الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: مرارة الخذلان‎

صدى البلد

ويسألونك عن الخذلان، قل جاء من أقرب الناس إلي قلبي، وإن حدثوك عن خيبة الأمل، قل لم أذقها إلا من الأحباب.

الخذلان: يأتى دائمًا من الجهة غير المتوقعة، ومن أناس مفترض أنهم يحبوك قدر حبك لهم، تتسلل الخيبات دائمًا من أكثر الأماكن التى كنت تظنها أمانا، تتفاجأ حين تأتى الضربة من أقرب الأقربين، فاليد التى كانت تمدها للمساعدة لم تكن تتوقع يوما إنها سترد إليك بصفعة علي وجهك، وقلبك الذي كان يحتويهم في أوقات ضعفهم، هو ذات القلب الذي تلقي منهم الطعنات واحدة تلو الأخري، وذلك الكتف الذي كان يستندون إليه في أوقات الانكسار هو ذاته الذي أثقلوا عليه المتاعب حتى وهن، وتلك الملامح التى كانت تتفحصهم لتهون عليهم، استطاعوا أن يسكنوا بها الحزن، وتلك النعمة التى كانوا يلمحوها في أوقات فرحهم، فقد بذلوا قصاري جهدهم حتي تنطفئ، وتلك الروح التى كانت تشع لهم نورا، استطاعوا بأفعالهم أن يعتمدوها، فلو كانت تلك التصرفات بدت من عدو لتجاوزتها دون اكتراث، فأكثر مايؤلمنا صاحب الضربة وليس الضربة نفسها، فلو تلقيتها من غريب لحدثت نفسي أنها متوقعة، ولكن كيف أتوقع ضربة من حبيب أو صديق؟!، ففي الوقت المفترض أن يقف بجانبي لمحاربة أعدائي تركنى وانضم إلي صفوفهم، انفجعت عندما رأيته متخفي في صفوف أعدائي، في الوقت الذي كان يتصنع الحب ويتكلف الود لكي يظهر لي حبا مزيفا، لا أدري إذا كانت الطيبة الزائدة التى قد تصل حد السذاجة كانت سببًا في ذلك، وعليّ أتحمل توابعها وحدي، أم أنهم أفاعي تستطيع أن تتلون بألف لون، وما ذنبي إذا كانوا ذئابا ليس لهم عهد ولا يلتزموا بميثاق، فعشرتهم تتخللها الغدر ،ومعرفتهم تتعشش بها الخيانة، فهل أصبح من لا يحمل في قلبه شك، ولا في نفسه سوءا هو صاحب الذنب؟ !، وهل عليه أن يتجرع مرارة الخذلان ،وأن يشعر بوخزات الألم في قلبه كنوع من أنواع العقاب؟!

الخذلان لن يضعفنا، والخيبة لم تكسرنا، إنما نعيش تلك المشاعر لأننا نستصعب أن تمر السنوات التى جمعتنا هباء منثورا، وأن تنتهي العلاقة التى كنا نحمل لها حبا يوما ما -يكفي من طرفنا- بالخذلان، نحن لم نخلق امثالكم نبيع العشرة، ولم نعتد علي أن نترك ذكرياتنا لنسير دون أن نلتفت إليها، إنما ننعزل لنعطي المشاعر حقها كنوع من أنواع الامتنان الذي جعلنا نستفيق، فالفضل يعود إليها في انكشاف حقيقة من حولنا، ولكن هذا ليس معناه أننا نبقي ذلك طويلا، إنما نحاول أن نتخلص منها سريعا ،لننهض من جديد، فنخرج إليهم أقوي من الأول، فخسارتهم مكسب ،لن يزيدنا إلا قوة، فليرحل من يرحل، فغيابهم لا يميت، إنما يجعلنا ننظف أرواحنا من شوائب خذلهم ونمحو بقايا خيباتهم لنغلق الباب من خلفهم،حاملين لهم لافتة "فراق بلا رجعة، وخروج بلا عودة ".

لا تقلقوا بشأننا بعد رحيلكم فأعراض انسحابكم من حياتنا ستختفي، وسنتعافي تديجيا، وسنظهر بصورة تخالف كل ظنونكم، فقد تعتقدون أنكم ماء ....حقًا أنكم الماء المالح الذي لايروي ظمأ ،تعتقدون أن غيابكم هو الموت المحقق لنا، ولكنكم مخطئون، فنحن من نضع لكم وزنا بحياتنا، فحين نرغب في الاستغناء، فستجدون أشخاص شرسة تثأر لكرامتها و تزأر لكبريائها، فقد استحال الحمل الوديع إلي أسد مفترس، لم تكن تتوقعه، ولم تظن يوما أنه يحمل تلك القوة بين طيات طيبته وعفويته.

نحن أناس لم نعتاد علي ربط سعادتنا بوجود أشخاص بحياتنا ،بينما نسير على مبدأ "أننا فترات في حياة بعضنا البعض "، علينا أن نؤمن أننا قابلين لترك والنسيان وعلينا أن نتقبل تلك الحقيقة حتى وإن كانت موجعة بعض الشىء، فهذه هي الحياة التى تحمل لك تقلباتها بين الحين والآخر، تكشف لك حقيقة بعض الأشخاص ليس لتخسرهم إنما ليخسروك، فقد كنت لهم أكثر مما يستحقون، فيجب أن تختار الرفيق الذي يعرف قيمتك، والصديق الذي يقدرك، أن تحالف من يكن لك الاحترام، عليك ألا ترضي بأصناف الحلول ولا تقبل الحضور المؤقت ولاتسمح لأحد باستهلاك طاقتك، وإنهاك روحك، إنما ابحث عمن يراك النور الذي يضيء طريقه، فإن فقدك ضل طريقه وتعثرت خطواته، لأن نفسك جديرة بأن تنتمي لعلاقات سوية، وروحك تستحق بأن تنعم بروابط مريحة.