريب وجهات النظر بين المواطن ورجل الشرطة، ورغم أيضًا أن المؤسسة الأمنية في مصر المتمثلة في وزارة الداخلية بدأت بالفعل تطبيق سياسات جديدة وأنظمة حديثة تراقب عمل أفرادها، وترصد تجاوزاتهم وتحاسبهم عليها بكل حسم، إلا أن الأزمة لم تنته بشكل كامل وتحتاج المزيد من الجهد والعمل لتماسك العلاقة بين الطرفين.