الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منتدى الشباب.. والحريّة الدينية!‎


لا يُوجَد فِعل علي وجه الخَليقة بلا أثر ، بل إن الأصل في كل أفعالِنا هو أن نترك هذا الأثر!

وأكَد على ذلك قانون نيوتن الثالث الذي وَضَح طبيعة الفِعل ، وبرَرَ منطقية رد الفِعل! المساوية له في المِقدار والمضادة له في الاتجاه ، ليكون بمثابة قانون نفسي لطبيعة البشر ، أكثر من كونِه قانونًا فيزيائيًا يحكي طِباع الحجر!

لذا مرت أيام وأسابيع على منتدى شباب العالِم ولكن لا زِلنا نبحث فيما تحدث به الشباب ، وما باح به القادة والمسئولون من كُل العالم.

ولعَل ما سيظل لافتًا ،هو ما أشرت له في مقالي الأول أن المنتدي يمثل ( البوتقة ) التي انصهرت فيها كل الثقافات واللغات والأديان والأيديولوجيات بنظرياتها المختلفة وفرضياتها المتنوعة.

حرية الفِكر والقدرة علي التحدِث بصوت مسموع في أفكاره، السِباحة الحُرة في بحر الحوار العاقل، كلها آليات للتعبير عن الذات ، وتوفير فُرصة حقيقية لإطلاق فراشات الإبداع الملونة التي تعد بمثابة الشرارات الأولي للتغيير الحقيقي وإن بدا صادِمًا للبعض!

لذا ستظل جملة يوسف شاهين العبقرية في فيلم المصير بأن "الأفكار لها أجنحة ، محدش يقدر يمنعها توصل للناس" هي حائط الصّد في وجه كل ذهول وشرود، أمام الفِكر السوي الذي يفوح أريجه بلا شروط!

فجاءت فكرة "حرية العقيدة " التي نادي بها الرئيس السيسي من أجمل الأفكار التي طرحت في المنتدي، وبالرغم من أن تِلْك الفكرة مذكورة في دستور البشرية في القرآن الكريم لقولِه تعالي " فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ" صدق الله العظيم،

إلا أن بعض الظلاميين استقبلوا الفِكرة وكأن الرئيس يدعو إلي دينٍ جديد!

مأكلك وملبسك ، عملَك وهواياتك، فكرَك وعقيدتك هما أجنحة حريتك وأنت حُر فيما تفعل ما دمت ملتزمًا بقانون الحرية العظيم وهي "أنك حُر ما لم تَضُر"!

الممنوع مرغوب ولعّل الكبت الديني الذي يعانيه الوطن العربي جعل معدلات الإلحاد فيه ترتفع في السنوات القليلة المُنصرمة، كنّا لا نسمع عن الملحدين إلا في الكُتب الآن أنت تَعْلَم وأنا أَعْلَم أن في حياتنا مُلحِدًا ، وتجاهُل وجودهم لن يعالج الأمر فالرغبة في الاختلاف أحيانًا سبب، ولكن عدم القدرة علي مواجهة أفكارهم إلا بترهيبهم وسبابِهم هي أهم سبب!

افتحوا الأبواب والآذان والعقول والقلوب، لنتقبل بَعضُنَا البعض ، لنواجه مخاوفنا من المختلفين عنا فديننا الإسلامي قادِر علي الدفاع عن نفسه بصحيحِ ما جاء فيه وليس برؤية مشايخ الجهل والرجعية، ولو كل منّا كان مسلمًا حقًا لكنا أفضل دعاية للدين ، ولكن نحن من أسأنا له عندما نخطئ باسمه !

للعام الخامس على التوالي يُطالِب الرئيس السيسي كلًا مِن الأزهر ومؤسسات الدولة المسئولة في احتفال المولد النبوي الشريف بتجديد الخِطَاب الديني ، ولا أدري ما سر هذا التقاعس عن ذلك المطلب الذي يمس الأمن الوطني!

ولادنا في سيناء بتموت أثناء المواجهة الأمنية للأرهاب هناك، ولكن طلب الرئيس يعكِس وعي الدولة الكامِل بأن مواجهة الإرهاب فكريًا لا تقل أهمية عن محاربته أمنيًا!

لذا أصبح تغيير لُغَة الخِطَاب واقِعًا متنورًا لا بديل عنه.

وأمام كُل القيل والقال مِن اتهامات غير مُبررة عِقابًا من الجامدين للمجددين ، فلا سبيل لرد الاتهامات إلا بالصبر والثبات ليكون الآتي أقل دماءً وكراهية مما فات!

ومن الممكن كخُطوة أولي علي الطريق أن نبدأ بإماطةِ الميراث السيئ عن هذا الطريق!

ترِكة التأويل والتهويل، و التّفسير الخاطئ لأحاديث الحبيب الغالي هادي الْبَشَر الذي ما جاء إلا ليكون رحمة للعالمين ، وضياءً ونورًا للمهتدين .

فلنكن علي دينه الحق ، متمسكين بمكارم الأخلاق الذي جاء عليه صلوات الله وسلامه ليتممها ويؤكد عليها، والتي قطعًا ليس من بينها القتل علي الهوية ولا العنصرية الدينية!

لذا من الممكن أن تكون أولى خُطوات الألف ميل، أن تُجَمَع الأحاديث التي تحُض علي الفتنة والقتل والفرقة والتحريض ، ويُشكل مجلس إسلامي بعلماء سمِحين ولدماءِ المراجعة سامحين وتقطَع الشك باليقين في ما لا يقبله عقل أو فِطرة ،وبالطبع دين!

فهل يُعقل أن محمدًا بُعث " بالسيف " رحمةً للعالمين! وأن السيف الذي لم يرِد ذكره بالقرآن الكريم لمرة واحدة هو الأصل في دين السلام المعروف بالإسلام؟

شيء لا يُصدقه قلب ولا يرتاح له عقل ! فالمُسلم في أبسط تعريفاته من سَلِم الناس من لسانه ويُده، فكيف يكون الدين بسطوة السيف وسلاطة اللسان وقسوة القلب وصلف العَقل !

إذا كان هذا دينكم فكما أوصاني ربي بكتابه الحكيم، "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " صدق الله العظيم، فديني هو دين المحبة والسلام وفطرته التسامح والإنسانية وتقبل الآخر، فالدين أو اللادين سيحاسِب عليهم رب كريم ، أما الأرض فهي حق للجميع وما علينا إلا أن نُطهر قلوبنا ونظهِر مكارِم أخلاقنا لتكون هي خير سفير لذلِك الدين !

الذي يُدافِع عنه بتشدد، سبابون لاعِنُون للدين نفسه! فأين المنطِق في غيرتكم علي الدين الذي أهنتموه بأفعالكِم، ما كان رسولنا الكريم سبابًا ولا لعّانا ، قام من مجلسه احترامًا لمرور جنازة اليهودي وعندما سئل أجاب بإنسانية بها وصية للبشرية، أن يجب احترام النفس مهما كانت أهواؤها الشخصية !

فأين أنتم من سماحة الرسول! وأين أنتم من تعاليم القرآن! الذي أقر الاختلاف بما لا يدعو بيننا للخلاف، فلندع الْحِسَاب ليوم الْحِسَاب ولنعش علي الأرض بما رحبت من عطايا ومحبة وتسامح ولنبتعد عن الضغينة ما ظهر منها من أسباب شكلية وعرقية ولوّنية وما بَطْن منها لركائز دينية وعِرقية .

ولنتذكَر دائمًا أن الدين لله والوطن للجميع ، والقلوب قادرة علي أن تتسع للتغيير لكن ربما هي بحاجة لأن تلين! والدليل ما رأيناه في منتدى الشباب من شبابنا في التقبُل للغير والتعامُل السَمح مع المختلِف قبل المؤتلِف!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط