الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«بيو».. ومخلفات «الفيس بوك»‎


لسنا ضد استخدام «الفيس بوك» طالما سيؤدي رسالته الصحيحة التي أنُشئ من أجلها، في تقارب وجهات النظر البنّاءة بين الأصدقاء، أو التواصل الهادف فيما بينهم، ولسنا ضد دخول التكنولوجيا لبلادنا إن كانت تتناول قضايا هادفة، ولا تسيء للبلاد أو تمس أمنها القومي، لكننا سنكون متُبترّين على نعم الله إن تركناها تنهش في وقتنا كما ينهش "الكلب الجائع" في قطعة لحم، وحمقى إن جعلناها مرآة عاكسة لأخطائنا وخصوصياتنا ومخُلفاتنا أمام الآخرين، التي لا ترقى أن نضعها سوى في المراحيض.

الكثير من رواد هذا الموقع أصبحوا فريسة لإدمان هذه الشبكة التي لا تقل خطورة عن إدمان المواد المخدرة، وإن كان تأثيرها في هذه المرة مُختلف فهي اللص الذي يسرق الوقت من صاحبه، والصديق الخائن الذي يُلهي صديقه عن عمله ودراسته وعبادته وصلته الواقعية بالآخرين دون مقابل، وهي الرفيق الذي لا يؤتمن على سر رفيقه بل يجعله دائمًا ضعيفًا أمام البوح بخصوصياته وصغائر مشكلاته وأسراره على الملأ..

ولا ننكر الدور الكبير الذي يلعبه موقع «الفيس بوك» في التواصل الهادف بين العاقلين والمتنورين من رواده، ونشر الوعي الثقافي والتعلمي والاجتماعي بين كافة أطياف الأمم في شتى بقاع الأرض، من معلومات وعلاقات اجتماعية وتواصل علمي وتعليمي وعملي، لكن الإحصائيات الرسمية التي خرجت حول هذا الصدد كانت حقًا مؤلمة، حيث أثبتت إحدى الدراسات التي أجراها مؤخرًا مركز «بيو» للأبحاث عن العادات المزعجة لمستخدمي «الفيس بوك» حالة الإفراط في مشاركات الصور المسيئة وغير المُستحبة، وقد كشفت الدراسة أن حوالي 64% من رواد الموقع يُحبون الإفراط غير اللازم في المشاركات التي يقوم بها بعض أصدقائهم، و34 % من الرواد فقط لا يحبون نشر كل تفاصيل حياتهم على الموقع الاجتماعي، كما أن 64% منهم مهتمًا بنشر تفاصيل التفاصيل التي لا يصح نشرها.

الدراسة أيضًا قالت في رصدها إن الكثير من رواد «الفيس بوك» يكرهون بشدة ما يقوم به بعض الأصدقاء من مشاركة للكثير من المعلومات والصور المحرجة عن أنفسهم وحياتهم عبر هذه الشبكة، باعتبارها أنها خصوصيات لا تُهم سوى صاحبها، ولا تعود للآخرين من الأصدقاء بأي فائدة، وهذا يجعلنا نعود إلى نفس النقطة التي تحدثنا عنها في البداية، وهي أن عزوف هذه الوسيلة عن مسارها الصحيح ستكون بمثابة «مراحيض» يستخدمها روادها فقط لإلقاء مخلفاتهم وخطاياهم التي تصل أحيانًا إلى الخوض في أمور وقضايا ربما تمس الدولة وتسيء لأمنها القومي، إضافة إلى أمور تخص الأعراض والتشهير برموز وشخصيات عامة..

وربما تكون فئة الشباب الطبقة الأحق بالمخاطبة بهذه السطور، باعتبارها الأكثر وعيًا وثقافة بين فئات المجتمع، والأكثر قدرة على تغيير نمط استخدام موقع التواصل الاجتماعي، وباعتبارها أيضًا الأكثر ترددًا وتأثيرًا على هذه الشبكة، وحتى لا يكون أمام الدولة - إن استشعرت هذا الخطر - خيار إغلاق «الفيس بوك»، أو استبداله بشبكة محلية تكون تحت سيطرة وتحكم الدولة كما فعلت الصين، حيث بدأت في 2009 بحظره في بلادها بعدما استشعرت حملات التحريض والتشويه التي تبناها عدد من المتمردين، لإشعال الفتنة في البلاد وحث العامة على التمرد والهجوم على نظام الدولة وقتها ..

الصين بعد قرار حظر «الفيس بوك» في بلادها أنشئت شبكة تواصل محلية لسكان الدولة أقل خطورة، وأكثر سيطرة وتحكمًا لمراقبة استخدامها في إطارها الصحيح وعدم تواصل أي أخطار من الخارج تزعزع أمن الدولة خاصة بعدما حدث في أحداث ثورات الربيع العربي، وقد أصبحت بالفعل أكبر قوة اقتصادية في العالم تُنافس أكبر الأسواق الآن في شتى الصناعات، وذلك لاستفادة الجميع بالوقت وانشغالهم بالعمل والتركيز على مبدأ الجودة في الإنتاج، إضافة إلى احتفاظهم بخصوصياتهم ومشكلاتهم الداخلية لأنفسهم دون إطلاع غيرهم عليها ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط