الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجديد في الشم والرائحة


أثبت العلم أن لكل شخص رائحته الخاصة، وأن روائح البشر مثل بصمات الأصابع لا يتشابه اثنان منها أبدا ولا تفرق بينها إلا الكلاب البوليسية لأن حساسية الشم عندها تفوق نظيرتها عند الإنسان بمليون مرة ! هذا لا يعني ضعف حاسة الشم عند الإنسان، فما يزال بمقدوره أن يميز بين 50 ألف رائحة ويربطها بذكريات، والأغرب من هذا أن الطفل حديث الولادة يستطيع أن يتعرف على رائحة أمه من رائحة إبطها وثديها لحظة خروجه من الرحم، لأن عقله تلقى تفاصيلها وتبرمج عليها قبل نزوله إلى الدنيا ! وقال باحث فرنسي أن الأم أيضا يمكنها أن تتعرف على رضيعها برائحته من بين عشرات حديثي الولادة في ردهات المستشفى.. 

ولكي يشعر المخ بوجود مادة قابلة للشم، لا بد أن تتطاير المادة أولا وتنتشر في الهواء أو الماء وتصل إلى مستقبلات عصبية أينما تكون في أنوف البشر أو على قرون استشعار الحشرات أو ألسنة الأفاعي، لتصل رسالة بأوصافها إلى المخ. 
  
وإن كانت حاسة الشم عند الإنسان أضعف من نظيرتها عند مخلوقات أخرى، إلا أن بعض البشر وهبهم الله حاسة شم فائقة، ونذكر هنا "ريح يوسف" التي وردت في الآية الكريمة "قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف" (يوسف 94).. قال المفسرون إن الرياح حملت ريح قميص يوسف إلى أبيه والقافلة ما تزال تبعد مسيرة ثماني ليال !. 

المادة التي تنقل الإشارة من مخلوق لآخر عن طريق الشم تسمى "فيرومون" ولها أكثر من وظيفة، فمثلا تشد الذكر للأنثى وقت التزاوج كما تربط أعضاء المجموعة مع بعضها (كمستعمرة نحل من 60 ألف عضو)، وقد ينثرها حيوان على الأرض وجذوع الأشجار ليثبت وجوده .. واستفادت الشركات الكبرى للعطور والمبيدات الحشرية من تأثير تلك المادة الجاذبة وأضافهتا إلى عطور النساء، وإلى المبيدات لغرض جذب وجمع الحشرات وقتلها. 

وشاءت إرادة الله أن تكون المرأة أكثر حساسية للرائحة من الرجل، وظهرت في السنوات العشر الأخيرة أبحاث أجنبية مدهشة في هذا المجال قد تبدو غريبة على منطقتنا.. ففي أوائل عام 2017 أكدت عالمة المخ والأعصاب تريشا ستافورد إن المرأة قد تنجذب لرائحة رجل على بعد ثلاثة أمتار حتى قبل أن ترى وجهه متأثرة بـ "فيرمونه"، وقالت أن "الحب من أول شمة" حقيقة وأصدق بكثير من "الحب من أول نظرة" لأنه مبني على أساس علمي وليس على حكم سطحي. وكان العالم إيان كونر أول من صاغ مصطلح "الحب من أول شمة" عام 2010 بعد سلسلة أبحاث مشابهة. 

من يدقق في حاسة الشم عند الحيوانات والطيور وحتى الذباب يرى العجب، ففي قطعان الغنم التي يصل عددها إلى المئات والآلاف، كل أم تعرف صغارها برائحتهم مهما ابتعدوا عنها، تبحث عنهم وتجدهم وسط الفوضى والزحام، وتسمح لهم بالرضاعة وتبعد عنها كل صغير لا يخصها وتنطحه.. وعند ولادة حيوان نرى الأم تشم وليدها بعمق أكثر من مرة، وما ذلك إلا لتسجيل وطبع رائحته في عقلها لتحتفظ بها مدى الحياة، والحيوانات والحشرات تشم بعضها لتتأكد إن كانت بينها معرفة قديمة وتميز بالشم بين العدو والصديق، وبعض ذكور الغزلان تشم رائحة الإناث من على بعد عشرة كيلومترات !.

وبمناسبة جو الصيف الحار، من المفيد ذكر بعض المعلومات المفيدة عن العرق ورائحة الإبط.. ظاهرة عرق الإبط لا توجد عند الأطفال بل تبدأ مع هرمونات البلوغ ونمو الشعر، وتنشط مع ارتفاع درجة الحرارة وبذل الجهد والتوتر، ويختلف عن العرق العادي لأن غدد الإبط تتكسر وتضيف للعرق مواد دهنية وكاربوهيدراتية، ومع وجود الشعر ومليون بكتيريا في السنتيمتر الواحد، تنشط التفاعلات وتتصاعد الغازات ويتطاير معها الجاذب الجنسي "الفيرومون".. كما أن بعض الأطعمة تفاقم الوضع كالبصل والثوم والكاري.. عرق المرأة يحتوي على نسبة أعلى من الكبريت وأقرب إلى رائحة البصل، بينما عرق الرجل به أحماض دهنية أكثر وأقرب إلى رائحة الجبن. إزالة الشعر والنظافة تقلل من التفاعلات وتصاعد الغازات، أما مزيلات الرائحة فإن تأثيرها وقتي وأغلبها ضار يسد فتحات الغدد. 

لكن كيف نشم أحيانا رائحة وهمية ليس لها أساس كرائحة غاز أو مجاري أو ملابس تحترق وتسبب لنا الخوف والقلق، أو نشم رائحة طيبة وتكون وهمية هي الأخرى.. أسباب هذه الظاهرة أن عصب الشم أو براعم التذوق في اللسان تبعث بإشارة خاطئة إلى المخ، أو قد يخطىء المخ نفسه ويوقظ ذاكرة في غير محلها.. أغلب هذه الحالات تكون لحظية وتحدث لمرة واحدة أو أكثر لكن يجب ألا تطول لأنها لو طالت قد يكون وراءها مرض حقيقي كالشيزوفرينيا والصرع أو ورم في المخ يتطلب التدخل الطبي العاجل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط