الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التفكر في خلق الله.. علم وعبادة


أجمع الفقهاء على أن التفكر في خلق الله عبادة، وأبدى بعضهم أسفه الشديد لتقصير المسلمين فيها واعتبرها "عبادة مهجورة" ذهبت حصتها إلى العبادات الأخرى (الشيخ محمد صالح المنجد)، ما أدى إلى تراجع الأمة في مجال البحث العلمي.. التفكر يفتح آفاق العلم ويقوي الإيمان ويقرب الإنسان إلى ربه أكثر، وحث عليه القرآن الكريم في مواضع عدة "ويتفكرون في خلق السموات والأرض" (آل عمران 191).. وتكررت كلمتي "يتفكرون" و "تتفكرون" حتى ختمت بها ثلاث عشرة أية، كلها دعت للتفكر في خلق السماوات والأرض، والنفس والماء والزرع وسائر المخلوقات والنعم.

في كل كائن حي أوجه متعددة للإعجاز، في شكله وغذائه ومحيطه وحفظ جنسه.. لن نناقش هنا لماذا عين النعامة أكبر من مخها، أو لماذا جعل الله لدودة 350 رجلا، بل سنطرح سؤالين مهمين: كيف لمخلوق صغير ليس لديه "عقل" أن يأتي بأفعال لا يستطيع صاحب العقل أن يأتي بمثلها ؟ وكيف تتمكن مخلوقات كثيرة من الصمود أمام ظروف قاسية لا يتحملها بشر ؟.. وحسبنا أن مجرد التفكر فيها علم وعبادة كما ذكرنا.
نبدأ بالنبات.. هل للنبات عقل ؟ الظاهر أمامنا أن لا عقل له ولا أعصاب.. لكن الحقيقة غير ذلك.. فقد ثبت أن أكثر النباتات يتمتع بالحواس الخمس (السمع والبصر والشم والذوق واللمس) ويعرف الجاذبية والتوازن، ويطرب للموسيقي ويعرف العشق وتجري في عروقه نفس هرمونات الحب التي عند الإنسان "السيروتونين والدوبامين " ! هذا ما توصل إليه العالم ميتشيل بولن في أبحاثه المتواصلة في "علم الأعصاب النباتي" منذ عام 2014 حتى الآن، أكد فيها أن النبات يتعلم من التجربة والخطأ ويفكر في بدائل، وفي تخطى جذوره للعقبات إبداع.. يواجه الريح والعطش ولديه علم إقتصاد دقيق على الإنسان أن يتعلم منه، ويقول أن كل الأدلة تشير إلى وجود "عقل نباتي" وأن عدم رؤيتنا له لا يعني أنه غير موجود !..
أما تحمل مخلوقات صغيرة و"ضعيفة" لظروف قاسية كالإشعاع السام والحرارة والبرودة الشديدتين فأمر مدهش، وكانت المفاجأة عندما رصد العلماء في أجسامها أجهزة علمية وطيبة دقيقة وصناعات متطورة للتغلب على تلك الظروف !..
قال العلماء إن الصراصير ستسود العالم إذا فني الجنس البشري جراء حرب نووية.. لماذا ؟ لأنهم سلطوا عليها إشعاعات مثل تلك التي انبعثت من قنبلتي هيروشيما ونجازاكي فنجت منها !..
والكائنات التي تعيش في برودة تحت الصفر أمرها عجيب، بعضها يتجمد ويعود وبعضها يقاوم التجمد.. ضفادع ألاسكا تتجمد وسط ثلوج القطب الشمالي خلال الشتاء الطويل وتعود إلى الحياة كل عام عند ذوبان الثلوج.. وعنكبوت الهيمالايا يعيش على قمة الجبل على ارتفاع 8 كيلومترات ودرجة حرارة -20، وليس في محيطه أي شيء يؤكل، ويقضي حياته منتظرا ما تحمله له الرياح من أسفل كحشرة أو غيرها ! ديدان كثيرة وحشرات تتحمل البرودة حتى -170 ولا تتجمد، فوجيء العلماء بقدرتها على صنع مادة مانعة للتجمد "انتيفريز" كالتي يضيفها الإنسان إلى سيارته أيام البرد القارس !..
وعلى النقيض، تعيش مخلوقات كالنمل الأسود في رمال الصحراء العربية والأفريقية الحارقة عند 70 درجة مئوية، وقد وهبها الله أرجلا طويلة ترفعها عن سطح الأرض وتعطيها فرصة تقليل حرارة الرمل بمقدار سبع درجات، ومن باب المقارنة، فإن حالها أفضل بكثير من حال يرقة أسد النمل المغروسة في الرمل الحارق نفسه في قاع حفرة لسنوات وبدون ماء، وحجمها كله مثل حبة القمح، واكتشف العلماء من صفاتها أنها لا تعرق.. فأي نوع من أجهزة التكييف لديها ؟
الطيور التي تهاجر عشرات آلاف الكيلومترات (ومنها الحمام) لا ترى تفاصيل الأرض من العلو الشاهق لكن تهتدي بالمغناطبيبة الأرضية، فقد زودها الخالق سبحانه ببوصلة مغناطيسية في منقارها وخرائط في عقلها تلتزم بها في مسارها وهبوطها !.. وطيور أخرى لديها مقياس حرارة (ثرمومتر) في منقارها أيضا لقياس حرارة البيض وضبطها عند 33 درجة بالتحديد طوال فترة الرقاد !.. ويحلم العلماء بفهم طريقة عمل كل هذه الأجهزة الدقيقة وفصلها.
ولعل ما توصل إليه العالم الدكتور أحمد زويل في مجال "الفيمتو" (المتناهي الصغر) قد فتح الباب واسعا للغوص في أعماق لم يكن بالإمكان الغوص فيها من قبل. اكتشافه الجديد غير الحسابات ونقل المقاييس من المتر والسنتيمتر إلى كسور من المليار من الملليمتر ومن اللحظة، وسيكون من السهل بواسطته رؤية البوصلات والترمومترات في مناقير الطيور، ومصانع الـ "أنتيفريز" في أجسام الأسماك والديدان، وأجهزة التكييف عند يرقة أسد النمل، وتطويعها لاحقا لخدمة البشرية على كوكب الأرض، وربما على كواكب أخرى كالمريخ شديد البرودة، أو الزهرة شديدة الحرارة..
ومسك ختام هذا المقال الآية الرائعة "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء 85)..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط