محمد بن سلمان .. ولي عهد "استثنائي" لمملكة تتأهب للتغيير
"أخشى أن أموت دون أن أحقق ما بذهني لوطني".. هكذا أجاب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على سؤال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، لماذا يعمل دوما كأن "الوقت يداهمه" خلال حوار نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، كشف الكثير عن شخصية ولي عهد أكبر دولة مصدرة للخام في العالم، والذي جاء ضمن القائمة القصيرة لمجلة "تايم" الأمريكية كـ"شخصية العام" لسنة 2017، فيما صنفته وكالة "بلومبيرج" الأمريكية في المرتبة الثالثة بين قائمة الـ 50 شخصية في مجال الاقتصاد والسياسة والثقافة والتكنولوجيا، ممن تركوا بصمتهم على مسار التجارة بالعالم خلال السنة الجارية.
وعن سبب اختيارها للأمير أوضحت الوكالة أنه من ثمار خطة رؤية 2030 في إعادة تشكيل اقتصاد المملكة فكرة طرح شركة أرامكو للاكتتاب العالمي في عام 2018، لها أثر واضح على الاقتصاد العالمي، وقالت الوكالة إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قام بإطلاق برنامج فعال لضمان امتلاك السعودية لأكبر صندوق سيادي في العالم من خلال زيادة حجم صندوق الاستثمارات العامة، بهدف جعل الاستثمار هو المورد الأساسي للدخل في السعودية بدلا من النفط، وقامت المملكة بالموافقة على استثمار ما لا يقل عن 20 مليار دولار في الولايات المتحدة، وخصصت 45 مليار دولار ستقوم بضخها خلال 5 سنوات في صندوق الاستثمارات المشتركة بينها وبين "سوفت بانك"، والذي من المنتظر أن تصل قيمته لـ93 مليار دولار.
ومثلما كان 2017 عاما استثنائيا للمملكة حيث أصدر العاهل السعودي سلمان بن العزيز قراره التاريخي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة والذي ظل كان مجرما لسنوات في السعودية وكذلك بشن حملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد طالت رموز سياسية واقتصادية بإشراف ولي العهد الذي يقود لجنة مخصصة لذلك، كان 2017 عاما استثنائيا لبن سلمان أيضا حيث أصدر العاهل السعودي، أمرا ملكيا أعفى بمقتضاه ولي العهد، الأمير محمد بن نايف، من منصبه وعين نجله محمد بن سلمان مكانه وليا للعهد، الذي ولد في 31 أغسطس 1985، وبالإضافة لكونه وزيرا للدفاع فهو يتولي العديد من بين المناصب منها رئاسة مجلس شؤون الاقتصاد والتنمية، وهو الجهة التي تنسق السياسة الاقتصادية في البلاد، ويرأس أيضا الهيئة المشرفة على شركة النفط العملاقة أرامكو.
وصاحب تولي بن سلمان منصب ولي العهد حدث استثنائي وهو تعديل فقرة من المادة الخامسة للنظام الأساسي للحكم في السعودية الصادر عام 1992 في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، وكانت تنص على التالي: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"، وعدلت هذه الفقرة لتكون على الشكل التالي: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكًا ووليًا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس"، ما يعني أن التعديل جرى بإضافة الشرط التالي: "ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكًا ووليًا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس".
ويصف دبلوماسيون غربيون محمد بن سلمان، الذي درس القانون في جامعة الملك سعود، وهو أب لولدين وبنتين، بالذكاء، وقالت مجلة "بلومبيرج بيزنيس ويك" عنه إنه يعمل 16 ساعة يوميا، ويستلهم كتابات رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرتشل، والجنرال العسكري والفيلسوف الصيني "صن تزو" في كتابه "فن الحرب"، ويصف من قابلوا الأمير الشاب، بأنه يمتلك شخصية قيادية "ويستطيع التأثير على الآخرين بحضوره" الطاغي، بل ويصفه البعض بأنه "يمتلك صفات الكاريزما القيادية بصورة طبيعية"، وحصل على لقب "السياسي الأكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط"، في استطلاع أجراه راديو "سوا"، وشارك به أكثر من 5 ملايين شخص، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، "يتمتع الأمير بسلطة لم ينلها أي أميرٍ سعودي من قبل، ووصفته مجلة "إيكونومست"البريطانية بأنه "الرجل الذي يكتسب قوة خلف عرش والده".
وتعهد ولي العهد الجديد بالعودة "إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم"، وأكد أنه سيقود مملكة معتدلة ومتحررة من الأفكار المتشددة، وقال الأمير محمد "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب"، مضيفا "70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورا"، وتابع "نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة وهذا أمر أعتقد أنه اتخذت في إطاره خطوات واضحة في الفترة الماضية، وأننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل"، وأضاف "نحن نمثل القيم المعتدلة والحق إلى جانبنا في كل ما نواجهه، ولذا فلا أعتقد أن هذا الأمر سيكون مصدر قلق".
وأشار الأمير محمد إلى أن "الأفكار المدمرة" بدأت تدخل السعودية في العام 1979 في إطار مشروع "صحوة" دينية تزامنا مع قيام الثورة الإسلامية في إيران، وأوضح "السعودية لم تكن كذلك قبل 1979. السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع صحوة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة فنحن لم نكن بالشكل هذا في السابق".
ولعل أبرز الأحداث التى جذبت الانتباه لبن سلمان في 2017 هو إطلاقه لمشروع "نيوم" العملاق، الذي يهدف لجذب الاستثمارات الخاصة والاستثمارات والشراكات الحكومية، وسيتم دعم المشروع بأكثر من 500 مليار دولار خلال الأعوام القادمة من قبل المملكة العربية السعودية، صندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين"، وستركز "منطقة "نيوم" على 9 قطاعات استثمارية متخصصة وهي: مستقبل الطاقة والمياه ومستقبل التنقل ومستقبل التقنيات الحيوية ومستقبل الغذاء ومستقبل العلوم التقنية والرقمية ومستقبل التصنيع المتطور ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي ومستقبل الترفيه ومستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات.