الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فستان الغضب


" طولِة البال تُبلَّغ الأمَل "،، قاعِدة يقينية فُطر عليها عقلي ووافقه عليها قلبي في إتفاق قلما يَحْدُث !
لذا وَجَب علي قلمي أن يَذعُن لصبري، إرضاءً لما يُؤْمِن به من مُعتَقَدِي!

وكانت حُجتي قوية، فكان يجب إنتظار نهاية تلك الرياح العَفية ، التي أخرجت أسوأ أمراضنا بعفوية ، لتتضح الصورة التي لم تكُن بهية ، ويصِل الأمر إلي نقطة بعيدًا عن الفَريّة ، فيصبِح من المُمكِن أن نُعلِق عنه بحيادية! 

أسبوع و يزيد قليلًا والفنانة (رانيا يوسف )تتصدر محركات البحث والجرائد والبرامج والأحاديث الجانبية والمعارِك الخفية في مواقع التواصُل الهلامية!
فَتَح لها " فستان " فتحًا مُّبِينًا ، أسائت أو أصابت في إختياره ، لا يمكن الحُكم علي تقديرها الشخصي للأمر لأن لكل إمرئ ما نوي!
قضت رانيا علي الساحة ما يُقارِب العشرون عامًا ، أثبتت فيهم حضور بما تُقدِمه علي الشاشة ، ولكنّه حضور هادئ وأحيانًا باهت ! يجذِبَك لبرهة و تنساه بعد وَهلة.
وهذا ليس ذنب رانيا فهي مشكلة جيل تنتمي إليه ، قليلًا ما نجد العَمَل أو المُمثل العَلامّة ، وتِلْك المأساة الأساسية التي تولَدَت من رحمها كل التشوهات الفِكرية ، التي تدفع بالفنان أن يجْنَح بعيدًا عن المألوف ليصنع هذا الأثر المفقود!
فكانت القاعدة قديمًا أن الفنانات يصنعن تاريخهن بأفلامهم ، أما الآن فيصنعوه بفساتينهم!
ولا يخفي علي أحد أن صناعِة السينما بشكل خاص والدراما بشكل عام بها ظُلْم بَيَّن للبطلات ! فَكُل إهتمام النص بالبطل الرجل الشخصية المحورية للعمل أما وجود البطلة فهو ليأخذ العَمَل مسارُه الطبيعي ! وليس لصُنع تاريخ فني يُرتَكن عليه! 

وبالقَطع فأنا لا أكتُب سطوري تِلْك لتكون (حُكمًا )علي ذوق الفنانة أو أختيارها، ففي نهاية الأمر لها مُطلق الحرية أن تفعَل ما تشاء، فهي من ستتحمَل ثمن الإختيار وتبعاتُه ، وهجماتُه المرتدة!

لكن ما أكتُبه اليوم ليكون (حَكَمًا )علي رد الفِعل الذي صاحَب إطلالتها علي السجادة الحمراء في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأربعين !

حالة الهَلع التي ضربت في الأوساط الفنية والثقافية والسياسية ، بنفس المقدار التي أصابت به أجواء التواصُل الإفتراضية فأنعكست علي ما رأيناه لأيام طويلة من عدم رؤيتنا إلا لأخبار الفستان وتداعياتها ، وكأن اللعنات أصابت الكوكب مع ظهور ذَلِك الفستان !

وبالرغم من حالة المبالغة التي أحدثها رُعاة الفضيلة علي مواقِع التواصُل الأجتماعي المختلفة وفِي أماكن التواصل المجتمعي في البيت والعمل والنادي وغيرها ، إلا إنها قد تكون مقبولة لا يسيئ إليها إلا التجاوز اللفظي لحماة الأخلاق ، المُدافعين عنها و الكثير منهم يفتقدها بالأساس! ولٓكنها ستظل حالة لَغَط مجتمعي لها جذور تاريخية ممتدة لأيام حديث الجدّات مع جيرانهم من البلكونات أو في الطُرقات قبل عصر التليفونات.

المؤسِف في الأمر هو التعامُل الرسمي مع الأمر! فعندما تتصدر أخبار الفنانة عناوين صفحات الجرائد لأيام وأيام، بينما أخبار المتفوقين رياضيًا و تداول دواء ثبتت فعاليته في القضاء علي السرطان في الأسواق الأمريكية في الصفحة الأخيرة ،فهل يُقبَل هذا ! 

وعندما يطلُب أحد النواب مناقشة الأمر تحت قُبَّة المجلس العريقة، فهل وقت الشعب يسمح بهذا العبث ؟ أم أستقر في قلب النائب الإطمئنان علي حال المواطِن وأنتهت مشاكله مع الصحة والتعليم والغذاء والكساء والملبس ولا ينقصه غير القصاص العادِل من الفُستان؟ فهل يُعقَل هذا !

أما نقابة الممثلين وإصدارها بيان بنفس الشأن ، حتي و إن كانت نية النقيب أشرف ذكي هي إمتصاص الغضب المُجتمعي و هو مشكور علي نواياه الطيبة، لكن أهذا دور النقابة التعليق علي ( ستايل ) الفنانة؟ 

و حدِّث ولا حَرج عن تهافت محاميوا الشهرة في دفع البلاغات بالجُملة وكلها تَحْمِل نفس الجُملة ( الفستان) فهل يا رُعاة الحق من الْحَق أن تنشغل المحاكِم بتلك السفاهة؟ أليس من الأولي إعادة الحقوق لأصحابها؟ فماذا سيعود علي المواطِن إذا أصدر القضاء العادِل بتحويل رانيا والفستان لفضيلة المفتي ؟ 

إنتهت زوبعة الفستان وهدأت رِياح الغضب ، ولكن تِلْك العاصفة كَشَفت عن ضيق خُلقنا الذي ندافِع عنه بذريعة ما يمس أخلاقنا! لا زلنا بعيدين عن مرحلة الخلاف بلا إختلاف، وشديدي البُعد عن النقد الهادئ الخالي من التجريح، وفِي منأى آخر عن تقبِل الآخر ، فهل سنري نفس الأداء في الفساتين القادمة ! وإن سألوك عنه فإنه قريب وهذا ليس بأمر غريب!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط